شبكة قدس الإخبارية

إنهاء الانقسام النسوي: مطلب يستدعي الحراك

دارين الصياد
عالقة دوماً، كانت و لا زالت الحركة " النسوية " في فلسطين. وتكثر مع مكوثها الطويل في " ذات المكان " مفاهيم المرأة وكل شيء يدخل في مكّوناته ما يسمّى بـ "حقوق المرأة". ألهذه الدرجة يبدو المشهد معقداً وعقيماً ؟ قد يقول البعض "إشكالي" و يفضّل آخرون القول "جدلي" حينما يتم استحضار شأن النسوة ! أهو حقاً كذلك ؟. الا تتخاطر نساء فلسطين فيكون ثمّة مكان في الوسط؟ بالحقيقة ، إنّ مشهد "عدم التجانس الفعلي" بين أطر الحركة النسوية الفلسطينية يقلل من القيمة الوطنية للقضية.تماماً مثل حال المصالحة الوهمية؛ حيث لا نرى سوى بدايات فارغة ونهايات مليئة بتراكمات الخصام والانقسام. في الوقت الذي تطالب فيه القيادات النسوية الفلسطينية  غير الموحّدة " طبعاً إعطاء الاهتمام بقضايا المرأة ، ومنحها مكاناً يليق بها على اعتبار أنها شريك غير قابل للتهميش على المستوى السياسي ، نجدها مستسلمة تماماً لواقع الإقصاء سواء قبل الانقسام أوبعده. بل يتم إقصاء نساء من قبل نساء عن المشهد أحياناً. إذا كان الاشكال في الفكرة ... فلا يكفي قراءة ما يقوله " الآخر " بشكل غير مباشر من غير الاستماع له والتمشكل معه في مرحلة ما، ومن حق الكل أن يبوح! أما اذا كان الاشكال في الخطاب ... فالكل معرّض لارتكاب الأخطاء في مرحلة من المراحل ... وعدم الالتفاف الى محاولات الاصلاح الفكري الذي تقوم به بعض الحركات رسمياً وعلى مستوى اللوائح والدساتير الداخلية أو على مستوى الأدبيات يعتبر إقصاءً غير مبرّر! فعلى سبيل المثال ، تجادل بعض الطلائع النسوية الفلسطينية في أن انتشار خطاب حقوق المرأة العالمي على أساس المفهوم الفردي للحقوق يحتمل أنه يتجاهل السياقات المختلفة والتي تظهر في الأشكال الأصلية للمقاومة التي شاركت فيها الحركات النسوية المحلية ، مما يجعل هناك مخاطر تزيد من تهميش بعض المعارف الهامة والمكتسبات التي تم تحقيقها من قبل هذه الحركات. وتشير الى أنه في السياق الفلسطيني حينما يتم فصل النضال النسوي من السياق الذي ساهمن فيه بقوة في الحركة النضالية والتحررية يؤدي الى تهميش هذه الحركات ، خاصة اذا خضعن لمطالب الحقوق التي تنادي بها الجهات المانحة العالمية.(1). فهنا طروحات تنويرية ، تبدو عليها ملامح التغيير والاصلاح ، كما أنّها تقرّب الى مكان في الوسط ، ويزيد أمل بلوغ مرحلة الاشتباك الفكري الذي سيفكك حالة "اتّهام الآخر " بدون الاستماع الى وجهة نظره المباشرة. كذلك فإنّه من الجدير بالاهتمام في هذا السياق ظهور أطروحات لدعم تحويل مفهوم "تمكين المرأة " الى المصلحة والسياق الوطني . فقد بدأت بعض التوجهات الوطنية النسوية تعرض أهمية تناول المفهوم كأداة للمقاومة، في محاولة لتوطين المفهوم بالنظر الى ممارسات التحريك والتاريخ النضالي للحركة النسوية الفلسطينية. ففي مقالة حديثة لأيلين كتّاب، تقوم الكاتبة بدراسة المفهوم من خلال طرح بدائل مفاهيمية له بعيداً عن الأدواتية؛ لأعادته الى أصوله، وربطه بالقوة والمقاومة؛ حيث تشير الى أن الحالة الفلسطينية تتطلب تفسير مفهوم تمكين المرأة بشكل غير تقليدي، وفي صورة نقدية تقويمية(2). هذا يعني أنّه بالأمكان تجاوز صور و ماضي " البرلمان الصّوري "، والانتقال الى بؤرة المصالح العامة خصوصاُ أن السياق على هذه الأرض لا يمكن أن يكون غير " الأحتلال " ، وهذا السياق هو ذاته المؤثّر الأكبر على حياة جميع الفلسطينين دون استثناء . وفي تطور نوعي حسب اعتقادي ، انّ هناك نوعاَ من الخطابات الجديدة التحويلية تضاف الى هذا النوع من الأدبيات تبحث في دورالنساء في الحركات الأسلامية الفلسطينية أمام دور الحركات القومية والعلمانية. علماً أن الأدبيات حول الحركة النسائية الأسلامية غير واسعة ونادرة في ظل التنظير المتنامي حول دور النساء الفلسطينيات في حركات التحرر الوطني. إصلاح جاد تقول أن أدوار وعلاقات النّوع الاجتماعي وحقوق المرأة ليست أموراً جامدة في الحركات الأسلامية، وأنّه لا يمكن الاستهانة بقوة الاسلاميات في المجتمع المدني، و أنّه بالأمكان الأستشراف ومن خلال أوراق ومؤتمرات عديدة أقامها الأسلاميون بوجود رؤية جندرية تقدميّة نابعة من الشريعة الاسلامية؛ وتعزز بالتالي أهمية الاشتباك الفكري والتفاعل مع الآخر من أجل تطوير مواقف الحركات في مجال قضايا المرأة(3). وإذا كانت مطالب النّساء الاسلاميات مشابهة للعلمانيات واليساريات في فلسطين كونهنّ نساء وطن واحد، ويعشن تحديّات واحدة فلماذا لا يدعمن بعضهنّ البعض؟ وإذا كانت الحركات الاسلامية تمتلك رؤية تقدمية في مجال المرأة ، وإنّ التعامل مع مفهوم ” النوع الاجتماعي ” من حيث طرحه للقضايا التي يتوافق فيها مع الرؤية الاسلامية لدور النساء وطبيعة علاقاتهن مع الرجال ، وسبل تكريمهنّ وتمكينهنّ يدلل على إمكانية إبداء الرأي في ما يتم طرحه في هذا الأطار، وأنّ لدى النساء الاسلاميات نوايا تجاه الحوار مع الأطر النسوية الأخرى؛ خاصّة أنّهن كنّ في حالة تماس مباشر مع مفهوم " النّوع الاجتماعي " حينما كانت حقيبة وزارة شؤون المرأة من مسؤولية الحركة الاسلامية في عام 2006، حيث شكّلت هذه التجربة نقطة محورية في عرض رؤية حماس بالنسبة لقضايا النوع الاجتماعي بغض النظر عن معارضتها، أو تأييديها، أو تحفظها على جزء من طروحاته. السؤال الكبير هنا ، لماذا لا يتم الأفصاح بصوت أعلى عن مثل هذه التوجّهات والمبادرات، ولماذا تبقى مجرّد كلمات تكتب " للنخب " الاكاديمية على الأغلب ، وتسوّق في المجلّات الأجنبية ، أو لا يتم الافصاح عنها بالشكل والوقت المطلوبين وأمام صاحبات الشأن من قيادات الأطر النسوية الفلسطينية ويتم ترجمتها الى واقع فعلي إيجابي قابل للتأسيس والبناء عليه . ================== (1) : جاد، إصلاح. نساء على تقاطع طرق: الحركات النسوية الفلسطينية بين الهوية الوطنية والعلمانية والهوية الاسلامية. 2008. مؤسسة مواطن. رام الله . فلسطين. (2) kuttab, Eileen. “Empoerment as Resistance: Conceptualizing Palestinian Women’s empowerment”. 2010. Society For International Development (3) مصدر سابق. 2008