شبكة قدس الإخبارية

حسن مناصرة.. ثلاجات الاحتلال لن تجمد نبوغه

شذى حمّاد

القدس المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: "منذ أن استشهد وأنا اشعر أني بينه وبين البلاستيك الذي يغطيه، أدفيه وأحاول إبعاد البرد عنه، مستحيل أن أنسى أو ارتاح طالما هو في الثلاجة"، هذا جانب مما تعايشه الأم ميساء مناصرة يوميا، فطفلها حسن محتجز في ثلاجات الاحتلال منذ أكثر من 100 يوم، "سيعود حسن وسأدفنه وأكرمه، أنا احتسبه لله، وأعلم أنه أحن عليه مني".

ففي (12 تشرين أول) الماضي، حكمت قوات الاحتلال على حسن بالإعدام الميداني، ونفذت حكمها فورا بعدة رصاصات خطفت بها حياته بعد ثلاثة أيام من احتفاله بعيد ميلاده الـ 15،  فيما تركت ابن عمه أحمد (13 عاما) ينزف قبل أن تعتقله، متذرعة بمحاولة الطفلين تنفيذ عملية طعن في مستوطنة "بسغات زئيف" المقامة على أراضي بلدة بيت حنينا شمالي مدينة القدس.

"كان هادئا بشكل كبير في يوم استشهاده، بقي حولي طوال الوقت، طلبت منه أن يرتب غرفته وبعد أن انتهى قلت له "يرضى عليك" لم يغب عني حينها سوى ساعة واحدة، ليعود إلي نبأ استشهاده"، تقول والدة الشهيدة.

ميساء وزوجها خالد مناصرة يحملان نعشا رمزيا مغطى بالعلم الفلسطيني خلال الفعاليات الاحتجاجية المطالبة باستعادة جثامين الشهداء المحتجزة، بقلوب متألمة باتت أبسط أمانيها استعادة جثمان طفلها ودفنه في تراب الوطن، ليشعر بالدفء المحروم منه منذ ارتقائه شهيدا، "طفلي حسن هو أصغر شهداء القدس، كما أنه ثاني أقدم جثمان محتجز في ثلاجات الاحتلال" مفتخرا ومتألما يقول والد الشهيد.

12596077_578259025664279_47982236_n

بين انتفاضتين اختزلت حياة الطفل الشهيد حسن بعيدا عن طفولته وأحلامه، ولد بعد أقل من شهرين على انطلاق انتفاضة الأقصى واستشهد في أوائل الانتفاضة الحالية، يقول والد الشهيد، "حسن كان ابن جيله، ويعيش سنه لحظة بلحظة، كان يحب ألعاب الفيديو، كما كان ماهرا في الحركات البهلوانية".

فميا تقول والدته، "كان املي علي البيت، لا يغيب عن بالي لحظة، كل حركة تدور حولي تذكرني بحسن، دائما أتخيله حولي وجنبي"، مضيفة، أنه كان يحب أن تطبخ له الملوخية، وطلب منها قبل استشهاده أن تعد له طبخته المفضلة "المسخن"، "لم أعد له المسخن قبل استشهاده، إلا أنني سأعده وأوزعه عن روحه عندما يخرج شقيقه من السجن".

مطيعا، هادئا، تتملكه عزة النفس، حنونا، ومحبا للأطفال كان حسن، وتضيف والدته، "كان مرحا يحب المشاركة في الرحلات، كانت يحب ممارسة الرياضة والحركات البهلوانية"، وتتابع، "مرتب جدا كان حسن، دائما خزانة ملابسه مرتبة، كما كان يرتب خزائن المطبخ دائما ويساعدني في أعمال المنزل".

وتروي أن حسن كان مجتهدا في مدرسته ويحصل على تقدير ممتاز، ويمتلك ميولا علمية، "اجتهد بشكل أكبر هذا العام حتى يستطيع اختيار التخصص العلمي، بعد أن اتفقت واياه على دراسة الطب"، مشيرة إلى أن معلماته ومنذ طفولته لفتوا انتباه العائلة إلى ذكائه ومهارته في التحليل والفهم وخاصة في مادة الرياضيات واللغة الانجليزية.

فيما يضيف الوالد، "رغم طفولته إلا أنه كان على قدر من المسؤولية، كان يساعدني في عملي ويقف بجانبي، كنت أتحدث معه كأني أتحدث مع شخص بالغ، ففكره ناضج وواعٍ"، كما أن حسن رفيق درب والده الدائم للمسجد الأقصى، وقدر ما يستطيع يستثمر اللحظات السريعة التي يشعر خلالها أن والده له وحده.

12606819_578259045664277_921095933_n

ورغم حب واحترام حسن لوالده، إلا أنه لم يحسب يوما حسابا لذلك الحاجز بين الاب والابن الذي يشعر به أي فتى أو مراهق بعمر حسن، وقد اتخذ من والده صديقا مقربا، "كان يفاجئني بتصرفاته الطريفة، فعندما كنا ندخل للبقالة، كان يذهب ويشتري ما يريد ثم يأتي ويربت على كتفي ويقول لي يلا حاسب يا أبو الشباب".

دون أطفاله، كان يشعر خالد بالخوف الدائم على طفله حسن، فيستذكر أنه قبل (10 سنوات) وصله نبأ وفاة أحد ابنائه وأول من جاء على باله ابنه حسن، "كنت أشعر بالخوف الكبير على حسن، أعي تماما أننا شعب مستهدف، ولكني كأي أب لم أتوقع أن يستهدف ابني، قد خطر على بالي أنه ربما أعتقل أو اعتدي عليه بالضرب، ولكن لم أستوعب أن يتم تصفيته بهذه الطريقة".

الأب المفجوع باستشهاد طفله ما زال يشعر  بروحه في أركان المنزل، يرى مقعده على مائدة الطعام فارغا، فيبدأ بمناداته قبل أن يتذكر أن رصاصات الاحتلال اختطفه، "مرات كثيرة أنادي عليه وقد نسيت أنه استشهد، أرى كل ذكرياته ومواقفة في زوايا وغرف المنزل".

وأضاف، "فقدانه كان صدمة لأشقائه الذي يستفقدونه في كل شي، فقد كان لحسن حضورا بارزا في البيت، كان يحب شقيقه الصغير جدا ويداعبه ويحمله طوال الوقت".

سارة (12 عاما)، آدم (8 سنوات)، هالة (7 سنوات)، أشقاء الشهيد حسن مازالوا يعانون صدمة من استشهاد شقيقهم وما تبعه من اقتحامات متتالية، والتنكيل بالعائلة وتدمير محتويات المنزل، فيبين خالد أن الاحتلال ارتكب جرائم متتالية بحق عائلته، بدءًا من إعدام طفلهم ثم احتجاز جثمانه، ثم اعتقال شقيقه ابراهيم (17 عاما)، إلى الاقتحامات المتكررة التي تنفذها قوات الاحتلال لمنزلهم.

ويوضح، أن قوات الاحتلال خلال اعتقالها نجله ابراهيم بعد ساعات من استشهاد حسن، قامت بالاعتداء بالمبرح عليه ما تسبب له بكسور ورضوض، وعندما لم يجد الاحتلال ما يتهم به ابراهيم، اتهمه بالاعتداء على أحد جنود الاحتلال خلال اقتحام منزله وهو ما تنفيه العائلة وشهود العيان الذين حضروا الاقتحام.

[caption id="attachment_83518" align="alignnone" width="267"]الشهيد حسن مع والده وشقيقه الأسير إبراهيم الشهيد حسن مع والده وشقيقه الأسير إبراهيم[/caption]

ويقول، "الاحتلال أوقع بظلم مركب على ابراهيم، ثم قام بتنفيذ مسرحية اتهمه فيها بالاعتداء على أحد الجنود، على الرغم أن أكثر من جندي اعتدوا عليه ولم يستطيع الدفاع عن نفسه حتى".

"هُنا يطيب كل شيء" جملة كتبت على صورة للمسجد الأقصى، كانت آخر منشورات الشهيد حسن مناصرة على صفحة فيسبوك، فيما تساوم سلطات الاحتلال العائلة على تسليم جثمانه مشترطة دفنه خارج أسوار مدينة القدس، لكن والده يؤكد، "حسن لن يدفن إلا في تراب مدينته، وفي مقبرة الأسباط خاصة حيث تدفن العائلة أبنائها منذ عشرات السنوات".