شبكة قدس الإخبارية

من طوباس: حكاية أسرة أهملها المسؤولون فأقصدها الفقر

هبة مصالحة

في مُحيط طاولة مستديرة من الخشب لا غطاء يكسوها، تجلس أمّ بهاء – 35 عامًا- برفقة زوجها يتناولان فُنجانًا من الشّاي في محاولة شبه بائسة لإطفاء صقيع الرياح أو ما بقي من برودة مُخزّنة في أرجاء المنزل الصغير، الذي غمرته المياه الباردة والسيول منذ زمن ليس ببعيد. تلك السيول التي اقتحمت المنزل من بابه الذي لم يسبق لأم بهاء أن أصغت إلى صوته يُقرع منذ انتقلت إلى منزلها الجديد قبل أكثر من عشرة سنوات.

 معاناة الفقر وآلام الحياة

 تعيش تلك المرأة المُكابدة برفقة زوجها وخمسة من أبنائها في منزل يبدو للوهلة الأولى غير مأهول بالسَكان، في قرية " عقابا" قضاء مدينة طوباس بالضفة الغربية، "نعاني هنا أيّما معاناة، لا نجد من يسمع صوت صراخنا، أو يستجيب إلى مطالبنا ويحقق لنا أحلامنا المُتواضعة"، تقول أم بهاء في نبرة تكاد العبرات تخنقها. 

ولا تتجاوز أحلام تلك الأم سوى إدخال بعض الإصلاحات على منزلها، بحيث يصبح مؤهلا للسكن، وتوفير مصروف مدرسي لأبنائها الذين يبلغ عمر أكبرهم 19 عامًا، فيما لا تتجاوز الصغيرة الرابعة من عمرها.

image

 ترمق أم بهاء باب منزلها بنظرة حادة تكسوها دموع حارة تستأذن بالسيلان، لم يقف دون نزولها سوى عدد من المحيطين بتلك الطاولة الخشبية، وتضيف :" جار الزّمان علينا فجأة، فحالنا اليوم لا يسر العدو ولا الصديق، نحن الذين كُنّا نعيش يومًا في حالة من الاستقرار".

 وكانت أمّ بهاء وزوجها البالغ من العمر 50 عامًا، قد امضيا سنوات عمريها بالعمل في قطف الخضروات، أينما كانت تحط رحالهما بعد التنقل في أرجاء الأراضي المُحتلة عام 1948، فاستطاعا خلال تلك الفترة توفير قوت اليوم وتأهيل الصغّار إلى مرحلة الدراسة، قبل أن يضرب الاحتلال بجداره العازل – عام 2002- على محيط الضفة الغربية، فقطع كل أواصر الحياة والتواصل، وفرضَ على السكان أمرا واقعًا هو أشبه بالسجن أو العزل بعيدًا عن مناطق العيش والعمل.

 هُناك في المنزل الصغير يلعب عدد من الأطفال في غرفة واحدة تفتقر لكل شيء، للفراش والأسرة، وحتى الشبابيك، يلهون مستمتعين تكسوهم البسمات برغم الألم والبرد الذي يجري في عروقهم، إلى جانب أنواع مُنوّعة من الحشرات القاتلة والأفاعي، تلك الغرفة الصغيرة التي لا يؤنس وحدتها سوى غرفة هي اصغر منها يقطنها أبو بهاء وزوجته والى جوارهما طفلة صغيرة تحتضن الوالدين علّ ذاك الحضن الدافئ يطرد صقيع الرياح.

image_1364074765635464

 زواحف وحشرات.. وحكومة مُتقاعسة

 "بشكل شبه يومي نقتل عدد من العقارب، وفي الصيف تقيم الأفاعي إلى جوارنا"، تقول أم بهاء وهي تنظر مرّة أخرى إلى باب منزلها وكأن وحشًا يستأذن بالاقتحام، وتسترسل :" كُنّا اشتكينا مرارا وتكرارا على مر السنوات السابقة، ولكن ما من مجيب، حتى قسم الشؤون الاجتماعية في القرية وفي المحافظة ما زال يرفض مد يد العون، على الرغم من تلك الميزانيات والأموال المكدسة في صناديقهم، والتي توزّع على ذوي القربى من الموظفين كما نسمع من النّاس، وتراعى في عملية توزيعها العلاقات الشخصية على حساب المُحتاجين".

 وتحمل تلك الزّوجة على السلطة والحكومة الفلسطينية وصولا إلى مكتب المحافظ ومن هم أدنى من ذلك منصبًا، تركهم العائلات المستورة بلا مساعدة، "بمن نستجير إذا لم ترع المؤسسة الرسمية شؤوننا، لقد تركونا في حالة شبه مأساوية لا نكاد نجد قوت يوم لأطفالنا، السنا أحق بالمساعدة من أولئك الذين تُوزّع عليهم المساعدات المادية والمؤنات؟".

  رحلة البحث عن لقمة العيش

 ويتقاسم الزوجان أم وأبو بهاء تلك المعاناة سوية، فهو أيضًا يسعى جاهدًا للعثور على مصدر رزق لأطفاله، وبعض من الأموال التي قد تساعده على ترميم منزله، أو على الأقل يستطيع من خلالها إطفاء تلك الرهبة الخالدة في عيون زوجته كلّما رمقت باب منزلها بناظريها، " ذلك الباب يزعجني، نظراتها نحوه تقتلني وتزيد معاناتي، هذا كله إلى جانب أطفالي الذين لا ادري من أين أعيلهم".

 وكان أبو بهاء حاول على مر سنين طويلة الحصول على تصريح من شانه أن يسمح له بالدخول إلى الأراضي المحتلة عام 1948، للبحث عن مصدر رزق للعائلة، " حاولت الحصول على التصريح على الرغم من حالتي الصحية المتردية، فانا أعاني بشكل مؤلم نتيجة آلام في المفاصل والظهر، ولكن الاحتلال ما زال يقطع مصدر رزقي ويمنعني من الدخول إلى وطني المحتل، وهنا بالضفة لا أكاد أجد مصلحة صغيرة أديرها أو عمل يوفر لي فرصة للعيش" ، يقول الرجل.

ويمنع الاحتلال الإسرائيلي الآلاف من العمال الفلسطينيين من دخول الأراضي المحتلة للبحث عن فرصة عمل، ويقطع الطريق أمام أحلامهم، مما تسبب برفع حالة الفقر في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل منقطع النظير.

image_1364074786246791

 باب المنزل

 وأشار أبو بهاء إلى انه لم يدخر جهدا في قرع أبواب المسؤولين، ولكن "لم أجد أذنًا صاغية وبقي وضعي وأسرتي المادي شبه معدوم، فبالكاد أستطيع سد رمق أولادي وتوفير لقمة العيش لهم، أو على الأقل كل ما أسعى إلى توفيره هو بعض من الأموال أسدد من خلالها ديوني، أو لقمة هانئة من الزّيت أضعها في حقيبة احدهم يتناولها أثناء مكوثه في مدرسته، والزيت أيضا ارتفع ثمنه حتى بات الحصول عليه مؤرقًا".

image_1364074632847852

 تقاطعه أم بهاء في هذه اللحظة، لتقول :"لست أنانية ولست ابحث عن الغنى، لا أريد شيئًا، فلا احد في أيامنا هذه يموت جوعًا، على الرغم من التمييز أيضا في عمل لجان الزّكاة، أحلامي وطموحاتي صغيرة، في هذه الأثناء، وفي غمرة هذا الجو البارد، كُلّ ما احلم به هو باب لمنزلي يقيني البرد في الشتاء والحر في الصيف، أو على الأقل يجعلني ارقد بارتياح لا أخشى على أولادي من الأفاعي والعقارب السامة التي تهدد حياة هؤلاء الصغار".

image_1364074713033972

image4

image_1364074737419138