شبكة قدس الإخبارية

كفر قاسم: بن غوريون وشيدمي وعملية الخلد

أحمد جابر

في يوم 29 تشرين أول / أكتوبر عام 1956، نفذت كتيبة من جيش الاحتلال الصهيوني مجزرة مروعة في قرية كفر قاسم العربية في منطقة المثلث، مستغلة ظروف العدوان الثلاثي ضد مصر إثر تأميم قناة السويس، حيث وضمن خطة مسبقة أحيطت بالسرية التامة نفذ العدو خداعا تكتيكيا عبر حشد قواته على الحدود الشرقية للإيهام بقرب وقوع حرب مع الأردن، وفي هذا الصدد تم فرض حظر التجول على القرى العربية القريبة من الحدود الخاضعة أصلا للحكم العسكري، وأوكل أمر تنفيذ هذا الحظر في قرية كفر قاسم لوحدة حرس الحدود بقيادة الرائد شموئيل مالينكي، الذي تلقى أوامره من قائد الكتيبة والقطاع يسخار "ياشكي" شيدمي، وحسب التوثيق التاريخي للمجزرة، وهو ما تظهره الوثائق في الكتاب المعروض هنا أوعز شيدمي لمالينكي بتنفيذ حظر التجول بيد من حديد، وبلا اعتقالات إنما باستعمال القوة ضد المخالفين، وحين سئل عن مصير من لم يعلم بالحظر أجاب شيدمي : "الله يرحمه"

تقول هآرتس أنه قبل عدة أشهر كان هناك طلبات قانونية للكشف عن وقائع مذبحة كفر قاسم، وفي سياق المناقشات تم استدعاء عضو الكنيست من ميرتس، عيساوي فريج، لسؤاله أمام محكمة عسكرية خاصة عقدت في قاعدة "قيريا" باعتباره ابن عائلة ذبحت في كفر قاسم، إن كان الكشف عن الوقائع والوثائق سيسبب اضطرابا في الدولة، ورد فريج "ليس لدينا مصلحة في الإضرار بأمن الدولة." "أو في حياة أي شخص" وكان يقصد بذلك أكبر ضابط أدين في تلك المجزرة ياشكي شيدمي الذي يعرف الجميع أين كان يعيش.

لم يصدر أي حكم بعد في التماس الإفراج عن الوثائق الخاصة بمذبحة كفر قاسم، ولكن ينشر هذا الشهر، كتاب آخر عن المذبحة، "مجزرة قرية كفر قاسم السيرة السياسية" لآدم راز، وهو أول بحث تاريخي كتب عن المجزرة. أمضى راز السنوات القليلة الماضية في الأرشيف، من خلال الوثائق والبروتوكولات المنسية، وفي المقابلات مع الأشخاص المشاركين في القضية. وفي هذا السياق تأتي هذه المراجعة من قبل عوفر إيديت والتي نراجعها هنا.

من منا لم يسمع بقرش شيدمي؟

أدى الضغط الإعلامي والجماهيري والمطالبات بمعاقبة المسؤولين الحقيقيين عن المجزرة إلى تقديم شيدمي لمحاكمة عسكرية، وعقدت هذه المحاكمة في 24 كانون أول/ديسمبر 1958 أي بعد مرور سنتين على المجزرة، وأنهت عملها بعد شهرين، في قرارها أخلت مسؤوليته عن المجزرة، وكانت عقوبته التوبيخ ودفع غرامه مقدارها قرش إسرائيلي واحد بسبب زيادة عدد ساعات منع التجول خارج نطاق صلاحيته، عقوبة أصبحت تعرف ب "قرش شيدمي"، للدلالة على المحاكمة الصورية.

اعتراف نادر

لم تكن مجزرة كفر قاسم مجرد مذبحة في طريق الجنود، ليست عادية بأي شكل من الأشكال، بل أنها كانت استثنائية أكثر مما هي طبيعية، فقد وقعت في حكم "الدولة" وبعد 8 سنوات على تأسيس الكيان الصهيوني وفي ظل 8 سنوات من الحكم العسكري الذي خضعت له القرى والبلدات العربية، لذلك لايمكن النظر إلى هذه المذبحة سوى أنها أتت في سياق سياسة مدبرة، ببساطة، خطة الطرد المحكمة التي أراد عبرها بن غوريون وعصابته استكمال عمليات 1948، عبر ما سمي بـ"عملية الخلد" السرية والتي هدفت لإجراء تطهير عرقي في المثلث واستغلال حرب السويس والعدوان الثلاث على مصر لطرد ما تبقى من فلسطينين في هذه المنطقة من حيز الدولة الصهيونية أو ببساطة: قتلهم، كما حدث في كفر قاسم.

كان "ديمي" كما ينادى على ياشكي شيدمي هو من قاد الهجوم، يقيم في فيلا فخمة واسعة في منطقة حي رمات أفيف، وقد وصف الحكم في محادثته مع راز بأنه كعلامة قابيل [أول قاتل في التاريخ الديني إذ قتل شقيقه هابيل ] على جبهته!

هل هو شعور بالذنب، وفداحة الجريمة التي ارتكبها، أم شعور من يموت وهو يعرف عدم جدوى ما فعله، ربما لن نعرف أبدا ما الذي كان يدور في خلد هذا القاتل في لحظاته الأخيرة ولكننا نعرف أنه قال أن الإدانة التي نالها في مجزرةكفر قاسم بقيت كدليل على أنه قاتل وكعلامة "قابيل" على جبهته، كما اعترف هو شخصيا، ولا نعرف حقا كسلالة الضحايا إن كان يقول هذا آسفا على القتل أم آسفا على الحكم، وهو يقول أيضا عن مجزرة كفر قاسم "إن الغالبية العظمى من المواد ما زالت مغلقة، لقد فوجئت باكتشاف أنه من الأسهل الكتابة عن تاريخ المجموعة النووية الإسرائيلية أكثر من الكتابة عن سياسة إسرائيل تجاه المواطنون العرب ".

في هذه المحادثة التي جرت في منزله في صيف عام 2017، قبل حوالي عام من وفاته، قدم الشيدمي لمحة نادرة ومقلقة من الكواليس لأحد الأحداث المحددة في تاريخ "دولة إسرائيل" والجمهور العربي بشكل خاص، وهو حدث أدى إلى ظهور مفهوم صيغ بعبارة "أمر غير قانوني بشكل واضح" وأدى لاحقا إلى اعتذار غير عادي من الرئيس "الإسرائيلي" عن الجريمة التي ارتكبها "جنود الدولة" ضد مواطنيها.

من هو شيدمي

في الشهر الماضي، توفي شيدمي عن عمر يناهز 96 عاما، ودفن في المقبرة في كيبوتز سدوت يام، حيث كان أحد مؤسسيه، الآن، وبعد وفاته وقبل نشر كتاب آدم راز، تكشف هآرتس عن شهادته التي تركزت على الادعاء بأن المحاكمة التي عقدت بعد انتهاء المجزرة كانت "محاكمة صورية"، وتهدف إلى تبرئة مؤسسة الجيش ورئيس الوزراء ديفيد بن غوريون من المسؤولية وكذلك رئيس الأركان موشيه ديان ورئيس القيادة المركزية ورئيس هيئة الأركان لاحقا تسفي تسور .

بعد المجزرة والإدانة المسرحية، تابع شيدمي خدمته وتقدمه في المناصب العسكرية حتى عام 1963، ثم أنهى خدمته كقائد الكتيبة 200، وحارب في حرب الأيام الستة واستمر في خدمة الاحتياط، وانتقل إلى السوق الحر، مستمرا حتى اقتراب وفاته في إنكار أنه أعطى الأوامر الأوامر بتنفيذ المجزرة حسب شهادة ملينكي قائد وحدة حرس الحدود.

قال شيدمي في المقابلة مع آدم راز أن المحاكمة كانت تهدف إلى خلق التظاهر الزائف بإنصاف المجتمع الدولي من أجل حذف القضية من الأجندة العامة ويعتقد مؤلف الكتاب آدم راز أن خلفية هذا الأمر هو الضغط من المستويات العليا إخفاء ما يسمى "عملية الخلد" وهي خطة سرية لطرد عرب المثلث إلى الأردن، والتي لم تكشف تفاصيلها بالكامل.

في المحادثات الطويلة التي أجريت معه تذكر شيدمي بالتفصيل الحدث الحاسم في حياته "هذه القضية تزعجني دائما لماذا لأنني في كفر قاسم دست على لغم .. كفر قاسم هي اللغم".

يضيف النص أن شيدمي دخل كتب التاريخ العسكري الصهيوني باعتباره واحدا من قدامى الجيش وكباره وربما ما يمهد الطريق أمامه إلى السياسة كما فعل زميله وصديقه إسحاق رابين.

ينتمي شيدمي إلى فئة الصابرا، من المستوطنين الذين ولدوا في فلسطين المحتلة لأبوين من "رواد الصهيونية" عام 1922، وكان والده ضابطا في الجيش الأحمر الروسي، وأصبح واحدا من كبار العسكريين الصهاينة، وكان شيدمي وحيد والديه، ولد في مستوطنة بيتانيا في وادي الأردن ثم انتقل مع عائلته إلى مستوطنة نحميا المجاورة.

يقول شيدمي إنه تعرف على الصراع العبري الصهيوني لأول مرة أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936-1939، وكتب في مذكراته "نشأت معهم وتحدثت معهم وتحدثوا بالعبرية واليديشية وتحدثت العربية مختلطة مع اليديش". " ومع اندلاع" الاحداث " ونظرا للمخاوف بدأ الصراع و"اكتشفت شخصية البطل اليهودي، وركوب الخيل مع الكوفية والعباءة."

ويضيف أنه مع دخول عام 1938 "نحن اليوم في البلاد في رهبة الفوضى الدموية، حيث تحطم ضبط النفس وبدأت الأعمال الانتقامية ولا مزيد من العاطفة .. واستيقظ الدم يعمل في جميع أنحاء البلاد ...من يحمل البندقية يعيش.. لو لم يكن لدينا السلاح، لما كنا قد تمكننا من البقاء في هذا العالم الخبيث ... أحترم العهد الذي يحمل الموت! "

تذكر هآرتس أنه في عام 1939 انضم شيدمي إلى كيبوتز سيدوت يام، الذي تطور في كرايوت قبل الهجرة إلى قيصرية. من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه في نفس العام، تم اعتقال والد شيدمي، ناحوم، من قبل البريطانيين واتهم بلا خطأ من جانبه بقتل ثلاثة من العرب، وفي وقت لاحق تبين أنهم قتلوا على يد مستوطنين آخرين من نحميا، في عملية انتقامية.

خدم ديمي في خفر السواحل في الشرطة البريطانية، كقائد فصيلة في البلماح وقائد القوة الميدانية (وحدة الميدان) وألقي القبض عليه يوم "السبت الأسود" عام 1946 من قبل البريطانيين، واقتيد إلى معسكر اعتقال في مدينة رفح، حيث قام بتأليف" أغنية قيصرية "، التي أصبحت واحدة من أكثر الأغاني الرسمية المعترف بها، ثم في "حرب الاستقلال" آمر الفوج الخامس ( "باب الواد") في لواء هرئيل والكتيبة السابعة ( "بئر السبع") في لواء النقب. ثم تسلق صفوف الجيش، وبين أمور أخرى، شغل منصب قائد الضباط في قاعدة تدريب مدرسة ومنصب قائد لواء غولاني.

ولكن بعد ذلك، ب 62 شهرا، انفجر به"لغم كفر قاسم" كما يقول حدث ذلك في 29 أكتوبر 1956، في اليوم الأول من حملة سيناء [العدوان الثلاثي] ديمي، الذي يقود مركز قيادة اللواء 17، أمر بحفظ حظر التجول المفروض على القرى العربية تحت قيادته، بما في ذلك كفر قاسم.

المذبحة وقرش شيدمي

جادل قائد كتيبة الشرطة المتمركزة في القرية، شموئيل مالينكي، بأن لغة أمر القتال كانت تنص على إطلاق النار على كل من يخالف حظر التجول ونقلت الكلمات إلى شيدمي ونقل عنه الك"خلال حظر التجول، فإنهم يمكن أن يبقوا في " و "سيكسرون حظر التجول وسنطلق النار ومن الأفضل أن يموت البعض ثم يتعلمون كيفية تعلم المرات القادمة. "

في وقت لاحق، وفقا لمالينكي، سأل شيدمي ما الذي سيحدث للمدنيين العائدين من العمل دون معرفة حظر التجول. ووفقا له، قال له شيدمي: "لا أريد مشاعر، لا أريد الاعتقالات". وعندما أصرّ على تلقي جواب، قال شيدمي: "رحمهم الله".

في محاكمته، نفى شيدمي أن هذا ما أمر به، وفي جميع الأحوال تم ما بين الساعة 17:00 حتي 18:00 قتل 47 فلسطينيا على يد ضباط حرس الحدود، فتيات صغيرات وفتيان ونساء ورجال. وأيضا صبي ورجل من قرية مجاورة إضافة القرى إلى رجل مسن مات بسبب نوبة قلبية بعد سماعه أن حفيده الصغير قد قُتل، كان العدد الإجمالي للضحايا بحسب القرويين 51.

وأدين ثمانية من الجنود الأحد عشر الذين حوكموا لإطلاق النار وأُرسلوا إلى السجن لفترات مختلفة، وفي وقت لاحق عام 1960. وتم الإفراج عنهم جميعًا بدون قضاء معظم مدة عقوبتهم، حصل أحدهم على وظيفة مرموقة من بن غوريون: رئيس الأمن في مفاعل ديمونة النووي.

بعد فترة وجيزة من إدانة الجنود وبعد أكثر من سنتين بقليل من الأحداث الدموية في كفار قاسم، تم تقديم شيدمي، وهو أكبر ضابط تم استدعاؤه إلى المحكمة لدوره في المجزرة، للمحاكمة، وبدأت المحاكمة في أواخر عام 1958، وكان قد اتهم بقتل 25 قرويا (حوالي نصف الذين قتلوا، كما ثبت أوامر بإطلاق النار على مخالفي حظر التجول من النساء والأطفال لكن في النهاية، تمت تبرئته، وتقرر أن التهم الموجهة إليه "غير مثبتة ولا أساس لها على الإطلاق". في الحكم الذي فاز به، كتب أن "أوامر إطلاق النار على أولئك الذين يخرقون حظر التجول لا يمكن فهمها بأي شكل من الأشكال كأوامر بإطلاق النار على الأشخاص الذين يعودون ببراءة من المنطقة التي لم يفرض فيها حظر للتجول".

أدين ديمي بـ "تجاوز حدود السلطة"، و العقوبة المفروضة عليه كانت سهلة ومزعجة لسكان كفر قاسم: غرامة عشرة قروش وتوبيخ [ما عرف تاريخيا بقرش شيدمي ويوجد صورة شهيرة أثارت غضب الفلسطينيين وهو يدفع العشرة قروش الغرامة].

عندما غادر المحكمة، رفع شيدمي بحماس يده ممسكاً بالعملة، و ظهرت هذه الصورة في وقت لاحق في الصحافة، ومهدت الطريق لـ "قرش شيدمي" كثمن لروح العربي في نظر السلطات الصهيونية.

بن غوريون: ستختار قضاتك بنفسك

واحتفل شيدمي "بانتصاره" مع رئيس الوزراء بن غوريون، الذي وصف في مذكراته كيف "شربنا نخب تبرئته". كما أقيم احتفال في كيبوتس شيدمي، سدوت يام، بمشاركة جنرالات الجيش ورئيس الأركان لاسكوف، وقالت صحيفة لاميرهاف "عندما ذهب في المساء الى غرفة طعام الكيبوتز المليئة بالاصدقاء انتشرت صيحات هتافات هائلة من افواه الحاضرين."

لكن من بعيد، اتضح أن مظاهر الفرح كانت خارجية فقط تكشف هآرتس، نقلا عن راز، وفي حوارات معه في العام الماضي، شهد شيدمي أمام آدم راز والكاتبة بأنه لم يفاجأ بالحكم الصادر عليه، وقال في منزله إن المحاكمة كانت محددة سلفا وعرَّفت بأنها "عرض" و "محاكمة استعراضية"، و يتبين من كلماته أنه من البداية إلى نهاية المحاكمة، كان القانون يتعارض مع جميع قواعد الإدارة السليمة.

تم تعيين محامي الدفاع بتمويل من المدعي العام للدولة وكان المحامي يعقوب سالومون، كبير المستشارين القانونيين في البلاد في ذلك الوقت، و بعد هذا التعيين، شعر شيدمي أن "ميزان القوى" بين الدعوى العسكرية الضعيفة والدفاع الممتاز الذي فاز به كان متحيزًا سلفًا.

وقال "قيل لي إنه يمكنني الاعتراض على تعيين قضاة لا أثق بهم." وفقا له، قال بن غوريون نفسه، في رحلة مشتركة، "سوف تختار القضاة". وقال شخص بارز آخر سخره من منصبه هو مئير شمغار، الذي كان حينها نائبًا للادعاء العسكري ورئيسًا لاحقًا للمحكمة العليا. ووفقا لديمي، شمغار "أخذني جانبا وقال:" اسمع، هذه محاكمة صورية "و لا داعي للقلق لأن" نحن نحميك" وزعم شمغار "لا يتذكر قول الشخص الذي نقل عنه وأنه لا يتذكر التفاصيل ولا ينوي الرد".

في جلسة الاستماع الأولية كما أثبت راز، زهب المدعي العام إلى شيدمي وسأله " كيف حالك يا أبي"، وعندها يقول شيدمي أنه أدرك أنه أصبح ممثلا في مسرحية أكبر.

قبل افتتاح المحاكمة، بقي مع المحامي في فندق في تل أبيب لمدة أسبوعين تقريباً، حيث استعدا للمحكمة وقال شيدمي أن سالمون أراد غسل دماغه وإملاء ما يجب أن يقوله في المحكمة، وكان سالمون يعمل بموجب أوامر بن غوريون، لاستخدام شيدمي كغطاء للجريمة، وليكون السد الذي يفصل بين كبار الدولة والمذبحة، ككيس ملاكمة، وأدرك شيدمي أن الغرض الأساسي هو منع توسع المحاكمة إلى السلطات الأعلى.

أثبت راز صحة هذه الوقائع من أكثر من مصدر، حيث في اجتماع وزاري في 23 نتشرين ثاني/وفمبر 1958، قبل شهر من بدء محاكمة شيدمي، قال بن غوريون: "في حوار مع ديمي، أعتقد، الذي يدعي انه تلقى مثل هذا الأمر وكان والده صديقا لشمغار الذي طلب منه "اشرح لابنك، أريد حماية الجيش "، وتأكد بن غوريون عبر رجاله أن القضاة العسكريين كانوا مختارين بدقة، من حزب بن غوريون وممن يبجلونه شخصيا، ويتفقونمعه في النظرة السياسية "كزعيم.

في النهاية، كما اعترف شيدمي، اختار أن يلعب لعبة المحامي وتكييف نفسه مع خط الدفاع الذي يمليه " وضعت نفسي حاجزا منذ بداية المحاكمة، لأنني كنت أعرف القاعدة القانونية، حتى إذا كان المستوى الأعلى سيتلقى اللوم فهذا لايعفيني من المسؤولية".

كان شيدمي يرى أن الهدف من المحاكمة هو منع القضية من الوصول إلى محكمة العدل الدولية التي أنشأتها الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تتخذ من لاهاي مقرا لها "لقد أوضحوا لي أنه يجب إجراء محاكمة لي، لذا فهم لايذهبون إلى لاهاي لأنني إذا لم أحاكم مرشح للذهاب إلى لاهايوقال شيدمي: "هذا شيء لم أكن أنا ولا الدولة نريده". وتظهر الوقائع أن بن غوريون والقيادة السياسية كانوا قلقين بشأن رد فعل دولي محتمل رغم أن الوثائق التي تثبت ذلك ما زالت ممنوعة.

رغم هذه الخطة المحكمة التي أنشأها بن غوريون، كان هناك كما رأى راتز أصوات تريد تحقيقا شاملا ومقاضاة كبار الشخصيات . وهكذا وهكذا، على سبيل المثال، كتب وزير النقل موشيه كرمل: " القائد لا يعمل، من تلقاء نفسه، ولكن نظرا للإطارو الخطط والأوامر والتعليمات التي تزرع في مكان ما وتقدم له من قبل سلطات القيادة العليا ... الجمهور سيسأل، وهذا صحيح، ما هي الأوامر والتعليمات التي أعطيت إلى العقيد من رءسائه؟" وقال يعقوب ميريدور أن المحاكمة قطعت سلسلة المسؤولية التي تؤدي مباشرة إلى دايان وبن غوريون.

وقال في وقت لاحق حفيد اسحق جرينباوم، أول وزير للداخلية في "إسرائيل"، ما يلي: "عندما وقعت مذبحة كفر قاسم، شرح لي جدي كيفية إزالة حكم مجزرة وجعل الادانة مرتبطة بمستويات التشغيل الدنيا بعيدا عن القيادة".

في عام 1986، في مقال لداليا كاربيل تم اقتباس أرملة مالينكي قائد الكتيبة أيضًا في هذا السياق. "عقدت المحاكمة خلف أبواب مغلقة، وكان من الواضح أنه لايمكن البحث عن المسؤولية في الأعلى من القائد العام، رئيس الأركان لأن هذا. من شأنه أن يلطخ صورة الدولة في العالم. قال بن غوريون لزوجي: "أطلب منكم تقديم تضحية حية من أجل الدولة، تماماً مثلما يوجد ضحايا ميتون في الحرب، وأعدك بأن وضعك ورتبتك ستعود إليك".

واستناداً إلى جميع الشهادات، فإن الوثائق المكتوبة والتسجيلات، التي جمعها راز حول القضية، أثبتت أن "بن غوريون كان يبحث عن بوليصة التأمين التي من شأنها أن تسمح لهبالقول أن ديمي أعطى الأوامر وتتوقف عند هذا الحد و اتخذت خطوات وراء الكواليس لضمان أن المحاكمة سوف يتم تسويقها ".

وضع راز يده على دليل يخص اللواء احتياط ابراهام تامير، أحد معدي خطة "الخلد" أن "بن غوريون أراد تخطيط ما يجب القيام به مع السكان العرب في المثلث" في حالت الحرب مع الأردن وتحدث بن غوريون نفسه عام 1953 عندما قال في مناقشة حول الحكم العسكري إن هناك حلًا لعرب المثلث وأن "الأمر يعتمد على ما إذا كانت هناك حرب أم لا".

ذكرت شهادة تامير: "خططي كانت أكثر أو أقل ... أخذت ما فعله الأمريكيون مع اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية (سجنهم في معسكرات الاعتقال خشية أن يكونوا طابوراً خامساً). ببساطة. إذا بدأت الحرب، سيتم إجلاء أي شخص لا يركض إلى الأردن إلى معسكرات الاعتقال على الجبهة الداخلية ولن يبقوا على الحدود، هذه كانت الخطط التي من شأنها أن تقودهم إلى العمق الذي لا يتدخل في الحرب ... الطريق إلى الأردن سيكون مفتوحا للهروب إذا أرادوا ذلك. لكن كل من تبقى سيضطر للذهاب إلى معسكرات الاعتقال".

عملية الخلد وحرب السويس

لفهم السياق التاريخي الذي يربط عملية " الخلد" وسيناء ومجزرة كفر قاسم، ينبغي أن نتذكر أنه في ذلك الوقت، وحتى حرب الأيام الستة كانت القرى العربية مثل كفر قاسم قريبة جدا من الحدود مع الأردن، في الأسابيع التي سبقت مجزرة كفر قاسم، ازداد التوتر على الحدود الأردنية، ودخل العديد من "المتسللين" إلى "إسرائيل" .

كانت المذبحة كما يزعم راز جزءا من الحرب نفسها، حرب السويس، رغم أنها وقعت في قطاع مختلف وبعيد تماما، كما يرى روبيك روزنتال في كتاب " كفر قاسم: أحداث وأسطورة "(هكيبوتس حمودي)، الذي نُشر في عام 2000 وكان أول كتاب جدي عن المجزرة.

في الفترة السابقة لحملة سيناء، نفذت "إسرائيل" عملية الخداع التكتيكية حيث ركزت قوات كبيرة على طول الحدود مع الأردن، وكذلك في منطقة كفر قاسم، لخلق انطباع بأن أنها كانت في طريقها للهجوم على الجبهة الشرقية على الحدود مع الضفة الغربية، و "مستويات القيادة المنخفضة والجنود الذين شاركوا في العملية اعتقدوا أن هذه كانت عملية حقيقية وأن الحرب ستندلع بالفعل على الحدود الشرقية"، كما كتب روزنتال.

يعتقد راز أن هذه خلفية لمذبحة كفر قاسم، "لم يتم تنفيذ المجزرة من قبل مجموعة من الجنود الطامعين، كما ادعي منذ ذلك الحين، من وجهة نظر الجناة، قاموا ببساطة بتنفيذ أمر يهدف إلى طرد سكان القرى". أو بعبارة أخرى، لقد اتبعوا أمر "الخلد"، كما فهموه.

يقدم بحث راز العديد من الشهادات التي تدعم هذا. مثل راشومون، الذي تمكن في كتابه من إعادة بناء الأحداث ساعة بعد ساعة موثقا تسلسل الأحداث التي أدت إلى النتيجة الرهيبة، وبهذه الطريقة يثبت زعمه فيما يتعلق بالعلاقة بين المجزرة و"عملية الخلد".

وقد تم توثيق الاجتماعات المتعلقة بهذا الأمر بين كبار ضباط الكتيبة ففي 24 تشرين أول/ أكتوبر قبل خمسة أيام من المذبحة، التقى مالينكي مع قائد المنطقة الوسطى ووفقاً لشهادة مالكيني، قيل له أنه خلال الحرب القادمة، ستكون إحدى مهام الكتيبة تحت قيادته هي التعامل مع القرى العربية في المثلث.

في اليوم التالي، في الخامس والعشرين من الشهر، التقى مالينكي بالحاكم العسكري، زلمان مارت،. وقال الأخير إن "السؤال هو كيف تحفزهم [العرب] على مغادرة البلاد". وبعد بضع ساعات، قابل مالينكي تامير، الذي كان آنذاك ضابطًا في القيادة المركزية و هذا الأخير أعطاه ترتيب الخطة وقالت مالينك: "لقد أعطيت خطة ... تم إخباري بالخلفية العامة والإلحاح ... نحن بحاجة إلى إعداد الخطة على الفور، وهي جاهزة للعمل الفوري ... قيل لي بشكل واضح ... الخطة هي خطة سرية للغاية".

بعد المجزرة، تلقى مالينكي أمرا من قائد اللواء الذي طلب منه الانتظار حتى يتلقى ردا عن مصير "عملية الخلد" التي "سيكون لها تكملة"، ويقول "يتناول أمر" موليك "القضايا المتعلقة بمعاملة الأقلية العربية في مجال الإدارة ... بتنفيذ الاعتقالات ... فرض حظر التجوال ... الإخلاء الكامل للقرى إذا لزم الأمر".

في 29 من الشهر، أعلن شيدمي أن الخطة لن تتم الموافقة عليها بشكل كامل، ولكن سيتم الموافقة على بنود "معينة" بحلول منتصف النهار، نتج عن مضمون الاجتماع بين مالينكي وشيدمي، الذي وقع بعد بضع ساعات، نزاعًا كان يرافقهما حتى آخر يوم لهما، وشهد مالينكي، كما لوحظ، أن ديمي أمره "من دون مشاعر" بقتل أي شخص يخرق حظر التجوال. نفى شيدمي. في وقت لاحق، في اجتماع مع جنوده، وأوضح مالينكي أن الحرب كانت على وشك الاندلاع.

بعد شهرين من المجزرة، أشار مالينكي إلى أن أوامر شيدمي لم تكن هادئة، لكنه لم يتخذ خطوات للحد منها،. لم أكن أعرفه (شيدمي) ... لكن بما أنني كنت شاهداً على محادثاته مع الجنرال حول "الخلد" ومنذ أن تلقيت شخصياً أمر عملية "الخلد" من القيادة، هذا جاء من القيادة العليا.

كما أشار الميجور جنرال تسور إلى الخطة، في شهادته أمام لجنة تحقيق بن غوريون فور وقوع المجزرة، قبل المحاكمة. وأوضح أن "الخلد هو برنامج يشمل البلاد بأسرها ويعمل بنفس الطريقة" وإنه ملحق لخطة الحرب مع الأردن.

على هذه الخلفية، يعتقد راز أن الخلد "لعبت دورا رئيسيا في تحفيز الجنود في نجاح مهمتهم". "لقد فهموا أمر حظر التجوال القاسي بشكل مبرر، كخطوة أولى على طريق طرد سكان القرى، وتصرفوا وفقاً للحد الأقصى من الأمر". "لقد برروا تفسيرهم: لقد نفذوا بالفعل حظر تجوال، والغرض منه هو طرد العرب إذا وجدت إسرائيل والأردن نفسيهما في حالة حرب".

هذا هو المكان الذي ظهرت فيه المحاكمة الوهمية التي يدعي ديمي أنها حدثت يقول راز "ما أرادوه من شيدمي أرادوه ألا يقول الحقيقة، والحقيقة هي أن الخطة التي تدرب عليها الجنود والضباط والخطة التي تم تنفيذها - إلى حد كبير - كانت عملية خلد".

"كان خيار طرد العرب من المثلث أثناء حرب مستقبلية مع الأردن سياسة لتنفيذ بنود بن غوريون، دايان وغيرهم"، كما يقول، ويتفق مع العديد من المناقشات المختلفة التي عقدت في الحكومة العسكرية، بما في ذلك موشيه دايان، التي تنص على: "آمل أنه في السنوات القليلة التالية سيكون هناك إمكانية أخرى لنقل هؤلاء العرب من أرض إسرائيل ". وفقا لراز، "إن خلق الظروف عشية حرب سيناء جعل من الممكن المضي قدما في تحقيق الخطة".

يقول راز: "حقيقة أن دودي أمر بتنفيذ أجزاء من الخطة - وصولاً إلى أمر الطرد نفسه - ليس، كما أعتقد، مشكوك فيه، ولكن من الواضح أيضًا أن الأمر جاء من الأعلى". وقال ديمي انه "سواء استخدمت لاعبا رئيسيا في مسرحية تهدف الى تغطية المسؤول الحقيقي: بن غوريون (رئيس الوزراء)، موشيه ديان (رئيس الأركان) وتسفي تسور (قائد القيادة الوسطى ولاحقا رئيس الأركان).

ينتظر راز حالياً الحكم في الدعوى التي رفعها أمام محكمة الاستئناف العسكرية، مطالباً إياها بأن تسمح له بمراجعة جميع الوثائق السرية في مجزرة كفر قاسم، بما في ذلك عملية الخلد. ويدعي الجيش أن فضح البروتوكولات سيضر بأمن الدولة وعلاقاتها الخارجية وخصوصية ورفاهية الأشخاص.

المصدر: بوابة الهدف الإخبارية