شبكة قدس الإخبارية

الأماكن التي تختنق بذاتها.. عن مخيم شعفاط نتحدث

هيئة التحرير

هنادي قواسمي وصهيب العصا

جميل.. فلسطيني في الأربعينات من عمره، يعملُ موظفاً في قسم الحدائق ببلدية الاحتلال في القدس المحتلة. يسكن على أطراف مخيم شعفاط شرق المدينة المقدسة في ظروف بيئية غاية في الصعوبة. عمل جميل في بساتين القدس لم يسعفه في المساهمة في تجميل محيط منزله في المخيم، إذ يُطل من نافذته ليرى الجدار الفاصل ومن أمامه يجري "نهر المياه العادمة" المتجمعة من منازل المخيم والمناطق المحيطة. كيف يشعر جميل عندما يرجع مُنهكاً من عمله في تزيين شوارع غربي القدس ليجد واقعاً مناقضاً في حيّه؟! يبدو ذلك سؤالاً عبثياً من الأسلم للقلب أن يتجاوزه.

يقع مخيم شعفاط ضمن حدود بلدية الاحتلال في القدس، وهو مخيم اللاجئين الوحيد الخاضع لنفوذ "سلطة محلية إسرائيلية"، والوحيد الذي يحمل سكانه بطاقة الإقامة "الإسرائيلية". أنشئ المخيم عام 1965 كبديل لمخيم في البلدة القديمة ساءت أوضاعه الصحية، وتعود أغلب عائلات المخيم للاجئي قرى اللد والرملة ويافا والقدس.

يُجمع من لهم باع في أوضاع المخيمات في الضفة الغربية، أنها جميعها لا تضاهي مخيم شعفاط سوءاً. المخيم، رغم وجوده ضمن نطاق نفوذ بلدية الاحتلال؛ إلا أنها منذ اندلاع الانتفاضة الأولى ترفض تقديم أية خدمات بلدية لسكانه، لتقوم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بذلك في قصور واضح ترى أثره في شوارع المخيم وبنيته التحتية. تتحدث الوكالة غالباً عن تفاقم العبء، وعن عجز مالي يمنعها من تحمل المسؤولية بشكل كامل.

77

في سجلات الأونروا ما يقارب 11 ألف فلسطيني مصنف كلاجىء يعيش في المخيم، بينما يصل العدد الإجمالي – حسب تقديرات السكان - إلى 20 ألف (من اللاجئين وغيرهم) فوق مساحة لا تتعدى الـ 200 دونم. يعتبر مخيم شعفاط المكان الأرخص من ناحية أجارات الشقق في القدس المحتلة، لذلك يسكن في المخيم اليوم إضافة إلى اللاجئين كل من لم يسعفه وضعه الاقتصادي في إيجاد بيت في حيّ مقدسي آخر.  أدى ذلك إلى زيادة الاكتظاظ والضغط على البنية التحتية الهشة، فقط في سبيل للحفاظ على الإقامة في القدس (القانون الاسرائيلي يحرم المقدسي من بطاقة الإقامة في حال إقامته خارج حدود بلدية الاحتلال). يذكر أن جدار الضمّ والتوسع قد عزل مخيم شعفاط والأحياء المقدسية المجاورة له (كرأس خميس ورأس شحادة) عن مركز مدينة القدس، ويضطر الخارج منها أن يمر عبر حاجز مخيم شعفاط للوصول إلى مركز المدينة.

تقول الأونروا إن أبرز مشاكل المخيم ثلاث: شبكة مياه عادمة غير كافية، بنية تحتية منهكة، واكتظاظ سكاني. وهي مشاكل متداخلة وتؤثر في بعضها؛ فزيادة عدد السكان في المخيم من غير اللاجئين أدى إلى الاكتظاظ، وبناء بيوت على أسس متهالكة، كما أن إلقاء سكان الأحياء المجاورة لنفاياتهم في حاويات الأونروا قد أثر سلباً على تقديمها للخدمات لأهالي المخيم.

أمام بيت جميل يمرّ سيل المياه العادمة المتجمعة من أحياء المخيم في محطته قبل الأخيرة قبل وصوله إلى "العبارة" قرب الجدار الفاصل. لا عجب إذن أن نسمع جميل يردد :انخنقنا". تتجمع المياه العادمة لتصل إلى أطراف الحي الذي يسكنه جميل بدون أنابيب تحتويها، تاركة وراءها مكرهة صحية. تتسبب تلك المياه العادمة الجارية بدون تنظيم بأمراض للسكان، وتهدد بسقوط بعض المنازل التي تنال المياه من أساساتها. أحد موظفي "الأونروا" قال متأملاً البيوت المتلاصقة الفقيرة: "الاكتظاظ وظروف الصحة العامة والتخطيط السيء تجعلنا نتنبىء بسقوط الآلاف في حال حدوث هزّة أرضية بسيطة هنا".

55

إضافة إلى مشكلة المياه العادمة، تنتشر النفايات في زوايا حواري المخيم، وتظهر المشاكل الاجتماعية كالزواج المبكر جدا، وتغيب الأطر الثقافية والشبابية الكافية لاستيعاب أطفال المخيم، لتجد صورة كهذه ترتسم ملامحها وأنت تمشي في أزقته، إنه ببساطة طفل اتخذ من كومة النفايات مسرحاً للعب!

في ظل تكاثر المجموعات الشبابية على الساحة الفلسطينية، لم يغب عن ذهننا سؤال سكان المخيم الذي رافقنا في جولة حوله: "أين شباب المخيم ليبادروا بدلاً من انتظار الأونروا أو بلدية الاحتلال؟"؛ المخدرات، التنازعات الفصائلية، عملاء الاحتلال، "القادة" المغتنون على أكتاف "الشعب"، السيطرة على الفعل، كانت عناوين عامة لإجابته. ضرب لنا مثلاً عن شاب من "خيرة شباب المخيم"، على حد تعبيره، ينشط في كل الفعاليات الفلسطينية والمجموعات الشبابية المبادرة، ولكنه يمتنع عن ذلك في المخيم، لأن الوضع العام المسيطر على المخيم من علُ لا يسمح لهؤلاء بالبروز ويضيق عليهم وقد يهددهم.

لفت انتباهنا ونحن نخرج من المخيم شاب صغير يُطلق سراح سربٍ من الحمام يُربيّه. يحلق السرب بعض الوقت في سماء المخيم، ومن ثم يعود إلى قفصه، ويتكرر المشهد أمامنا عدة مرات. تطل علينا امرأة كبيرة السن من نافذة مجاورة: "هدول الحمامات مهما طاروا برجعوا لصاحبهن". هل يصح القياس هنا لنقول: مهما اختنقت الأماكن لا بد لها من "عودة"؟

888

222

44

1111

333