شبكة قدس الإخبارية

عماد عقل: حان موعد استشهادي

مهند أبو غوش

يسأل ضابط المخابرات فتى، عند اقتراب نهاية محكوميته : ما الذي تعلمته من السجن؟

"أن لا أعود للسجن، مطلقا"، يجيب الفتى. يبتسم الضابط، لكن الفتى لا يبتسم.

::

الأيام تطحن أعصاب الفتى على رحى حجري يدور ببطء، تدور المفاتيح في أقفال الأبواب المتتابعة المطلية بالأبيض اللزج، ويخرج الفتى من ممر مضاء بالنيون الى شمس غزة. ولا يعود الى السجن مطلقاً.

::

اسم الفتى: عماد عقل. وهذه قصة حقيقية عنه. قالها لضابط مخابرات مزهو بعربية مكسرة بعضلات لسان تخلق لديه وهم امتلاك المنطق المدعّم ببضعة أمثال شعبية يطلقها كيفما اتفق ليعزز وهمه بأنه يقبض على لغة المكان أيضاً.

::

لم يعد عماد عقل الى السجن أبدا. بقطعة حديد اسمها "كارلوستاف" ( كارلو غوستاف) شق طريقه نحو شوارع بلا نهاية، ومدن بلا سجون. شكّل أولى خلايا المقاومة في غزة والخليل. في عمق ليل الخليل، وبسيارة بيجو بيضاء تتجاوز الدورية العسكرية وترش ما فيها من ملبس حلواناً داخل الدورية فيحبل الحديد جنازات عسكرية. يلقّح عماد عقل حديد الجيب. ولا يعود الى السجن، ويواصل انطلاقه في شوارع لا حد لها.

::

ذات ليلة حاصروا غرفة فقيرة تختبئ في حضن الليل، جيش بكامل عتاده وقيافته العسكرية حاصر الغرفة لأن عماد كان بداخلها.

قال عماد لإخوانه: سأغطي انسحابكم،"حان موعد استشهادي". (هذه أيضاً عبارة ليست من نسج الخيال، قالها عماد لصديقه الذي لم تبقِ له الليلة وقتا لإتمام الوداع. انسحب الشاب، الذي اسمه نضال فرحات، والذي أنجز بعد عشرين عاما مشروع صواريخ القسام).

نظر من زاوية النافذة،وافتتح جبهته الحربية، وطفق يطلق النار من مسدسه من السطح، من النوافذ المحطمة، وهو يقول: لن أعود الى السجن أبدا.

قذيفة عابرة مرت من خلال وجهه، لم يهتم، واصل التأكيد على قراره: أبداً!