شبكة قدس الإخبارية

بيت صفافا لا تهدأ في وجه الاستيطان

ريم عليان
أبو علي وأبو عطية من بلدة بيت صفافا الهادئة في القدس المحتلة. أبناء عمومة وجيران منذ عشرات السنين. يناديان على بعضهما البعض بالصراخ البسيط أحيانا من شرفة منزليهما. أما في ظل مخططات بلدية الاحتلال في القدس شق شارع سريع يخترق بيت صفافا، فلن يعدّ بمقدور أبي عطية إلقاء تحية الصباح على جاره. سيفتح كلٌّ منهما نافذته ليرى جداراً مرتفعاً يفصل بينهما وبين الشارع. "صباح الخير" ستُكلفهما بعد هذا الشارع ركوب السيارة لنصف ساعة. بيت صفافا، قرية صغيرة جنوبي غرب القدس، يقدر عدد سكانها بالعشرة آلاف فلسطيني، تشهد في الأشهر الأخيرة حراكاً جماهيرياً واسعاً ضد شارع استيطانيٍّ سريع تعتزم بلدية الاحتلال شقّه وسط البلدة. [caption id="attachment_4893" align="aligncenter" width="430"]أبو علي وأبو عطية يركبان أبو علي وأبو عطية يركبان "تلفريك" بين شرفتي منزلهما كنوع من الاحتجاج على الشارع وتظهر في الصورة مواقع الحفريات[/caption]  "أوتوستراد" في قلب حيّ.. لعيون المستوطنين!  أعطي الشارع الرقمَ 4، وهو امتداد لشارع سريع رئيسي يٌسمى "بيجن". شارع رقم 4 في طريقه مئات الدونمات، ويُشكّل معبراً آمناً وسريعاً لمستوطنات جنوب الضفة الغربية. يُسهّل الشارع المخطط له طريق المستوطنين من جنوب الضفة إلى مركز القدس، بينما يترك للقرية الضوضاء والتلوث ويُدمّر نسيجها القرويّ المميز.  شارع 4 بالغ الضخامة، يبلغ عرضه 80 متراً، ويصل الى 100 متر في بعض المقاطع، بواقع 6 مسالك على طول الشارع و10 مسالك عند التقائه مع طرق أخرى، ليشكل أضخم شارع في القدس، وأين؟ في قلب حيّ سكنيّ. تبلغ مساحة أراضي البلدة المتبقية بعد المصادرات الكثيرة 1180 دونماً فقط، ويصادر الشارع منها قهراً ما مجموعه 350 دونماً، ويمرّ فيها بطول 1800 متر. الشارع الضخم على ارتفاعه سيحيط به من كلا جانبيه جدار بارتفاع عشرة أمتار! تعرّف هذه الجدران على أنها "مانعات ضجيج وتلوث"!. دعاء صبحي، إحدى الناشطات في الحراك المناهض للشارع تقول :"هذا شارع سيقطع أوصالنا، سيفصل أجزاء البلدة عن بعضها، ولن يكون للناس سبيل للوصول الى جيرانهم وأهاليهم ومدارسهم، وحتى مساجد ومقبرة البلد، إلّا بعد أن يسلكوا طريقاً التفافياً بالسيارة عبر المستوطنات المجاورة، يستغرق وقتاً وجهداً وتكلفة كان الناس في غنىً عنها". ومع الاضرار الكثيرة الناجمة عن هذا الشارع، فإنه لا يعود على البلدة ولو بفائدة واحدة، فلا مدخل ولا مخرج في الشارع من أو إلى البلدة كأبسط مثال.  التقسيم والاستيطان.. ليست المرّة الأولى شارع رقم "4" لكن يكون أول عهد البلدة بالتقسيم، فقد كانت البلدة على موعد مع حادثة التقسيم الأولى عقب نكبة عام 1948. كانت بيت صفافا البلدة الفلسطينية الوحيدة آنذاك التي يمرّ خطّ الهدنة من أراضيها، تاركاً جزءاً منها تحت السيطرة الأردنية، بينما سقط الجزء الآخر تحت الاحتلال الإسرائيلية، مما أدى إلى تقطيع أوصال البلدة وتفريق أهاليها. بقيت البلدة على تلك الحال حتى العام 1967، حين سقطت الضفة الغربية وقطاع غزة في قبضة الاحتلال بعد هزيمة النكسة، فرجعت البلدة "موحدة" تحت حكم الاحتلال. ونتيجة لهذا التقسيم الأول، يحمل جزء من أهالي بيت صفافا الجنسية الإسرائيلية، أولئك الذين احتلوا عام 1948، بينما يحمل البقية الذين احتلوا عام 1967 بطاقة الإقامة الإسرائيلية والجواز الأردنيّ المؤقت. أما التقسيم الثاني الذي تعرضت له البلدة فقد كان في سبعينات القرن الماضي، حينما شقت بلدية الاحتلال شارعاً يربط بين مستوطنة جيلو وحي القطمون – شارع "دوف بن يوسف" ، وذلك على حساب أراضي البلدة.  الحراك الشعبيّ.. والرّبيع رَبيعان بينما تدمّر حفريات الشارع التي بدأت منذ أيلول الماضي مشاهدَ ربيع هذا العام، يُزهر في بيت صفافا ربيعٌ آخر. فما تشهده البلدة اليوم من تحرّك لنجدتها في صفوف أبنائها الشباب لم يكن معهوداً بين أجيال العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل. [caption id="attachment_4881" align="aligncenter" width="447"]صلاة الجمعة الأخيرة في خيمة الاعتصام حيث أغلقت مساجد البلدة وتوجه الأهالي للصلاة فيها مستضيفين الشيخ رائد صلاح صلاة الجمعة الأخيرة في خيمة الاعتصام حيث أغلقت مساجد البلدة وتوجه الأهالي للصلاة فيها مستضيفين الشيخ رائد صلاح[/caption] يتواصل احتجاج الأهالي ضد شق الشارع منذ ما يقارب ستة شهور، نظموا خلالها عدة مسيرات ووقفات احتجاجية، منها ما كان في شوارع البلدة، وآخرى أمام بلدية الاحتلال والكنيست، ومنها ما أعلن هدفه إغلاق شوارع حيوية للمستوطنات المجاورة. وقد قمعت شرطة الاحتلال بعض تلك الاحتجاجات خاصة التي أدت إلى تعطيل حركة المستوطنين على مفرق شارع "جيلو" الاستيطاني، واعتقلت على إثرها بعض الشباب ولم تفرج عنهم إلا بكفالة وحبس منزلي. [caption id="attachment_4886" align="aligncenter" width="518"]الاختناقات المرورية في إحدى الشوارع الاستيطانية نتيجة اعتصام أهالي البلدة الاختناقات المرورية في إحدى الشوارع الاستيطانية نتيجة اعتصام أهالي البلدة[/caption] [caption id="attachment_4887" align="aligncenter" width="518"]قوات الاحتلال تعتقل أحد المشاركين في الاعتصام على مفرق شارع جيلو الاستيطاني - الذي سبق وقسم القرية قوات الاحتلال تعتقل أحد المشاركين في الاعتصام على مفرق شارع جيلو الاستيطاني - الذي سبق وقسم القرية[/caption] إضافة إلى المظاهرات، فقد أقام الأهالي خيمة اعتصام على مشارف الأراضي المجرفة لصالح الشارع وأسموّها "النكباء". يستقبلون فيها المتضامنين على أنواعهم، من ممثلين للسلطة الفلسطينية أو للأحزاب العربية في الداخل، أو حتى بعض الزوار الأجانب واليهود. وفي خطوة للتأكيد على وحدة الهم الفلسطيني في القدس، استقبل الأهالي عائلة الأسير سامر العيساوي في الخيمة. كما ينظمون المحاضرات والأمسياث الثقافية بعض الأحيان للمحافظة على ارتباط أبناء البلدة بالحراك الطويل الأمد على ما يبدو. [caption id="attachment_4880" align="aligncenter" width="461"]أهالي بيت صفافا يستقبلون عائلة الأسير سامر العيساوي في خيمة اعتصامهم يوم 16 آذار 2013 أهالي بيت صفافا يستقبلون عائلة الأسير سامر العيساوي في خيمة اعتصامهم يوم 16 آذار 2013[/caption] ويلحظ المراقب لنشاطات هذا الحراك حضوراَ شبابياً متنوعاً، ففي مظاهرة واحدة ترى كل الألوان التي يمكن أن تتخيلها في المشهد الفلسطيني، هذا ابن الحزب الفلاني، وذلك ابن الحركة الفلانية، وهذه سيدة كبيرة السن، وهؤلاء أطفال. كما يبدو من استمرارية هذا الحراك أنه ذو نفس طويل، ففي إحدى المرات وقف الأهالي 6 ساعات متواصلة أمام محكمة الاحتلال المركزية أثناء مناقشة القضية التي رفعت ضد الشارع، وصمدوا أمام محاولات شرطة الاحتلال لتفريقهم. إلى جانب المظاهرات، قام الأهالي والمتضررون منهم على الأخص برفع دعوى قضائية ضد بلدية الاحتلال بصفتها المسؤولة عن تخطيط وتنفيذ الشارع. يستند أهالي البلدة في دعواهم على أن المخطط الأولي للشارع الذي طرح في التسعينات كان يصفه على أنه شارع داخلي لخدمة البلدة، لا شارع ضخم وسريع. كما يعترض أهالي البلدة في دعواهم على أن بلدية الاحتلال لم تتبع التعليمات التي ينصّ عليها القانون الإسرائيلي في تخطيط أي شارع. فمن الناحية القانونية يتوجب على البلدية طرح مخطط تفصيلي لأي منطقة تنوي شق شارع فيها، وهذا يشمل نشر المخطط في الصحف الرسمية، حتى يتسنى للأهالي الاعتراض، وهذا ما لم يحصل في حالة بيت صفافا. يذكر علاء سلمان، أحد المعترضين على الشارع والمتضررين منه أنه هذا الإجراء قد نفذ في كلّ مقاطع الشارع التي تمر بالأحياء اليهودية المجاورة لبيت صفافا، وتمّ فيها تغيير مخطط الشارع بما يتوافق مع مصلحة السكان الإسرائيليين واعتراضاتهم، إلا أن البلدية تتصرف وكأنها "لا ترانا نحن العرب". ويضيف المحامي مهندي جبارة: إضافة إلى قبول بعض الاعتراضات، فقد تلقى السكان الإسرائيليون تعويضات وصلت إلى 30 مليون شيكل. يُذكر أن الدعوى المرفوعة قد رُفضت في المحكمة المركزية الإسرائيلية، مما دفع الأهالي إلى تقديم استئناف على الحكم في المحكمة العليا، وما زالوا بانتظار النتيجة. تعلق دعاء على هذه الدعوى التي استمرت طويلاً: "تواجه بيت صفافا بلدية الاحتلال في المحاكم الإسرائيلية بمحاميين اثنين، مقابل 6 محامين وكّلتهم البلدية للدفاع عنها". تمضي بيت صفافا في مسيرتها، وتكبر القضية، ويغدو الصوت أعلى واقدر مع كلّ يومٍ يمرّ مقدّمة نموذجاً في المواجهة لم تعرفه القدس من قبل.