شبكة قدس الإخبارية

كوكب وكوكبا!

إسماعيل أبوشميس

عند إلقاء نظرة على خارطة الديار الفلسطينية بشكل خاص، وبلادنا السورية بشكل عام، يستوقف العين عدد القرى التي تحمل اسم "كوكب" أو "كوكبا / كوكبة"، فمثلاً قرية كوكبا قضاء غزة، وكوكب أبو الهيجا قضاء الناصرة، وكوكب الهوا قضاء بيسان، بالإضافة إلى كوكبا حاصبيا في لبنان، وكوكب قطنا في ريف دمشق. وبرغم تكرر الاسم لم تقع عيني في الكتب التي تناولت تاريخ أو جغرافية البلاد، إلا على إشارة مقتضبة إلى المعنى اللفظي للكلمة؛ مشتقة من الكوكب بمعنى النجم.

ولذلك أجد أنه من المهم البسط، في معنى الكوكب لغةً، ثم التعريج على سبب إطلاق الكلمة على بعض القرى.

تعود كلمة كوكب العربية إلى الكلمة الأرامية "كوخبا / كوكبا"، من "كوكّابو" الأكدية، والتي تعود بدورها إلى الكلمة الأوچريتية "كبكب / كڤكڤ". وقد ظلت تستخدم في العربية للدلالة على مطلق النجم، أو الأجسام المنيرة في السماء، لكن الكلمة ومع تغير الاصطلاحات الفلكية، اقتصرت على الكواكب السيارة فحسب، والتي كانت تسمى قديماً بالسيارات.

أعود إلى السؤال الأهم؛ ما هو التصور الذي دفع أجدادنا لتسمية بعض القرى بكوكب، أو كوكبا؟

لا يمكن تفسير الأسماء التي أطلقها أجدادنا على القرى والمدن دون فهم طريقتهم في العمران، وما يتبعه من تصورهم عن تأمين المدن من خلال استغلال امكانات المكان نفسه. لطالما فضل بناة المدن الأوائل في بلادنا، الفصل بين المدينة وبين ميناءها، وبين المدينة وحاميتها العسكرية، بل وحتى بين المدينة وسوقها التجاري. فعلى سبيل المثال، بنيت غزة كمدينة مسورة على تلة عالية من الحجر الرملي، بينما بني ثغرها البحري "ميوماس" كمدينة تابعة، تخضع للمدينة الأم إدارياً، وتنفصل عنها جغرافياً، مما أعطى المدينة الأم منعة نسبية أمام الغزو البحري. كذلك فقد بنيت حاضرة عسقلان كمدينة أم "متروپوليس" محاطة بثلاث مدن تابعة، فجعلت المجدل "مچدال / بمعنى برج المراقبة" حاميتها العسكرية المتقدمة، وجعلت الجورة "آچوارا / بمعنى السوق" مركز تبادلها التجاري مع المدن الأخرى، وجعلت حمامة "پاليا / الحمامة كاستعارة عن الجمال" بساتينها التي زينت بالحمام.

غرضي من سوق عسقلان، الحديث عن "المجدل / مجدل / مِچدال / أو برج المراقبة" الاسم الذي يتكرر، ليصف مدينة تابعة احتفظت ببرج مراقبة وحامية عسكرية مهمتها الانذار المبكر والدفاع على خط متقدم عن المدينة الأم.

كوكب لا تختلف عن المجدل، إلا في كونها معتمدة على خيال الرائي، أكثر من اعتمادها على نية المصمم، أو معمار المدينة، فكوكب بمعنى النجم، مرتبطة بالشكل الذي بدت عليه نقطة الحراسة ليلاً، حيث تقيم مجموعة من الجنود على مكان مرتفع، يضاء بمشعل يبدو للقرى المحيطة كنقطة مضيئة أشبه ما تكون بنجوم السماء.

اليوم أنظر إلى الخارطة وأدقق في اللغة، وأتأمل كيف سقى أجدادي الفجاءات خذلانها، فلم يتركوا الأرض ملكاً للمصادفة. كيف جمعت مخيلاتهم مناكب الطرق وأعضاء البلاد على دين واحد؟ وحيه القلاع والحصون؟ ومعسكرات الرصد الطليعية؟

عوالمُ زبدةٌ على لسان الوصف، بلادي؛ إن وصفت. قلاعٌ ربضٌ للغازي، بلادي، مذ آمن أجدادي بالجبل.

________________________

كوكبا: في عام ١٩٤٨، وفي عملية "يوآف / أو عسروت مكوت، أو الضربات العشر"، التي هدفت إلى احتلال قرى الجنوب، حددت القيادة العسكرية اليهودية قرية كوكبا، كأحد أكثر الأهداف أولوية، ففي حال السيطرة على كوكبا ستسقط عراق سويدان حيث الموقع العسكري الأضخم في جنوب البلاد، وبالتالي ستنهار كل خطوط الدفاع جنوب البلاد، وهذا ما حدث فعلاً.