شبكة قدس الإخبارية

الناطقون الإسرائيليون بالعربية.. منصات لكي الوعي العربي وتطبيع وجود الاحتلال

مركز صفد للبحوث السياسية
رام الله - قدس الإخبارية: المتمعن في تاريخ القوى الاستعمارية، يستطيع أن يلاحظ حجم الأهمية التي أولتها تلك القوى للدعاية الإعلامية والخطاب الإعلامي المضاد المتماهي بأدواته مع ثقافة البلاد الخاضعة لها، والتي استخدمت مكونات تلك الثقافة وعلى رأسها اللغة للتأثير على وعي الشعوب المحتلة والسكان الأصليين في تلك البلاد والسيطرة على ردات فعلهم على الأرض.

في البداية كان مقصد هذه الظاهرة المترافقة مع فعل القوى الاستعمارية على الأرض، يتمحور حول خلق منبر لبث رواية الدولة الاستعمارية أو المحتلة حول الأحداث الجارية في الميدان بما يرضي الحاكم العسكري في تلك البلاد، ومع مرور الزمن تفرع هذا المقصد وأصبح يشمل خلق حالة من الاستسهال لدى شعوب البلاد المحتلة لوجود الاستعمار في بلادهم، وأنه إنما قدم إليهم لنزع صفة التخلف التي اعترتهم بعد سقوط الدولة العثمانية، بالإضافة إلى إيهامهم أن وجودهم إنما يقصد منه تطوير وحماية مقدراتهم وخيرات بلادهم.

وفي الحالة الفلسطينية، لم تكن مقاصد الخطاب الإعلامي الإسرائيلي الموجه للجمهور الفلسطيني أو ما يطلق عليه الإسرائيليون “الهاسبارا”، بعيدة عن تلك آنفة الذكر، لكن أضيف إليها طابعا أمنيا بحتا انطلاقا من محددات الهدف الأسمى وهو الحفاظ على ديمومة الدولة وحماية مستقبلها، كون دولة الاحتلال كيان أمني عسكري.

و”الهاسبارا” هي مصطلح يدل على الدعاية الدبلوماسية والجهود الاستراتيجية التي يبذلها الاحتلال الإسرائيلي بهدف التأثير على الرأي العام سواء العربي أو الغربي.(1)

ومر الخطاب الإعلامي للاحتلال الإسرائيلي في مرحلتين، مرحلة ما قبل احتلال فلسطين ومرحلة ما بعد احتلال فلسطين، وبين هاتين المرحلتين جرى تحول واضح في مادة الخطاب الإعلامي وجمهوره المستهدف.

فقبل احتلال فلسطين كان الخطاب الإعلامي للحركة الصهيونية موجها للشعوب الغربية والأقليات اليهودية حول العالم، وهو بدوره كان يخاطب الوعي الغربي والذي كان يرسخ للإقرار بأن الفلسطينيين لا يرتقون إلى درجة كونهم شعب، على نقيض اليهود المنبوذين حول العالم الذين يملكون كل المكونات التي تخولهم للإقرار بهم كشعب لكنهم كانوا لا يملكون الوطن.

في حين أنه بعد احتلال فلسطين وإكمال احتلالها، أخذ هذا الخطاب ينحو نحوا جديدا بشمول الشعوب العربية والفلسطينيين على وجه الخصوص في مادته الدعائية، وتجلت مظاهر هذا التحول في فحوى الخطاب الإعلامي والرسالة الموجهة، والقصد كان إحداث خرق داخل المجتمع العربي والفلسطيني في محاولة لتشكيل رأي عام جديد لا يمانع من وجود الاحتلال الإسرائيلي على أرضه.

فالاحتلال الإسرائيلي بالإضافة إلى أساليبه القمعية وجرائمه التي اقترفها بحق السكان الأصليين في مختلف الأرياف والمدن الفلسطينية، عمد إلى تطويع الوعي الفلسطيني من ما تحويه مادته الدعائية من مواد منمقة ولغة تخاطب العواطف، والمقصد واحد لم يتبدل، تطبيع وجود الاحتلال في فلسطين.

غياب الرواية العربية المضادة

هناك حقيقة ماثلة أمام المؤرخين والمتابعين للإعلام الإسرائيلي منذ بداياته الاولى تؤكد على أن الاهتمام الإسرائيلي باللغة العربية لمخاطبة الشعوب العربية ضمن أهداف الدعاية الموجهة ليس بالأمر الحديث، فكان أول عمل عمد إليه الاحتلال الإسرائيلي بعد إكمال احتلال فلسطين إنشاء العديد من وسائل الإعلام بمختلف اللغات من بينها اللغة العربية كإذاعة “صوت إسرائيل” باللغة العربية التي أسست في العام 1948 مع احتلال فلسطين، وكان مقصد الاحتلال من الاهتمام باللغة العربية هو نشر رواية إسرائيلية مقابل الرواية الفلسطينية والعربية للأحداث، وهو إداراك إسرائيلي مُبكر لأهمية وجود رواية مضادة وباللغة نفسها لما يجري على الأرض.(2)

وأوهم الاحتلال الإسرائيلي الجمهور العربي بأن الإعلام الفلسطيني بشكل خاص، والإعلام العربي بشكل عام لا ينقل الحقيقة كما هي لهم، فشكلت تلك الوسائل منبرا للاحتلال يوجهه للوعي الفلسطيني والعربي لخلق شرخ في صدقية الرواية الإعلامية لحركات المقاومة الفلسطينية في مختلف المناطق المحتلة.(2)

هذا التوجه من قبل الاحتلال الإسرائيلي شكل هاجسا للعديد من حركات المقاومة الفلسطينية كون هذه الظاهرة تمكنت من الحصول على جمهور متابعين داخل المجتمعات الفلسطينية خصوصا في القدس المحتلة، سواء بوعي أو بدون وعي، فشكلت سلاحا ذو حدين:

  • أولهما: أن الاحتلال تمكن من إيجاد منصة إعلامية موازية لوسائل الإعلام الفلسطينية لمواجهة رسالتها الإعلامية أولا وتكذيب رواية المقاومة ثانيا لبحث روح الهزيمة داخل المجتمع.
  • وثانيهما: أن الاحتلال خلق مساحة من المناورة لمخاطبة الوعي العربي لتغيير الصورة الدموية التي رسمتها وسائل الإعلام الفلسطينية عن اليهودي الإسرائيلي لدى الجمهور العربي في محاولة لخلق صورة جديدة أقل دموية.

على الرغم من غياب الدراسات التي تشخص حجم تأثير الخطاب الإعلامي الإسرائيلي على المتلقي الفلسطيني بشكل خاص، أو العربي بشكل عام، ومدى تأثير شبكات التواصل باللغة العربية على المتلقي، كون بعض التفاعل أو التعليقات قد تكون وهمية، لكن عدم وجود هذه الدراسات لا ينفي ذلك الأثر، فعلى سبيل المثال فإن قيام وفود صحفية عربية من بعض الدول العربية بزيارة دولة الاحتلال كان نتاجا لتفاعلها مع الإعلام الإسرائيلي باللغة العربية، وهو نوع من التطبيع القسري، كما أن قيام بعض وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية باتخاذ بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية مصدرا مهما للأخبار في نشراتها دون محاذير، هو مؤشر آخر على هذا الأثر.(2)

هذا الأثر والقدرة الإسرائيلية المتنامية على التأثير بالمجتمعات العربية ومنها المجتمع الفلسطيني نابع من عدة عوامل، عرف الاحتلال الإسرائيلية استغلالها في الوقت المناسب، أهمها:

  • غياب الرواية الفلسطينية أو العربية للأحداث وفي الوقت المناسب، فساعد ذلك في زيادة قوة الدعاية الإعلامية الإسرائيلية.(2)
  • غياب المعلومة المفصلة من المصدر الفلسطيني أو العربي، هو أيضا عامل مهم في تعزيز الرواية الإسرائيلية الإعلامية.(2)
  • غياب الرصد الفلسطيني والعربي لوسائل الإعلام الإسرائيلية والعمل على دحض روايتها أول بأول.(2)

“أفيخاي أدرعي” والنماذج المختلفة

ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي حقق الاحتلال الإسرائيلي نقله نوعيه في تطوير الأدوات التي تخدم مشروعه الدعائي الموجه للشعوب العربية، في محاولة منه لتجميل وجهه أولا، وخلق تفاعل مع الجمهور العربي، ثانيا فأسس العديد من الصفحات والحسابات الخاصة التابعة لأجهزته الاستخبارية، عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، بخاصة موقع “الفيسبوك” ووضع عليها شخصيات مبرمجة ومعدة مسبقا لهذه المهمة تتقن اللغة العربية بكافة فنونها.(3)

ومن تلك الصفحات صفحة “المنسق”، وصفحة “إسرائيل تتكلم العربية”، وصفحة الناطق بلسان جيش الاحتلال “أفيخاي أدرعي”، والناطق باسم حكومة الاحتلال “أوفير جندلمان”، وغيرها، وكانت بعض تلك الصفحات تخضع بشكل مباشر للمؤسسة الحكومية الرسمية وبعضها الآخر يخضع لإدارة جيش الاحتلال وأجهزته الاستخبارية.(3)

فعلى سبيل المثال، كانت صفحة الناطق باسم جيش الاحتلال بالعربية، “أفيخاي أدرعي” صاحب النزعة الدينية الواضحة في أسلوبه الدعائي، أكثر تميزا، نظرا للمادة الدعائية التي يستخدمها، والتي تنحو نحو الفكاهة من قبل المتابعين الفلسطينيين والعرب، لكنها نجحت في استمالة قاعدة عريضة من الجمهور العربي والفلسطيني من خلال عدة طرق أهمها فتح الحوارات التفاعلية الآنية، واستغلال للرموز الثقافية والدينية في مخاطبة الجمهور العربي والفلسطيني.(3)

ولم تعر هذه الصفحة وغيرها من الصفحات أية أهمية للنتيجة النهائية الممكن الحصول عليها من رسالتها الدعائية، وحتى لو كانت رسالتها تأخذ طابعا فكاهيا في غالب الأحيان، غير أن تلك الصفحة وغيرها من الصفحات نجحت أحيانا في خلق رأي عام ونقاش واسع داخل المجتمع العربي والفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي حول الرسالة التي تبثها، وهذا هو المدخل الأول للدعاية الإسرائيلية الموجهة.(3)

ويعكس هذا الاهتمام منقطع النظير من قبل الاحتلال بمنصات مواقع التواصل الاجتماعي وتكثيف المواد الموجهة للشعوب العربية خصوصا الشعب الفلسطيني، استنتاجين مهمين:

أولا- أن الاحتلال الإسرائيلي عرف قيمة منصات مواقع التواصل الاجتماعي لدى الشعوب العربية، والإقبال الواسع من قبلهم تجاهها، فهي متاحة لجميع فئات الشعوب العربية وخصوصا الشعب الفلسطيني، وبالتالي أصبح على يقين أن رسالته ستصل إلى الكبير قبل الصغير بغض النظر على الأثر المروجو منها.(3)

ثانيا: أن الاهتمام بظاهرة الناطقين باللغة العربية وتوزيعهم على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الاحتلال الإسرائيلي، هو نتاج لعملية مدروسة من قبل أجهزة استخبارات الاحتلال، والتي أفضت إلى وضع صياغة مناسبة لأسلوب الدعاية الإعلامية التي ستتبعها تلك الاجهزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الموجهة للجمهور العربي والفلسطيني.(3)

إن الدور المنوط بشخصيات هذه الظاهرة إنما يرمي بالدرجة الأولى إلى استكشاف تحولات الرأى العام العربي والفلسطيني، وقياس مستويات التغير فى المزاج العام حيال كيان الاحتلال، من أجل صياغة أساليب جديدة أكثر انفتاحا للانتقال إلى المرحلة التالية وصولا إلى المقصد الكبير.(3)

ويراهن الاحتلال الإسرائيلي من خلال خطابه الإعلامي الذي ينفذه شخصيات مثل “أدرعى” على عامل الوقت، فالمهمة التي يقوم بها لا تستدعي حصد النتائج بشكل آني، إنما تسعى إلى “تذويب” حالة الرفض والعداء للإسرائيلي، وهي إذا ما تحققت تعتبر إنجازا نوعيا وحقيقيا للماكنة الإعلامية الإسرائيلية.(3)

ويعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى التنويع في أساليبه التي تفضي إلى الوصول إلى أهدافه المرسومة من رسالته الدعائية التي يوجهها سواء للشعوب العربية بشكل عام، أو للشعب الفلسطيني بشكل خاص، ومن أهم هذه الأساليب:

  • استغلال الثقة العالية بالمصادر الإعلامية الإسرائيلية لدى الجمهور الفلسطيني على اعتبار أنها مصادر صادقة وذات قوة معلوماتية حقيقية، وبهذا العامل تستطيع ماكنات الاحتلال الإعلامية توزيع رسالتها الإعلامية عبر منصات التواصل الاجتماعي الفلسطينية بسرعة البرق.(3)
  • استغلال الشعور الدائم بالحاجة وحالة عدم الرضا عن المستوى المعيشي لدى الفلسطينيين نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، ونتيجة الظروف التي تفرضها عليه وجوده داخل مناطق مقطعة الأوصال تتحكم بحركة سكانها عشرات الحواجز العسكرية الإسرائيلية.(3)
  • فتح الحوار مع أفراد المجتمع الفلسطيني بلغة بسيطة مفهومة حتى لو كان حوارا يخالطه بعض الموجات التهجمية، فالمقصد هو جس نبض المجتمع، وفي هذا الاتجاه تستخدم أجهزة الاحتلال أسلوب اللغة الناعمة وتقمص صورة المسؤول الذي يتحسس أوضاع الناس، بقصد كسب ثقة المتلقي.(3)
  • مشاركة المسلمين والمسيحيين أعيادهم ومناسباتهم الدينية، من أجل تكوين نوع من الألفة الاجتماعية معهم، والدافع تكوين صورة أخرى عن الإسرائيليين ونفي ما يروج عنهم من حول تصرفاتهم العنصرية وجرائمهم بحق الشعب الفلسطيني التي تبثها وسائل الإعلام العربية والفلسطينية.(3)

على مدار سنوات المواجهة وحتى اليوم، شهد الخطاب الإعلامي الإسرائيلي الموجه محطات من النجاح والفشل، وهو بالرغم من تمكنه من تشكيل رأي عام عربي يدافع عن وجود الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين ويبرر ما تقترفه قواته من جرائم، وحتى رأي عام فلسطيني يدعو إلى الانفتاح على الاحتلال وتطبيع العلاقات معه، إلا أنه لم يكن نجاحا مبهرا، فالاحتلال يدرك جيدا أن هناك خطرا كبيرا يحدق بخطابه الإعلامي الموجه، يتمثل في الشعور الوطني المتَّقد لدى قاعدة عريضة من الجمهور العربي والفلسطيني، وقاعدة عريضة من الجمهور العربي، والذي يأبى الانخماد، الأمر الذي يشكل خطرا على مستقبل وجوده على الأراضي الفلسطينية المحتلة.(3)

أهداف غير معلنة

للاحتلال الإسرائيلي مجموعة من الأهداف غير المعلنة بالإضافة إلى الأهداف المعروفة، في خطابه الدعائي الموجه للفلسطينيين والعرب، تتمحور حول إبراز القضايا الأمنية والعسكرية وتقديم القضايا الاجتماعية والدينية في الدعاية الإسرائيلية من خلال صفحاته المختلفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.(4)

كما أنه من المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي يستثمر بشكل سري على المستوى الرسمي في شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال إشراكها عمليات في تشكيل وعي الشباب الفلسطيني على المستوى السياسي والثقافي، والمساهمة في كسر حاجز التواصل مع الآخر الإسرائيلي بشكل طوعي وعلني، وهو ما يترافق مع عجز وافتقار المؤسسة الرسمية الفلسطينية لمنابر صالحة لمخاطبة المجتمع الإسرائيلي من على شبكات التواصل الاجتماعي بحيث تساهم في التأثير على العقلية الإسرائيلية ونقل وجهة النظر الفلسطينية عبر الاشتباك المعلوماتي والفكري في الحيز العام الافتراضي.(4)

وبحسب الدراسة التي أجراها الباحث الإعلامي سعيد أبو معلا حول الدعاية الإسرائيلية خصوصا عبر موقع “الفيس بوك”، فقد استخدمت الصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية أساليب دعائية مختلفة مثل: “تشكيل الصورة الذهنية” و”الاختيار و”الانتقاء في النشر”، “وإطلاق الشعارات”، كما استخدمت أساليب معالجة متنوعة مثل: “استعراض القوة”، و”التقرب للآخر الفلسطيني”، و”استثمار البعد الإنساني”.(4)

ولعبت تلك الصفحات دورا كبيرا في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، و لم تكن وسيلة من وسائل الحوار والنقاش والتواصل، فهي تقدم وجهة نظر إسرائيلية بحتة، مقصدها أنسنة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفي المقابل تخويف الفلسطيني وكسر إرادته وتشويه وعيه.(4)

وكان دافع الاحتلال، بحسب الدراسة، للجوء إلى الأدوات الإلكترونية ومستحدثات التكنولوجيا في الصراع السياسي والعسكري، زيادة استخدام الإنترنت في مرحلة ما بعد الانتفاضة الثانية من قبل الفلسطينيين، حيث برز دور الفضاء الإلكتروني كساحة موازية للعمل السياسي النضالي، فالأهمية الاستراتيجية للآليات الإلكترونية (هجوما ودفاعا)، تتزايد كلما زاد اعتماد الخصم السياسي على الفضاء الإلكتروني في إدارة أنشطته المختلفة.(4)

ويكمن السر وراء هذا الحضور الإسرائيلي القوي إعلاميا ودعائيا في عموم شبكات التواصل الاجتماعي وبشكل مكثف على منصة “الفيس بوك” في طبيعة الحضور الفلسطيني والعربي في هذه الشبكة وحجمه، حيث تشير الاحصاءات إلى أن هناك أكثر من مليون مشترك في هذه الصفحة من فلسطين وجلهم من فئة الشباب.(4)

مواقع التواصل في خدمة الاحتلال

ما يميز منصات مواقع التواصل الاجتماعي عن غيرها من وسائل الدعاية، أنها أدوات منفتحة على الجميع، وهي في نهاية المطاف أدوات خارجة من الخضوع لسيطرة الجهات السيادية أو المتحكمة، ما دفع سلطات الاحتلال لاستثمار كل طاقاتها لتسخير هذه المنصات لخدمة دعايتها الإعلامية الموجهة، فأسست العديد من الصفحات وأطلقت ألسن العديد من الناطقين باسمها وباللغة العربية السليمة عبر هذه المنصات، فأصبح خطابها يمر دون أية رقابة او تشويش، ليصل إلى قطاعات جماهيرية واسعة، بغض النظر عن تواجدها الجغرافي الحقيقي.(5)

وتهتم هذه الصفحات الإسرائيلية بتقديم دعاية بيضاء ذات أهداف مكشوفة في الغالب. وهناك أدوات خفية، تقوم عليها وزارة الشؤون الاستراتيجية والمعلومات (الإعلام)، ووحدة عمليات الوعي في جيش الاحتلال، و”دائرة الحرب النفسية في الموساد”، و”هيئة Signit 8200″ التابعة للاستخبارات العسكرية. (5)

بالإضافة إلى ذلك، وفرت هذه مواقع التواصل للاحتلال الإسرائيلي بحكم التعاون المشترك بينها، مصدرا مهما للمعلومات التي ترغب في الحصول عليها، ما يساهم في نجاح حصولها على تغذية راجعة لأي فعل دعائي تطلقه، من خلال رصد ردة فعل الجمهور، ومدى تجاوبه من عدمه مع رسائلها، وهذا بحد ذاته أمر بالغ الأهمية، لأن أي دعاية تحتاج إلى قياس تأثيرها، وهو ما يتحقق عبر شبكات التواصل.(5)

هذه الأدوات تعمل بشكل خفي، وتأخذ أشكال صفحات تحت أسماء مستعارة أو مزيفة أو إعلامية دون التعرف على مصدر تشغيلها الحقيقي. وهناك أدوات أخرى تعبر عن أساليب متطورة في هذا المجال، كالروبوتات الاجتماعية، والهندسة الاجتماعية، والهندسة العكسية، والمتصيدون (يطلق عليهم البعض اسم ذباب إلكتروني).(5)

وعند الحديث عن انعكاسات هذه الدعاية _التي يطلقها الاحتلال من منابره المختلفة والمتنوعة_ على مسيرة المقاومة الفلسطينية على مر سنوات المواجهة، فيمكن القول إن الدعاية الإسرائيلية نجحت في حالات معينة بالتسبب بإشكالات لمسيرة المقاومة بشكلها المسلح، خاصة على صعيد تشكيل صورتها عالميا، من خلال وسمها بالإرهاب والعنف، ومحاولة ربطها مع جماعات متشددة عالميا (كالقاعدة وغيرها)، في محاولة لفض أي تجاوب عربي أو فلسطيني مع مطالبها، وفض الحاضنة الشعبية العربية من حولها. لكن في معظم الحالات، لم تتمكن الدعاية الاسرائيلية من النيل من المقاومة، خاصة على صعيد الدعم الشعبي، أو على صعيد حرف بوصلتها، أو خلق أزمات متلاحقة تعترض طريق تطورها وتوسعها.(5)

ومؤخرا، تمكنت ظاهرة الناطقين بالعربية من إحداث خرق داخل المجتمع العربي، وخلق تحولات كبيرة في نظرته للمقاومة المسلحة في فلسطين، تماهيا مع التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي يستطيع أي متابع أن يلحظ هذا التأثير من خلال الخطاب المستخدم من قبل بعض النشطاء والكتاب العرب خصوصا في منطقة الخليج العربي، وهذا بحد ذاته إنجاز للاحتلال الإسرائيلي.(5)

نظرة تاريخية على تطور أشكال الدعاية الإسرائيلية

يستنتج مما تقدم أن الاحتلال الإسرائيلي وفي كل مرحلة تاريخية من مراحل الصراع استخدم أشكالا متعددة للدعاية الإعلامية التي أطلقتها أجهزته الاستخبارية بحسب تنوع الأهداف السياسية المرسومة، ففي كل مرحلة تاريخية لجأ الاحتلال إلى نوع دعائي محدد. فخلال الفترة من 1947 وحتى منتصف الستينيات (قبل النكسة)، على سبيل المثال، اتخذت الدعاية الإسرائيلية شكلاً عنيفاً، يتوافق فيه الخطاب مع الفعل (دعايتي الكلمة والفعل)، ويتضح ذلك من خلال استخدام أساليب التهديد وإثارة الذعر، والتفريق، التي تنسجم في ذات الوقت مع التحركات العسكرية الميدانية والمجازر المرتكبة ضد أصحاب الأرض.(5)

أما في الفترة من العام 67 وحتى ما قبل 1982، فأخذت الدعاية شكلا يروج لصورة “إسرائيل” بوصفها قوة لا تقهر، مع تبني خطاب عنصري ينكر حقوق أصحاب الأرض، ويستخف بالعرب بشكل عام، وفي العام 1982 وما بعده حتى نهاية الانتفاضة الاولى، فأخذت الدعاية الإسرائيلية، أشكالا وازنت بين الهجومية والدفاعية في آن واحد، خاصة وأن أشكال المواجهة الشعبية معها وضعتها أمام أزمة أخلاقية عالمية، مازالت تحاول معالجة تعاظمها حتى اللحظة.(5)

ويمكن التأكيد، أن هذه الفترة شهدت نموا في الدعاية الفلسطينية المضادة، وامتلكت خلالها القدرة على مواجهة تلك الدعاية الإسرائيلية، خاصة في الساحات الغربية، أما حالياً، فالدعاية الإسرائيلية تأخذ أشكالا شتى، كالسيبرانية، والعسكرية، ومنها الخفي والمعلن (الأبيض والأسود)، ومنها التقليدي والمستحدث، ممزوجة ومتزاوجة مع نظريات تأثير مختلفة، كنظريات العمليات التي تشن بطرق نفسية، ونظرية التحكم اللاإرادي، وغيرها من أشكال الدعاية الحديثة، وفي كل الأشكال كان نفس أجهزة الاحتلال المختلفة طويلا، وتغض الطرف فيها عن الأثر وحجمه.(5)

في الأعراف السياسية المتعارف عليها في العالم، لا يمكن للخطاب الإعلامي الموجه أن يسير دون بوصلة تخدم المسار السياسي، وعليه، وبالنظر إلى أهداف الاحتلال الإسرائيلي السياسية، كالإبقاء على حالة الإنقسام مثلاً، يمكن القول إن الدعاية الإعلامية الإسرائيلية حققت أهدافا جزئية على المسرح الفلسطيني، خاصة وأنها تمارس تكنيكات دعائية مستمدة من واقع قراءتها لحركة التفاعلات السياسية والاجتماعية الفلسطينية الداخلية، الأمر الذي يمكِّنها من تشكيل خطاب دعائي يستجيب لمصالحها. ولكن هذه النتيجة ليست على إطلاقها، خاصة ما يتعلق بخطابها الموجه للغرب، ومحاولتها إصلاح صورتها المتدهورة عالمياً. فأنشطة حركات المقاطعة BDS، تشكل صداعا مزمناً لإسرائيل، خاصة وأنها تفند لحججها وأطروحاتها أمام المجتمع الغربي، الذي نشهد منه استجابة لتحركاتها، سيما على صعيد المقاطعة الأكاديمية وغيرها.(5)

خلاصة

إن الخطورة التي تحملها ظاهرة الدعاية الإعلامية الإسرائيلية والأساليب الخطرة التي تستخدمها لبث سمومها للمجتمعات العربية بعامة والفلسطينية بخاصة، تضع الجميع أمام مسؤولية استراتيجية تلزمهم بوضع خطة استراتيجية مدروسة لمواجهة هذا الخطر، تشترك فيه كافة مكونات المجتمع، بدءا من القاع وحتى رأس الهرم، وقد لخص عدد من الباحثين بعض البنود الاستراتيجية لتحقيق دعاية عربية موازية للدعاية الإسرائيلية، أهمها:

  • إنشاء مراكز رصد للإعلام الإسرائيلي لمتابعة ما يقال أول بأول خاصة في الشأن الفلسطيني.(2)
  • الرد المنظم المدعوم بالمعلومة والصورة على الدعاية الإسرائيلية.(2)
  • تأسيس صفحات باللغة العبرية للنشر الرواية الفلسطينية عبرها، وتأهيل ناطقين إعلاميين باللغة العبرية للرد على الرواية الإسرائيلية المزيفة، وتشكيل رواية عربية حقيقية.(2)
  • لمواجهة النشاط الكثيف الذي يقوده “أفيخاي أدرعي” عبر صفحته على موقع “فيسبوك” لا بد من إطلاق المبادرات الرسمية الفلسطينية والمدنية والمستقلة، بالإضافة لإنشاء عدد من الصفحات باللغة العربية والعبرية والإنجليزية لمواجهة الدعاية الإعلامية الإسرائيلية في المرحلة الأولى.(4)
  • بعد تمكن صفحة “أفيخاي أدرعي” من التأثير على آراء بعض الفلسطينيين والعرب خصوصا
  • جمهور الشباب، أصبح من الضروري إطلاق مبادرات توعوية للشباب لتعليم كيفية استخدام الإنترنت بشكل أمثل وآمن، وكيفية التعامل مع الدعاية الإسرائيلية، وتدريب أشخاص متخصصين لتقديم روايات تفند الروايات الإسرائيلية المزيفة.(4)
  • تجنب النقل عن وسائل الإعلام الإسرائيلية إلا ضمن حدود ضيقة، ولغايات محددة، وشن حملات تبصير للجمهور بأساليب الاحتلال الإسرائيلي الدعائية الحديثة من خلال مواقع الإعلام الإجتماعي، وتحفيز حالة نصح دائم حول المحظورات التي يجب على المستخدم تجنبها والابتعاد عنها، “كالتعبير عن حالة نفسية تخدم دعاية الاحتلال الإسرائيلي، أو كشف معلومات تشكل فرقا…إلخ”، بمعنى آخر اعتماد جهود توعية شاملة بهذا الخصوص.(5)
  • وعلى صعيد العمل الخاص، فإن الظاهرة الحاصلة، تلزم علينا امتلاك رواية مضادة، والعمل على فضح الدعاية الاسرائيلية بشكل مستمر، حتى لا تتغلغل داخل المجتمع، ويصبح من الصعب معالجة آثارها، وهذا النوع من الجهود وقائي، ويشكل درعا حاميا لجوانب المجتمع الإدراكية والمعرفية.(5)
  • وعلى صعيد السلطة والفصائل، يجب الحرص على تحقيق مركزية اتصالية، ومحاولة ضبط الخطاب الفلسطيني وتوحيده، وبدون ذلك، ستظل الدعاية الاسرائيلية قادرة على النفاذ، مستفيدة من حالة الفوضى الاتصالية القائمة.(5)