شبكة قدس الإخبارية

غزة ... أموال المتبرعين وسوء التوجيه

خالد الشرقاوي

وفود تتبعها وفود من كل جنسيات العالم يزورون "غزة" ويتغنون بها وبصمودها يتبرعون بما يملكونه من مال ودموع، يلتقطون مئات الصور مع كل شيء فيها، ومن ثم يغادرون وفي جعبتهم هدايا تذكارية وقائمة عناوين وأرقام هواتف ودزينة أفكار لمشاريع يعدون بتمويلها.

لا ألوم على أحد من الزائرين فلهم كل الحب والاحترام من كل فلسطيني موجود على هذه البقعة الجغرافية الضيقة بمساحته الرحبة بجميع تفاصيلها، ولكن ما يزعجني ويزعج الكثيرين هنا هو عشوائية اغلب هذه الزيارات وإجبار هذه الوفود لنا على قبول أموالهم حسب شروطهم هم وحسب اهتماماتهم هم لا بحسب احتياجاتنا نحن.

فعلى سبيل المثال أصبح لدينا الآن طفرة في عدد المستشفيات فلدينا المستشفى التركي والإندونيسي والأردني والمغربي –اقل مستشفى سعته الاستيعابية 400 سرير- وغيرها بالإضافة إلى ما هو قائم أصلا، كل هذا لخدمة ما يقارب 1.7 مليون نسمة ألا يعتبر هذا هدراً هذه الأموال؟!!!

أغلب الأموال يجري استغلالها لبناء مقرات لمؤسسات حكومية أو تعبيد طرق مع العلم أن مصير هذه المنشآت معروف سلفا ففي أي عدوان قادم للاحتلال الصهيوني ستكون هذه المقرات والطرق أهدافا معتادة.

لماذا لا يتم توجيه هذه الأموال إلى المشاريع الإنتاجية التي تعلمنا الصيد ولا تكتفي بإطعامنا السمك مرة واحدة فقط فالمجال مفتوح للاستثمار الزراعي أو الصناعي من خلال المشاريع الصغيرة التي أثبت جدواها وقامت عليها اقتصاديات دول كبيرة.

الحديث عن سوء التقدير لا يقف عند التصرف بالتبرعات النقدية فقط بل إن الأمر يزداد تعقيدا عند الحديث عن التبرعات العينية فإحدى قوافل "كسر الحصار" قدمت لنا "أكفانا" لأطفالنا!!! هل هم قلقون فعلا على كرامتهم وهم موتى؟!! ماذا عن كرامتهم وهم أحياء؟!!!

قافلة أخرى أخذت ضجة واسعة في وسائل الإعلام المختلفة وتحدثت عن مساعدات عينية لغزة بملايين الدولارات ليتضح بعدها أن أغلب المساعدات التي تحملها هذه القافلة عبارة عن لقاح "انفلونزا الخنازير" (H1N1) مع العلم أنه لا يوجد "خنزير" واحد في قطاع غزة!

خلاصة القول إننا نرحب بكل الزائرين وبكل المتضامنين ولكن يجب علينا حكومة ومؤسسات أهلية أن نحدد احتياجاتنا بشكل سليم ومهني وواقعي وأن نوضح هذه الاحتياجات للعالم وللمانحين وألا نقبل إلا ما يلبي هذه الاحتياجات، أما العمل بقاعدة "اللي منهم أحسن منهم" فهذا المنطق لا يليق بالتعامل مع من أتى لدعمنا أولاً، كما أنه لن يزيدنا إلا تأخرا وتخلفاً.

التخطيط السليم سيجنبنا الكثير من المصاريف غير الضرورية وسيقلل اعتمادنا على الغير وسيسمح بتوجيه الفائض إلى جوانب أخرى لا تقل أهمية، بل وربما يتم توجيه هذه الأموال والمساعدات لأبناء شعبنا في مخيمات الشتات.

إن الأموال التي تضخ الآن إلى الشعب في غزة لن تستمر مدى الحياة لذا يجب الاهتمام بها واستثمارها بالشكل الذي يضمن أطول فترة ممكنة من الاستمرارية.

خالد الشرقاوي - مدوّن من غزة مدونة كلام :http://blog.amin.org/kalam/