شبكة قدس الإخبارية

مشروع نقل السيادة على الأقصى ودور السلطة الغائب

أماني سنوار
منذ انتزاع السلطة الفلسطينية لاعتراف دولي بعضويتها الكاملة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو أواخر 2011، ثم تتويج هذه الخطوة بإحراز فلسطين صفة “مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة أواخر 2012، والتساؤلات تتعاظم حول مدى وعي الدبلوماسية الفلسطينية وإرادتها بتسخير هذين المكتسبين لمجابهة انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي. بالنظر إلى أنّ المكتسب الأخطر الذي قد يمكن الفلسطينيين من التحاكم للقانون الدولي أسوة بغيرهم، مرهون بقدرة السلطة الفلسطينية على المصادقة على نظام روما الأساسي المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية، الأمر الذي يتيح التحرك باتجاه فتح تحقيقات دولية حول ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية داخل الأراضي الفلسطينية. لكنّ الواقع يقول بأنه طالما لم يتوافر الغطاء القانوني أو الإرادة السياسية بعد لمثل هذه الخطوة، فإن قنوات حراك أخرى هي اليوم ممهدة تماماً أمام الفلسطينيين. مشروع السيادة على الأقصى: التصريحات المتناثرة من كل من رام الله وعمّان، المُدينة والمستنكرة لإدراج الكنيست الإسرائيلي على جدول أعماله مشروع قرار يقضي بنقل السيادة الإدارية على المسجد الأقصى من الأردن إلى إسرائيل، لا يبدو في الأفق أنها تحمل جديداً بعد أسبوعين من الأخذ والجذب. بينما الحماس الفلسطيني للاحتفاء بخطوة الانضمام إلى اليونسكو ومساهمة السلطة في ميزانيّتها أخيراً، تلاشى تماماً متفادياً مجرد التلويح باللجوء إلى المؤسسة الأممية التي تبسط رعايتها على البلدة القديمة بما فيها المسجد الأقصى منذ عام 1982 كإحدى معالم التراث العالمي المعرض للخطر. وعلى الرغم من أن قرارات اليونسكو لا تعدّ ملزمة في ميزان القانون الدولي، إلاّ أن المؤسسة الأممية نجحت العام الماضي بإجبار إسرائيل على التعاطي مع بعثة تقصٍ للحقائق إلى القدس الشرقية للبحث في الانتهاكات الإسرائيلية لمعالم البلدة القديمة لا سيما طريق باب المغاربة. كما نجحت الكتلة العربية فيها وبدعم من أصدقاء لفلسطين بانتزاع عشرات القرارات التي أدانت الحفريات تحت المسجد الأقصى، وجرّمت الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب التي تهدف إلى تغيير واقع المدينة الجغرافي والديموغرافي استباقاً لأي اتفاق حلّ نهائي مع الفلسطينيين، الأمر الذي ينطبق تماماً على مناقشة موضوع السيادة الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية بالقدس. وضع القدس والأقصى في القانون الدولي: من الواضح أن اتجاه تل أبيب لنزع السيادة الأردنية عن الأقصى واستبدالها بالسيادة الإسرائيلية، إجراء مخالف للرصيد القانوني الذي حدّد وضع مدينة القدس إن كان دولياً أو عبر اتفاقيات إسرائيل الثنائية. فقرار التقسيم رقم 181 حين عرّف دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية، جعل من مدينة القدس كياناً خارج هذه القسمة، وأحاله إلى سيادة دولية تديرها الأمم المتحدة، وبعد أربعة أعوام من القرار تخلّت الأمم المتحدة عن الفكرة في العام 1951، لكنّها لم تعترف حتى بسلطة الأمر الواقع الإسرائيلية على القدس الغربية في ذلك الحين. (حيث كانت القدس الشرقية التي تضم الأقصى تحت السيادة الأردنية في حينها). وبعد احتلال الشق الشرقي للقدس عام 1967 جوبهت محاولة إسرائيل توحيد شطري المدينة بإدانة دولية واسعة، بينما صدر قرار مجلس الأمن رقم 242 بوجوب الإنسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، ليؤكد حتى يومنا هذا أن أية محاولة إسرائيلية لفرض سيادة على الأقصى هي انتهاك صارخ لقرارات الشرعية الدولية، حتى وإن حاولت إسرائيل ستر عوار هذا الإجراء وإضفاء بعض الشرعية عليه من خلال تمريره عبر الكنيست. كما أن سلطة الأمر الواقع والتي حدت للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يمكن بحال من الأحوال أن تنسحب إلى القدس، حيث أصدر مجلس الأمن عام 1980 قراره رقم 478 والذي أدان فيه إسرائيل لاعتمادها ما عُرف في حينه باسم “قانون القدس الأساسي” والذي أعلن القدس مدينة موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية، ونصّ قرار مجلس الأمن على عدم الاعتراف بالقانون الإسرائيلي المذكور، ودعا دول العالم إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من القدس. كما أن سلطة الأمر الواقع من الأدعى ألا تنسحب على البلدة القديمة من القدس، والمسجد الأقصى على وجه التحديد، إذ هي تصطدم بالعديد من النصوص التي حصّنت ملكية الموروثات الأثرية والثقافية والدينية، لا سيّما اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية وقت النزاع المسلح لعام 1954. أما الاتفاقات الثنائية مع كل من الأردن ومنظمة التحرير، فتعهّدت بموجبها إسرائيل باحترام الولاية الأردنية على المواقع الإسلامية في القدس وفقاً للمادة رقم 9 من اتفاقية وادي عربة الموقعة عام 1994. مما يعني أن إقرار الكنيست لأي قانون من شأنه المسّ بالدور الأردني في القدس يعدّ بمثابة مخالفة صريحة لاتفاقية السلام مع دولة الجوار التي تمتلك أطول شريط حدودي مع فلسطين المحتلة، ويعدّ نصف سكانها أو أكثر من أصول فلسطينية، عدا عن أنّ المعاهدة نصّت على تعهد كل طرف بعدم الدخول في أي التزامات تتعارض مع بنود المعاهدة ذاتها، تحت مسؤولية إعادة النظر بالاتفاقية وتقييمها من جديد. كما توافق الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي بموجب معاهدة أوسلو، على تأجيل بحث ملف السيادة على القدس إلى مفاوضات الوضع النهائي، مما يعني أنّ أي خطوة أحادية الجانب تساوي خرقاً آخر لاتفاقية أوسلو وما لحقها من معاهدات أبرمت بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية دولية. وإزاء هذه الحقائق وغيرها الكثير من الخروقات القانونية في فتح إسرائيل الأحادي لملف السيادة على الأقصى، بصورة تتناقض مع الاتفاقات الثنائية التي أبرمتها إسرائيل مع كل من الأردن ومنظمة التحرير، وتنتهك قرارات صريحة وملزمة صادرة عن مجلس الأمن الدولي، يعود استحقاق دخول السلطة الفلسطينية على خط النضال القانوني والأممي تحت الأنظار من جديد، ويبرز التساؤل حول إذا ما كانت هناك رؤية فلسطينية حقيقة لما بعد خطوة الانضمام إلى الأمم المتحدة، أم هل كان الانضمام بحد ذاته غاية، أو حتى مجرد ورقة للاستعراض السياسي الداخلي! لا سيما وأنّ تلويح الرئيس محمود عباس بتفعيل ورقة المحاسبة الدولية لإسرائيل في حال فشل المفاوضات، فقدت كثيراً من مصداقيتها إثر فشل عددٍ من جولات المفاوضات واحدة تلو الأخرى.