شبكة قدس الإخبارية

معتصم في الكيماوي

ميرفت صادق

أم مؤمن كانت جارة لنا في حيّ بعيد ... تربي أربعة أطفال مرضى، وهي خامسهم، كانت تواجه مرض السرطان الذي استدعى استئصال جزء من جسدها. وفي كل مرة كانت تذهب إلى جلسة العلاج بالكيماوي كانت توصي الأهل والجيران والناس بأبنائها. "كنت أشعر بأنني سأموت"،قالت.. ولما تعود، تغيب عن وجه الحياة ثلاثة أيام، تصارع ألماً لا يوصف، وتسكن السخونة "جسما مسموما كأنه تجرع المياه العادمة" هكذا وصفت.

وهكذا كانت تردد دائما.. "جلسة الكيماوي تمرين للموت"!

اليوم تذكرتها، وأنا أكتب عن أسير شاب جميل اسمه " معتصم رداد" عمره 27 عاماً من بلدة صيدا .. قابلت شقيقه بالأمس، وكان يحكي عن انتظاره في " تابوت" .. وقد تمكن منه المرض بعد تسعة أعوام في الأسر.

منذ الأمس وأنا أنظر لصورته، تبدو قديمة، إذ لا أثر فيها سوى لحياة مطمئنة وثابتة رغم سجنها،.. ثم سأعود لأقرأ عنه ومنه :" محكوم بالسجن 25 سنة، ويعاني من التهابات وأورام سرطانية في الأمعاء ونزيف دموي حاد ومتواصل وآلام شديدة أدت إلى إصابته بفقر الدم".

ثم لا أستطيع مطابقة الصورة الذهنية عن شاب أنهكه المرض بتلك التي في إطار حمله شقيق يرتجف من لحظة موته ..

أفكر في معتصم، في جلسات الكيماوي التي تقررت له بعدما ماطل سجانوه كثيرا في علاجه وجعلوا جسده حقل تجارب وهددوا باغتيال قلبه مرات عدة .. أفكر فيه؛ ماذا يفعل بعد جلسة كيماوي " تمرين الموت " كما قالت جارتنا .. لا أم تهدهد ألمه، ولا أخت تبدل خرقة الماء البارد على جسد يغلي من الحمى!

أفكر فيه، وحيدا يتألم في زنزانة لا شمس فيها ولا هواء .. يقول دائما " يا الله يا الله ".

وأذهب لقراءة ما كتب في " رسالة تئن "، بعث بها منذ شهر :" جسمي صار حقل لكل أنواع الأدوية، .. أتناول 25 حبة دواء يوميا، ولا يوجد أي تقدم، .. لا زلت أعاني من نزيف دائم في معدتي وقصور في عمل القلب وارتفاع دائم في ضغط الدم وانتفاخ في اليدين والرجلين وتشنجات في العضلات وسعال شديد".

ثم شد على روحه ليضيف:" أنا أموت بالتدريج .. موتا بطيئا، والوقت يمرّ بسرعة والخيارات مغلقة، لقد رفضت العودة إلى ما يسمى مستشفى الرملة لأنه عبارة عن مسلخ يمارس الأطباء الإسرائيليون فيه وحشيتهم علينا، وهذا المستشفى ليس أكثر من ثلاجة للموتى!".

وكي لا يُختَصر ذكركَ يا معتصم في النزيف فقط، .. لتحتفي الأمهات بأولاد سيبذلون الكثير ليشبهونك يوم " اشتباكك واستشهاد رفاقك " .. وليحتفي وطن ينساك اليوم، ويذكرك غدا .. بدمك الذي رفعه! .. نحن لا ننساك!

يا معتصم، "يا اسم البرتقال .. و بسملة الندى و الزعتر البلدي و المنزل يا أيّها الولد الموزّع بين نافذتين لا تتبادلان رسائلي قاوم  يا أيّها الولد المكرّس للندى قاوم! يا أيّها البلد - المسدس في دمي قاوم!