شبكة قدس الإخبارية

على هامش مؤتمر حزب العمال البريطاني

خالد بركات

يشن أنصار الكيان الصهيوني حملة مسعورة غير مسبوقة على "جيرمي كوربن" زعيم حزب العمال في بريطانيا هدفها اغتياله سياسياً ومعنوياً والتشكيك بمصداقية الرجل وقدراته، بل وحتى في نواياه وما يضمره.

فالتهمة الصهيونية هي جاهزة ومكررة ومعروفة: معاداة السامية، تهمة سخيفة جرى دحضها من اليهود والعرب أنصار جيرمي كوربن قبل غيرهم.

لنتذكر أن هذا الحزب هو نفسه الذي ترأسه مجرم الحرب "توني بلير"، هذا الدهش السفيه كان في نظر الصهاينة " لقطة " و" فرصة " لا تعوض، لقد جرّ بلير الشعب والدولة إلى حروب ومعاهدات وسياسات كارثية، كان مجرد أداة طيّعة رخوة في قبضة واشنطن و"تل أبيب".

أما كيف ينتقل الحزب السياسي في بريطانيا من اليمين إلى الوسط إلى " اليسار " فهذه حكاية أخرى يطول الحديث فيها.

في المؤتمر الأخير لحزب العمال البريطاني في مدينة ليفربول هذا الأسبوع حضرت الأعلام الفلسطينية، كما لم تحضر من قبل. جرى تبنى العديد من القرارات والتوصيات منها " فرض حصار عسكري على اسرائيل " و" إدانة الاستيطان اللاشرعي في الضفة والقدس" ودعم " حل الدولتين ".

لم تكن المواقف السياسية المُعلنة هذه أقل من مواقف وسقف الأحزاب الفلسطينية والعربية على اختلاف ألوانها وأشكالها. (استثنى حزب الله وحركة الجهاد الإسلامي)

ماذا غاب عن المؤتمر؟

ما يغيب دائماً في بريطانيا ومؤتمرات أحزابها، دورها الاستعماري في المنطقة والمسؤولية التاريخية والسياسية والاخلاقية والقانونية عن معاناة وتشريد الشعب الفلسطيني. دور بريطانيا في رعاية وزرع الكيان الصهيوني العنصري وأنظمة الرجعيات النفطية في المنطقة. وهذه مسألة مركزية لا تنتمي إلى الماضي، فالحاضر الذي نعيشه اليوم هو نتاج ما زرعه الاستعمار، المستمر في منطقتنا على أي حال. ولو بأشكال جديدة.

إن نقد سياسات " اسرائيل " لا يكفي دون التأكيد على عدم شرعية كيان الصهاينة في فلسطين وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. وكذلك حق الشعب الفلسطيني في مقاومة هذا الاحتلال وتحرير وطنه بكل أشكال المقاومة المتاحة والممكنة والمشروعة. وهذه قضايا ومهام يجب العمل عليها مستقبلاً لتكون على برنامج وأجندة الحزب في المرحلة المقبلة.

فلسطين لم تكن القضية الوحيدة على برنامج المؤتمر، تبنى المؤتمر مواقفاً أكثر جذرية طالت القوانين والسياسات العنصرية في الداخل، والانتصار إلى الجاليات العربية والمسلمة وجموع الفقراء واللاجئين ودعم الفئات المهمشة. إن قضايا مثل الأجور والسكن والصحة والتعليم والحقوق العمالية والنقابية، قضايا أساسية هامة لا يمكن التغافل عنها أو اعتبارها هامشية.

يجب ألا نوهم أنفسنا والآخرين أو نبالغ في تعظيم " التغيير الجذري " و "ثورة كوربن " لكن الأكيد أن الصهاينة أصيبوا بحالة فزع من نتائج مؤتمر الحزب. الأكيد أيضاً أن هناك شعوراً لدى قواعد حزب العمال بأن الانتقال إلى مرحلة جديدة قد تطيح بالمواقف التقليدية لبريطانيا مسألة أصبحت أكثر واقعية.

إنها حالة تشبه ما يجري في الولايات المتحدة هذه الأيام مع ظاهرة " الديموقراطيين الاشتراكيين" وبروز أصوات جديدة من داخل الحزب الديموقراطي أكثر حدة في نقدها " لإسرائيل المقدسة " وأكثر وضوحاً في دفاعها عن حقوق السود والأقليات والمهاجرين ورفضها لمنطق الحرب وسياسة العدوان والجدران. والمهم في الأمر كله أن لا يكون كل هذا رد فعل عارض ومؤقت بسبب الخوف والرعب من وجود "ترامب" في البيت الأبيض.