شبكة قدس الإخبارية

تحقيق خاص | إعلانات لوظائف وهمية تفضي إلى التحرش الجنسي

إباء أبوطه

رام الله – خاص قُدس الإخبارية: ارتفعت مؤخراً حالات تعرض الفتيات لـ"تحرش جنسي" أثناء مقابلات عمل والبحث عن وظيفة، والتي يتم التقدم لها من خلال إعلانات يتبين أنها وهمية تنشر على المواقع الخاصة بالتوظيف. إذ ترسل الفتاة سيرتها الذاتية آملة بالحصول على وظيفة جيدة، وعند مقابلة المدير أو المسؤول تكتشف بأن الإعلان ليس سوى طعماً للتحرش.

شبكة قدس الإخبارية رصدت إحدى الإعلانات الوهمية التي نشرت في الآونة الأخيرة على إحدى مواقع التوظيف، حيث أعلنت شركة (م) للاستيراد والتصدير عن حاجتها لسكرتيرة. وتعرضت فتيات عدة على إثر هذا الإعلان للتحرش الجنسي.

الإعلان تكرر مراراً في فترات متباعدة، استطعنا توثيق فترتين منها. فقد كان فاقداً للشروط القانونية المتعلقة بالإعلان، كأن يحتوي على رقم هاتف أرضي أو خليوي، بالإضافة إلى تحديد مكان الجهة المعلنة عن الوظيفة.

إعلان التوظيف الأول أُعلن عنه في الثامن والعشرين من أيار، وكانت ضحيته فتاة سنتعرف عليها لاحقاً في سطور هذا التحقيق، أما المرة الثانية للإعلان فكانت قبل في الحادي والعشرين من حزيران، ولم نعلم حتى اللحظة الضحية المقبلة.

الصورتان أدناه توضحان الإعلان الأول والثاني لنفس الشركة، ونفس الشروط، وتخلو في الوقت ذاته من وجود رقم هاتف، أو حتى مكان محدد للشركة كما هو الحال في الإعلانات، إلا أنه في كل مرة يتم التلاعب بشكل المسمى الوظيفي، في الأول سكرتيرة، أما الثاني فمساعدة إدارية، هذا عدا عن تحديد عمر الفتاة للوظيفة بأن تكون أكبر من 26 عاماً.

Untitled1

Untitled2

قصص ضحايا التحرش

الفتاة (س) البالغة من العمر (22 عامًا) إحدى ضحايا الإعلان الذي تحدثنا عنه سابقا. تروي قائلة: "قرأت إعلاناً حول حاجة الشركة لسكرتيرة، أرسلت فعلاً سيرتي الذاتية، وتم التواصل معي وتحديد موعد المقابلة، وفعلاً ذهبت. دخلت إلى مكتب المدير وكان بمفرده. كنت أظن أنني سأقابل لجنة ما لتقييمي وإجراء المقابلة معي".

وتضيف (س): "سألني المدير عن الأمور التي أتقنها في مجال السكريتاريا، وحدثني عن المهارات التي يجب أن أتقنها، ثم قال: تعجبني شخصيتك. وأخذ ينظر إلي من الأعلى للأسفل، ثم أضاف: راح أغيرك كلك، وجهك، جسمك".

وتوضح (س) أن المدير اقترب منها وأخذ يتحسس كتفها ثم ساعدها، وتضيف، "من الصدمة جثوت مكاني، لم أعرف ماذا أفعل. ثم وضع يده على فخدي. أظهر نفسه أنه غاضب، وقفت وقلت له سأذهب، قال: لا حديثنا لم ينته".

وتتابع، "حاولت أن أخرج مسرعة، جاء بقوة منعني وقام باحتضاني، دفعته بقوة وخرجت. الأمر لم يقف هنا، بعد أن خرجت قام بإرسال العديد من الرسائل على جوالي طالباً مني العودة، وأنه يود توظيفي، إلا أني هددته بالحديث لأهلي عما حصل".

وردا على سؤال ما إذا كان أحد قد علم بالموضوع، أجابت: "لا طبعاً؛ بالذات والدي سيحرمني من العمل، وسيسجنني في البيت بدعوى الخوف علي من التحرش والاعتداء".

أما الفتاة (ن) البالغة من العمر (23 عاماً) فتقول: "قرأت إعلاناً الكترونياً عن حاجة أحد المراكز التي تصدر مجلات في مجال أدب الأطفال لفتاة ترسم شخصيات كرتونية، وفعلاً توجهت إلى المكان المطلوب. دخلت إلى مكتب المسؤول، فتح جهازه الكمبيوتر الخاص به وطلب مني القدوم  إليه خلف المكتب للاطلاع على بعض الرسوم. ثم قال لي انتظري 15 عشرة دقيقة سأذهب للمطبخ وأعود".

وتضيف (ن)، "انتظرت ما يقارب الساعة، فضقت لطول الانتظار، خرجت من المكتب باحثة عن المسؤول، فإذا بكافة أبواب المكاتب الداخلية للمركز قد أُغلقت، والموظفون قد غادروا المكان لانتهاء الدوام، وجميع الأنوار قد أُطفئت، شعرت بخوف، ناديت بأعلى صوتي سيد (س) هل أنت هنا، قال لي نعم أنا قادم".

وتتابع، "جاء إلي حاملا كوباً من الشاي، وأغلق باب المكتب وقال دعينا نتفاهم سوياً، فقلت على ماذا؟ قال لن تخرجي من هنا، قلت له افتح الباب، قال: لن افتحه حتى تشربي الشاي، فأجبت: إن لم تفتحه الآن سأصرخ بأعلى صوتي. تنحى فخرجت فوراً مسرعة نحو الخارج. إلا أن ذلك لم ينته، فقد قام بإرسال رسائل نصية على هاتفي الشخصي لأبيات من الشعر والغزل غير اللائق".

"كنتُ أحب الرسم منذ صغري حتى أبدعت وأصبحت مدربة في ذات المجال"، تقول (م) البالغة من العمر (26 عاما)، والتي قرأت إعلاناً عن حاجة مركز ما لمدربة في مجال الفنون الجميلة، فتوجهت للموقع المحدد بالفعل.

وتقول: "دخلت عند المدير وقال سأريك مجموعة من الطلبة الذين يتدربون على الرسم لتلقي نظرة عليهم. دخلت واطلعت على رسوم الطلاب وبدأت أوجه النصائح لكل طالب حول أساسيات الرسم بالتعليق على لوحة كل منهم. في إحدى اللوحات وأنا أقوم بالتعديل عليها جلست على الأرض وإذ بالمدير يجلس بجانبي ويضع يده على فخذي ويقول: شكلها الرسمة حلوة".

وتضيف، "شعرت حينها بأن هناك أمرا غير طبيعي، ثم عاد مرة أخرى وأنا اتحدث مع طالب حول رسمته فجاءني من الخلف وكان ملتصقاً بي، ووضع يده فوق يدي وأنا أمسك الفرشاة وقال: خلي الخط هيك يبيّن. غضبت جدا، وصرخت في وجهه: عيب عليك، فقال: شوفي؟ ثم تركت المكان ولم أعد".

إعلانات وهمية، ورقابة غير مضبوطة

تقوم الجهة المعنية أو الشخص بوضع الإعلان الذي يريده على موقع "شو بدك من فلسطين" الخاص بالإعلانات المتعلقة بالتوظيف وغيرها، بالإضافة إلى بعض التفاصيل المتعلقة به، ومن شروط النشر في الموقع أن يتضمن الإعلان رقم هاتف أرضي.

"قمنا بتتبع الإعلانات التي نشك في محتواها، كأن تكون الوظيفة وهمية والإعلان مضلل، أو بعض الشروط المرافقة للإعلان غير المنطقية؛ كالمطالبة بأن تكون الفتاة غير محجبة والراتب منخفض. فنقوم بإزالته عن الموقع، ونبلغ صاحبه برفض النشر"، هذا ما قاله مدير موقع شوبدك من فلسطين للإعلانات عبيدة زاهدة.

وأضاف زاهدة، "لا نستطيع في كثير من الأحيان أن نعلم ما إذا كان هذا الإعلان وهمي، أو أن صاحبة لديه نوايا سيئة، فهناك العديد من الأساليب الخادعة والملتوية". موضحا أن الموقع يتلقى شهرياً ما يقارب 1500 إعلان، يتم  الموافقة على نشر ما بين 700-800 منها، لأنه في غالبية الأحيان يصل الموقع بأن إعلاناً ما سيتسبب بخلق مشكلة أو إشاعة خلاف، أو أنه وهميّ.

من جهتها، أوضحت الموظفة في موقع "جوبس" للتوظيف أسيل حرباوي، بأن الموقع لديه بعض القيود والشروط للموافقة على نشر إعلان لديه، بحيث يتم قبول الإعلانات الخاصة من الشركات وليس الأفراد، وهذا يتطلب إرسال  معلومات خاصة بالشركة، كرقم وشهادة الترخيص، وغيرها من المعلومات التي تؤكد بأن الشركة المعلنة حقيقية لا وهمية. كما تُرفض الإعلانات المتعلقة بوظائف حساسة كحاجة محل تجاري لموظفة ما، أو مكتب محاماه لسكرتيرة.

الإعلانات الوهمية؛ قانونيا

وبالحديث عن الموقف القانوني من الإعلانات الوهمية، يوضح المحامي محمد سقف الحيط أن للأمر عدة جوانب، أولها مسؤولية الموقع الذي نشر الإعلان، وهنا يتم اللجوء إلى قانون المطبوعات والنشر الذي يتناول مفهوم "المطبوعة" بأنها كل وسيلة نشر دُونت بها الكلمات، وبالتالي فإنه ينطبق على الموقع الالكتروني صفات المطبوعة الواردة حسب القانون، كما أن مسؤولية الموقع عن الإعلان يحددها رئيس التحرير.

ويضيف سقف الحيط، أنه في هذه الحالة وإذا أفصح رئيس التحرير للجهات المختصة عن الإعلان لا يكون مسؤولاً ولا يعاقب، أما إن لم يفصح فإن العقوبة تكون وفق قانون المطبوعات والنشر استناداً للمادة (45)، حيث يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن أربعة أشهر ولا تزيد عن 6 أشهر، أو غرامة لا تقل عن 4000 دينار، ولا تزيد عن 6000 دينار.

الجانب الآخر يتعلق بالجهة المعلنة سواء كانت فردا أو شركات. وحسب سقف الحيط فإن هذه الجزئية يتناولها قانون العقوبات مادة (417)، والذي اعتبر السلوك بأنه احتيال يعاقب عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات. أما إذا كانت الجهة المعلنة شبكة، فإنها تعتبر جريمة تشكيل "جمعية الأشرار" وفقاً للمادة (159) من القانون ذاته.

ويتعلق الجانب الثالث وفقا لسقف الحيط بسلوك المعلن مع الشخص المقدم للإعلان، فإذا تضمن التغزل بالكلام فإنه يعتبر من قبيل التحقير والشتم، ثم ينتقل إلى جريمة هتك العرض، والتي تبدأ من اللمس حتى الاغتصاب حسب قانون العقوبات ويُحكم عليها بالسجن 15 عاماً.

وتابع سقف الحيط، إذا اجتمعت الثلاث جرائم في شخص واحد (الاحتيال، هتك العرض، تشكيل جمعية الأشرار)، يحسب الحد الأدنى للعقوبة والذي يصل لـــ10 سنوات.

سيكولوجية المتحرش وفعل التحرش

أخصائية الطب النفسي، د. سماح جبر تشير بأنه لا يمكن تمييز فعل التحرش من عدمه إلا من خلال معرفة "دوافع" المتحرش، "فبعضهم يكون في سن كبير (مصابون بالخرف)، وآخرون مصابون بنوبات مرضية، ومنهم فاقدون للرشد، وآخرون لديهم اندفاعات جنسية".

وتوضح جبر، أن التحرش قد يكون لفظيا كالمزاح والنكات، وهذا ما يمارسه المدير مع سكرتيرته أو أحد يحتل مكاناً أو سلطة ما، فيمارس سيطرته على شخص أضعف منه، وقد يكون ذلك باللمس أو الاحتكاك أو التعري، وجميعها تعتبر "انتهاكا لحق الآخرين وضد رغبة الضحية وانتهاكا لإرادتها".

وتلفت إلى أن المحاكم قبل أن تنظر في قضية التحرش، تطلب في العادة الكشف على المتحرِّش من ناحية طبية ونفسية، فإن كشف التشخيص عن إصابته بنوبه "زهامية" وهو عبارة عن خلل ضمن إحدى مكونات عملية التفكير المنطقي والإدراك الحسي، أو في حال تبين أنه شخص غير سوي، فإن العقوبة تخفف عنه.

وفي سؤال حول أثر التحرش على نفسية الضحية؛ بينت جبر أن بعض الفتيات يصبن بالاكتئاب والقلق والشعور بالذنب، حيث يقمن باستدخال رأي المجتمع وطرح سؤال: "ما الذي فعلته ودفع المتحرش لفعلته"، أو "لو لم أذهب للمكان الفلاني لما تعرضت لذلك".

وأضافت، أن أخريات يشعرن بالضعف فيخضعن للمتحرش مقابل الحصول على وظيفة أو شيء ما. وفي هذه الحالة لا يعتبر تحرشاً طالما كان بموافقة ورضى الفتاة إن كانت من  سن (18 عاماً) فما فوق، موضحة أنه في حال كانت الفتاة أقل من ذلك وإن كان برضاها فهو تحرش، "لأنها تعتبر قاصرا في نظر بعض القوانين".

"التحرش" جريمة مسكوت عنها

"ليس لدينا أرقام دقيقة حول حالات التحرش، هناك الكثير من الحالات المسكوت عنها، بسبب الخوف من الفضيحة الاجتماعية، أو بدعوى التستر وتجنب العار"، هذا ما قالته لونا عريقات المحامية في مركز المرأة للإرشاد النفسي والاجتماعي.

وأشارت إلى أن قانون العقوبات الأردني هو الجاري في الأراضي الفلسطينية منذ عام 1960، ولا يعترف بوجود جريمة اسمها "التحرش"، مضيفة، "تأخذ مراكز الشرطة على عاتقها في غالبية الأحيان احتجاز المتحرش لبيان الموضوع، لكن للأسف لا توجد مادة قانونية يمكن بناءً عليها متابعة الموضوع لأنه لا جريمه ولا عقوبة إلا بنص".

وتتساءل عريقات، "هل يدخل التحرش في نطاق خدش الحياء العام الذي ينص عليه القانون الفلسطيني؟! لانعلم"، مؤكدة أن المتحرش يستغل سلطة معينة لانتهاك إرادة الضحية، أو أي أحد مكلفّ بالرعاية، "حتى قانون العمل للأسف يقوم بتنظيم الحقوق والواجبات المتعلقة بالعمال من حيث التنظيم والتفاني".

وترى عريقات، أن التحرش هو فعلياً شكل من أشكال الفساد، حيث يستغل المتحرش سلطته كوسيلة للتحرش، "إلا أن قانون العمل لا يتطرق بنص واضح لموضوع التحرش".

وحسب ورقة أعدها مركز الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" بعنوان "تجريم التحرش الجنسي في الوظيفة العامة الفلسطينية ضرورة يقتضي إنجازها".  فإن قانون مكافحة الفساد الفلسطيني لسنة 2010، في المادة (1) حدد الجرائم الواقعة تحت بند الفساد، لكنه لم يعتبر التحرش الجنسي واحداً منها. إلا أنه يقع حسب المادة من الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة، والجرائم المخلة بالثقة العامة، بالإضافة إلى أنه شكل من أشكال إساءة استعمال السلطة بشكل مخالف للقانون.