شبكة قدس الإخبارية

تحليل سياسي: ما هي آفاق التهدئة في قطاع غزة؟

هيئة التحرير

رام الله - قدس الإخبارية: تشهد الساحة الفلسطينية هذه الأيام نقاشا سياسيا بخصوص مباحثات التهدئة في قطاع غزة حيث يتضمن النقاش ما تنطوي عليه التهدئة من مكاسب للفلسطينيين، وأثمان سياسية قد يدفعونها، وعلاقتها بالمصالحة والانقسام، وارتباطها بصفقة القرن.

وتجمع شريحة كبيرة من المجتمع الفلسطيني بكتابه ومحلليه على ضرورة ألا تكون هذه التهدئة مقابل أثمان سياسية يحصل عليها الاحتلال في ظل الترويج المتكرر لصفقة القرن التي تروج لها الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب منذ تسلمه مقاليد الحكم.

وأظهرت استطلاع رأي سياسي وجه لعدد من الكتاب والمحاضرين السياسيين في الجامعات المحلية أعده مركز رؤية للتنمية السياسية أن إمكانية بقاء الحال على ما هو عليه تبدو قائمة، إلى جانب التحذير من إمكانية استغلال الاحتلال أي اتفاق سياسي.

مقايضة سياسية

من جانبه، يقول رئيس قسم الاجتماع والعلوم السياسية بكلية الآداب في جامعة الأزهر بغزة إبراهيم أبراش إن ما يجري الآن هو نوع من المقايضة ما بين تخفيف المعاناة عن غزة، أي تخفيف جزئي يقتصر على فتح المعابر، أو تسهيل دخول المواد الغذائية، أو بعض المشاريع المستقبلية، مثل المطار والممر المائي، وما بين إنهاء مشروع المقاومة في غزة؛ لأن الهدنة تعني وقف المقاومة، حتى وإن كانت لفترة زمنية محددة.

وتابع  أبراش : "الأخطر من ذلك أن "إسرائيل" تريد أن تكون هذه التفاهمات مع حركة حماس، واستبعاد منظمة التحرير، وهذا يعني تكريس حالة الانقسام، بالتالي، وتحت حجة تخفيف الوضع الإنساني، كان من الممكن الذهاب إلى مصالحة وطنية حقيقية، بحيث تسلم حماس القطاع لحكومة الوفاق الوطني، وتؤدي الحكومة ما عليها من التزامات، بما فيها إنهاء الإجراءات الأخيرة (العقوبات)، والتكفل بالموظفين.

واعتبر أن ما يجري الآن ليس اتفاقاً للهدنة وإنما صفقة سياسية لها أبعاد سياسية دولية وإقليمية خطيرة، مضيفاً: "إذا ما قامت حماس والفصائل الأخرى بتوقيع اتفاق مع الاحتلال، فإن هذا معناه أنه سيكون هناك عنوانان للشعب الفلسطيني، عنوان في غزة وآخر في الضفة، وهذا سيؤثر على منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد".

واستكمل قائلاً: "مثل هذا الاتفاق لا بد أن يكون بتوافق فلسطيني أولا، وبرعاية دولية ثانيا، وليست برعاية واشنطن وحدها؛ لأن "إسرائيل" عوّدتنا منذ اتفاق أوسلو، أنها في نهاية المطاف لا تلتزم بأي اتفاقيات، والضمانة الوحيدة لمواجهة كل ذلك هي وحدة الموقف الفلسطيني وقوته، وهذا يتطلب وضع استراتيجية وطنية تتجاوز حسابات المحاصصة وتقاسم السلطة".

وشدد على أن هذا الأمر يحتاج إلى عقد مجلس وطني شامل، أو مؤتمر وطني تشارك فيه كل القوى الوطنية برعاية منظمة التحرير وحتى لا نسمح بمقايضة الوضع الإنساني بمواقف سياسية، لا بد من وحدة الموقف الفلسطيني حتى لا تتفرد "إسرائيل" بغزة بمعزل عن الضفة.

من جانبه، يرى الأكاديمي د. جورج جقمان أنه والنسبة للفلسطينيين، وبالتحديد المقاومة، فإنه من غير الوارد أن ترغب في الدخول في مواجهة مع الاحتلال في الوقت الحالي؛ نتيجة عدد من الظروف، أهمها الوضع الإنساني المتردي في قطاع غزة.

واستدرك قائلاً: "لكن الشق الأهم فيما يتعلق بمباحثات التهدئة، هو ارتباطها بخطة ترمب، وهي من شقين، شق سياسي يتعلق بالعودة إلى المسار السياسي وفق شروط إسرائيلية، وشق آخر يأتي تحت شعار المساعدة الإنسانية لقطاع غزة، بهدف تحقيق استقرار نسبي في القطاع، وتحقيق هدوء لصالح "إسرائيل"، من أجل العمل على الشق السياسي للصفقة فيما بعد".

وأشار إلى أنه في المرحلة المقبلة، قد تكون هناك خطوات غير مرتبطة باتفاق تفاهم، مثل فتح معبر رفح بشكل مستمر، والسماح للفلسطينيين باستخدام مطار العريش، وإنشاء مدن صناعية لاستيعاب الأيدي العاملة من قطاع غزة في شمال سيناء، وحل مشكلة الكهرباء وتحلية مياه الشرب، وإيجاد ممر بحري من خلال مصر أو قبرص، تحت إشراف أمني إسرائيلي.

ويتابع قائلاً:" ذلك فإن ما نشهده الآن، هو مفاوضات ليس على وضع إنساني، وإنما في إطار سياسي، وإن ما يتم السعي له سياسيا وفق خطة ترمب، هو حكم ذاتي في قطاع غزة، مع حل المشاكل الإنسانية فيه، بهدف تحقيق حالة من الاستقرار، وتبقى "إسرائيل" تراقب المعابر والأجواء، وتتحكم بها".

ويؤكد جقمان على أنه لا يوجد أي طرف يمكن أن يعطي ضماناتٍ في ظل أي اتفاق فالضمان الوحيد هو وجود مصلحة إسرائيلية في الاستمرار بالهدوء، وإذا استمر الهدوء فستسير الأمور بشكل تام "إسرائيل" يمكن أن تجعل من حماس المسؤول الأول عن الوضع الأمني في القطاع، بمعنى تحميلها المسؤولية الكاملة عن أي تطور أمني، وفي حال أي خرق تكون حماس هي المستهدف، كما جرى في مرات سابقة من جولات المواجهة.

تفاهمات دون ثمن

من جانبه، يشدد  عميد كلية الآداب في جامعة الأمة للتعليم المفتوح بقطاع غزة عدنان أبو عامر على أن تحسين الوضع الإنساني لا ينبغي أن يكون مقابل تقديم تنازلات سياسية فلسطينية، بحيث يمكن أن تكون هناك تفاهمات متبادلة ما بين المقاومة والاحتلال بشكل مرحلي، كأن توافق المقاومة على وقف مسيرات العودة والبالونات الحارقة، مقابل رفع الحصار.

ويضيف أبو عامر: "لكن لا تبدو الطريق الآن معبدة لتطبيق هكذا اتفاق، فكلا الجانبين كانا قد دخلا فترات تهدئة سابقا، وكان الاحتلال في كل مرة يخترق هذه التهدئة. أما اليوم، وفي ظل تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة، فإنه ربما يتم استغلال الموضوع الإنساني في القطاع لتمرير صفقة سياسية، وربما تلجأ بعض الأطراف لفرضها من فوق، حتى لو أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها لهذه المباحثات".

ويرى أنه لا ضمانات مع "إسرائيل"، فقد تم تجريبها في كثير من التفاهمات والاتفاقيات، لذا، إن لم يكن هناك اتفاق حقيقي، وبتوافق فلسطيني كامل، ووجود شراكات إقليمية وضغوط دولية، فإنه قد لا يعمر كثيرا، وهذا بالتالي يطرح فكرة الذهاب إلى خيار "هدوء مقابل هدوء" دون توقيع اتفاق، وإنما إجراءات متبادلة ميدانيا.

ويستبعد أن يتم توقيع اتفاق تهدئة في هذه اللحظة وبهذا الشكل، وإن تم التوصل إلى اتفاق ضمني، أو مكتوب، فإن الإدارة الأمريكية قد تكون هي الضامن لاستمرار هذا الاتفاق، إلى حين الانتهاء من صفقتها السياسية في المنطقة، لا سيما في ظل وجود عراب مثل مصر وقطر والأمم المتحدة.

ويستكمل بالقول: "ليست هناك بارقة أمل جدية في انتشال الوضع المتردي في قطاع غزة حاليا، فاستمرار الانقسام كفيل بإفشال أي اتفاقات تهدئة، وبالتالي لا بد للأطراف المشاركة في المباحثات، أن تدرك أنه لا يمكن لأي اتفاق تهدئة أن يستمر دون أن يكون هناك حالة توافق فلسطيني داخلي، كما أن عدم إلزام الاحتلال بأي اتفاق، قد يجعل الأمور مرشحة لأي تطورات، والعودة إلى المربع الأول، وإلى حالة الاستنزاف بمسيرات العودة والبالونات الحارقة، وهو ما يعني أن الأمور قد تنزل في أي لحظة إلى حالة مواجهة".

مطلوب طرف ثالث

أستاذ الإعلام والعلوم السياسية في جامعة القدس أحمد رفيق عوض فيقول فتح والسلطة تريدان التمكين، وحماس تريد المشاركة، والراعي المصري ليس راعيًا، بل هو شريك في المباحثات الجارية، ويضغط لتحقيق مصالحه؛ لأنه كلما تدخل المصريون بالملف الفلسطيني، كلما تحققت مصالحهم الأمنية والإقليمية أكثر.

ويضيف: "بالتالي نحن نريد طرفًا ثالثًا عربيًا، ونطالب، إذا ما تم توقيع الاتفاق، بأن يكون هناك حضور عربي يغطي أي اتفاق، سواء فيما يخص المصالحة أو التهدئة والسبب أنه لدينا مشكلة في المرجعية، ومشكلة في التحالفات فكل من فتح وحماس لديهم تحالفات، بعضها قائم على مفهوم المصالح، وبالتالي فإن المصالحة ليست فلسطينية مجردة، بل قائمة على اعتبارات إقليمية ودولية، وبالتالي إن لم يكن هناك إرضاء للأطراف الأخرى، فلا أعتقد أنه سيكون هناك اتفاق تهدئة، أو اتفاق مصالحة داخلية"

ويلفت أن الخيارات هي خلاف فلسطيني دائم كما عشناه منذ 11 عاما سبقت، أو خلاف حول شكل الهدنة مع "إسرائيل" وهذا الأمر سيواجه بالكثير من الصعوبات؛ لأن فتح تقول لا توقيع إلا عبر السلطة الفلسطينية، وحماس تقول إن حركة فتح واحد من الكل وليس الكل، وحماس ترى أنها هي من ضحت خلال السنوات الماضية، وبالتالي لا تقبل أن تنفرد فتح بالتمثيل الفلسطيني.