شبكة قدس الإخبارية

مقبرة مأمن الله في القدس: الأموات ضحية "للتسامح"

صفاء خطيب

لتتعرف على أبرز معالم القدس، بإمكانك أن تفتح ويكيبديا لتعرف أكثر، لكن ويكيبيديا لن يخبرك أن معلما كمتحف التسامح العالمي المخطط بناؤه قريبا بعد أن حفرت أساساته، ووضع تصميمه، مقام على أرض مقبرة مأمن الله، أكبر المقابر الإسلامية مساحة في القدس، ويقال في فلسطين أجمع.

ولن يخبرك أن هذا المتحف يرقد تحته جسد شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف أبو المعالي المقدسي بعد أن ارتفعت روحه إلى السماء في العام 1501م . ولن تعرف أن أكبر مستشاري السلطان صلاح الدين الأيوبي الأمير عيسى بن محمد العكاري الشافعي، لربما ستخطو فوق قبره إن حملتَ - "جاهلاً" - رسالة التسامح العالمي وجئت لزيارة المتحف في القدس المحتلة. مأمن الله تاريخيا
اسم مقبرة مأمن الله يعني “ماء أو بركة من الله"، ويسميها البعض “ماملا”، تقع غربي مدينة القدس القديمة، وعلى بعد مئات الأمتار من باب الخليل، وهي من أكبر المقابر الإسلامية مساحة، حيث تقدر مساحتها بحوالي 200 دونم. mamanallah ضمّت المقبرة رفات عدد من الصحابة والتابعين والعلماء، بالإضافة إلى 70 ألف رجال وامرأة وطفل من المسلمين الذين قتلوا بالمجازر الصليبية. وتضم رفات قاضي القضاة شيخ الإسلام محمد بن جمال العبسي الحنفي، وقاضي القضاة برهان الدين بن جماعة، وشيخ الإسلام محمد الرازي، وأكثر من 30 عائلة مقدسية كانت تدفن موتاها في مأمن الله حتى عام 1948، ومنها عائلة الدجاني، العلمي، نسيبة، العسيلة، النمرية، اغنيم وغيرهم.  تاريخ طويل من الاعتداءات  منذ وقت مبكر وحتى الآن كانت مأمن الله هدفا من أهداف الإسرائيليين، ففي الأعوام ( 1935-1947) تعرضت المقبرة إلى الكثير من الاعتداءات، تمثلت بإلقاء أنقاض الأبنية والأتربة وتمديد مواسير المياه القذرة وسكبها على أرض المقبرة. [caption id="attachment_6718" align="aligncenter" width="500"]الاعتداءات على القبور وتكسير الشواهد الاعتداءات على القبور وتكسير الشواهد[/caption] وفي العام 1948 احتلت القوات الإسرائيلية الجزء الغربي من مدينة القدس، فسقطت من ضمنها مقبرة مأمن الله، وفي نفس العام أقرت "اسرائيل" قانون أملاك الغائبين الذي ينص على أن جميع الأراضي الوقفية الإسلامية وما فيها من مقابر ومصليات ومساجد بأراضي هي تحت إمرة وتصرف ما يسمى بحارس أملاك الغائبين – فيما استثنى القانون أملاك الطوائف الأخرى-، وكهذا أصبحت مقبرة مأمن الله أملاك غائبين لدى دائرة أراضي اسرائيل. وفي عام 1960 تعرضت المقبرة لاعتداء صاروخي، ثم تحول جزء كبير منها إلى حديقة عامة سميت بحديقة الإستقلال، وذلك بعد جرف مئات القبور ونبش عظام الموتى، لتستوي الأرض ويزرع الشجر وتشقّ الطرقات وتوضع الألعاب، ومنذ ذلك اليوم اشتهرت الحديقة كوكر لممارسة أعمال الرذيلة خاصة من الاسرائيليين الشواذ جنسيا. [caption id="attachment_6722" align="aligncenter" width="423"]جزء من حديقة جزء من حديقة "الاستقلال" التي اقيمت على أنقاض جزء من المقبرة[/caption] وفي العام 1985 أنشأت وزارة المواصلات الاسرائيلية موقفا كبيرا للسيارات على قسم آخر من المقبرة، وتم تمديد شبكة مياه عادمة داخل ما تبقى من أرض المقبرة، مما أدى إلى تدمير هياكل الأموات وانتهاك حرماتهم. [caption id="attachment_6723" align="aligncenter" width="362"]آثار زجاجات الخمر بين القبور آثار زجاجات الخمر بين القبور[/caption] استمر ذلك حتى العام 2000 لتبدأ مرحلة تخطيط جديدة تستهدف المقبرة، وهي مرحلة تخطيط الحكومة الإسرائيلية لإقامة ما يسمى بمركز الكرامة الإنسانية - متحف التسامح في القدس، كمبادرة من مركز فيزنطال الذي يقع في لونس انجلوس في الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم من إيهود أولمرت بصفته رئيسا لبلدية الاحتلال في القدس في ذاك الوقـت، وأريئيل شارون وموشي كتساف رئيس "اسرائيل" حينها.

IMG_2469

 تسارعت الموافقات لإقامة المتحف، وتم البدء بجمع التبرعات له من الولايات المتحدة التي وصلت لأكثر من 200 مليون دولار. ليتم إصدار خارطة للمتحف برقم (8030) وبرخصة رقم (53267) وتتم الموافقة الأخيرة على رخصة البناء يوم 1612003 . وفي العام 2005 يضع والي كاليفورنيا أرنولد شفارتسنجر حجر الأساس في القدس بعد أن صرح وقال: “ قبل نحو ثلاثة آلاف سنة وقف الملك سليمان في مكان كهذا حتى يبني الهيكل، ونحن على نفس التقليد من الأمل نقف اليوم هنا، وهذا المتحف سيكون المعبد والهيكل الذي سيرشدنا”.  قانون لا ينصف من رحلوا  في مطلع كانون أول من العام 2005 تم إقامة سور حديدي يحجب الرؤية ويغلق بأبواب حديدية على أكثر من 15 دونم من أرض المقبرة، لتبدأ الأعمال التحضيرية لإقامة المتحف، وردا على ذلك قامت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث بتقديم التماس إلى المحكمة الاسرائيلية العليا ضد كل من مجموعة المتاحف المسماة (SWS) القائمة على بناء المتحف.  وبعد مرور سنة من المماطلة والتأجيل بحثت المحكمة العليا في الملف بتاريخ 1522006، بالتزامن مع اعتصام احتجاجي قبالة المحكمة لتصدر أمرا احترازيا يمنع العمل في مقبرة مأمن الله باستثناء أعمال سلطة الآثار. وأمام القضاء الشرعي توجهت مؤسسة كرامة لحقوق الإنسان بتفويض من أهالي القدس ممن دفن أجدادهم في المقبرة، بطلب إيقاف العمل على أرض المقبرة، لتصدر المحكمة بتاريخ 222006 قرارا بإيقاف العمل، لكن الشركات الاسرائيلية المنفذة لمتحف التسامح استأنفت العمل بعد يومين من صدور القرار بحجة أن لا صلاحية للمحكمة الشرعية بإصدار هذا القرار. امتد الصراع لمطلع عام 2013، حيث قامت جرافات كبيرة بحفر وتجريف مساحات واسعة من أرض المقبرة بعمق نحو 15 متر وإزالة كل محتواها، وفي نفس الوقت قامت شركة “موريا” الاسرائيلية ببناء مقهى على مساحة دونمين من أرض المقبرة، عدا عن قيام الشركة بتحويل جزء آخر من المقبرة إلى مخزن للمعدات والمواد الإنشائية في وقت سابق. [caption id="attachment_6720" align="aligncenter" width="341"]الشيخ رائد صلاح في إحدى المظاهرات أمام المقبرة الشيخ رائد صلاح في إحدى المظاهرات أمام المقبرة[/caption] وردا على ذلك قامت بعض المؤسسات الفلسطينية منها مؤسسة الأقصى للوقف والتراث بإقامة مؤتمر صحفي في أرض المقبرة في منتصف آذار الماضي، بحضور العديد من القيادات الفلسطينية كالشيخ رائد صلاح والشيخ عكرمة صبري، وقام مدير المؤسسة المهندس أمير خطيب بالكشف عن المخططات الجديدة المنوي إقامتها في الوقت القريب، وأبرزها رصد الحكومة الإسرائيلية مبلغ 10 ملايين شيكل – أي ما يقارب 3 مليون دولار- للبناء على ما تبقى من أرض المقبرة. وهكذا، تستمر الآلات الإسرائيلية في الحفر وانتهاك حرمات الأموات في القدس، ولا توقفها محاكم، ولا تمنعها احتجاجات ونداءات استنكار، ليُبنى "التسامح" على عظام الموتى، ويصحو الفلسطينيون ليجدوا معلماً آخر من معالم مدينتهم المقدسة قد .. اختفى. فيديو من انتاج مؤسسة الأقصى يروي حكاية المقبرة: