شبكة قدس الإخبارية

الخان الأحمر... الشروع بـ"النكبة الثانية"

مركز صفد للبحوث السياسية

أسبوع من المواجهة والصمود، أعاد للأذهان حكاية التاريخ ومشاهد ما اقترفته العصابات اليهودية في العام 1948 بالسكان الفلسطينيين والعمل على تهجيرهم عن أراضيهم، فما بين تلك المشاهد وما يجري بالخان الأحمر شرقي القدس المحتلة نسختان لصورة واحدة تعكس مخططات الاحتلال الهادفة لطرد الفلسطيني والاستيلاء على أرضه.

إلا أن الفارق لما جرى الأسبوع الماضي وبين ما جرى قبل سبعة عقود، هو تحرك مئات النشطاء والمتضامنين من مختلف المناطق الفلسطينية للمجابهة، لمنع المشروع الاستيطاني الضخم المعروف باسم "E1" التوسيع ليربط المستوطنات المحيطة بالقدس المحتلة وعلى رأسها مستوطنة "معاليه أدوميم" على حساب الأراضي الفلسطينية.

قصة الخان الأحمر

تقع قرية الخان الأحمر شرقي القدس المحتلة على الطريق الواصل بين محافظتي القدس وأريحا، ويقيم فيها 41 عائلة فلسطينية من البدو مكونة من 181 شخصا، 53٪ منهم أطفال و95٪ منهم لاجئون من قبيلة الجهالين البدوية التي طردها جيش الاحتلال من النقب جنوب فلسطين المحتلة في الخمسينيات من القرن الماضي، وتفتقر تلك المنطقة لأبسط الخدمات الحياتية أهمها الماء والكهرباء، كما ينعدم فيها أي وجود لأي مركز صحي، وظلت حتى العام 2007 بلا مدرسة حتى أقام سكانها مدرسة صغيرة جدرانها من إطارات السيارات وتم تطويرها فيما بعد بدعم من الاتحاد الأوروبي لتستوعب نحو 180 طالبا وطالبة وتخدم معظم التجمعات البدوية في منطقة الخان الأحمر. (1)

ومنذ العام 2005 أصبحت هذه المنطقة مهددة بالترحيل، لأهميتها الجغرافية الواقعة بين القدس وأريحا، وهذا المخطط جزء من المشروع الأكبر الذي أطلق عليه اسم "مشروع 5800" للعام 2050، وهو مشروع استيطاني ضخم يهدف لتهويد المدينة بالكامل، ومن أهم معالمه العمل في هذه المنطقة.

ويشمل هذا المشروع إقامة مطار دولي كبير، وإقامة فنادق سياحية، وأسواق تجارية، ومدينة صناعية كبرى، بهدف لجلب 35 مليون سائح في السنة، لهدفين: هدف السياحة الدينية لمدينة القدس، وهدف السياحة العلاجية في البحر الميت. (2)

وهذا المشروع جزء من مشروع (E1) الذي حاولت سلطات الاحتلال إدخاله حيز التنفيذ منذ أكثر من عقد من الزمان على الأراضي الفاصلة بين القدس المحتلة والضفة الغربية المحتلة على مساحة تصل إلى أكثر من 12 ألف دونم، ويحيط بهذه المنطقة العديد من المستوطنات غير الشرعية من ضمنها: معاليه أدوميم، علمون، كفار أدوميم، ألون، كيدار والمستوطنة الصناعية ميشور أدوميم، التي يقيم فيها وفقا لإحصائيات العامين 2013-2014، حوالي 41.700 مستوطن، وتعتبر مستوطنة "معاليه أدوميم" هي المستوطنة الأكبر من بين المستوطنات المذكورة حيث يصل عدد سكانها إلى36.000 مستوطن، وتبلغ مساحة منطقة نفوذها 50 كيلومترا مربعا، وهو ما يعادل مساحة منطقة نفوذ "تل أبيب"، وضمن هذا المشروع تخطط سلطات الاحتلال إلى جذب نحو 100 ألف مستوطن لتسكينهم في تلك المنطقة بعد طرد سكانها الأصليين منها. (3)

الخرق الإسرائيلي لأحكام القانون

سلطات الاحتلال الإسرائيلي _ومن خلال هذه الممارسات المخالفة للقانون_ تسعى إلى تحقيق غاية سياسيّة صرّحت بها جهات رسميّة في مناسبات مختلفة، وهي استغلال الوقت لفرض وقائع ثابتة على الأرض والسيطرة على تلك المناطق، كلّ هذا بهدف خلق ظروف تسهّل ضمّ هذه الأراضي إلى حدود دولة الاحتلال قانونيًّا في إطار تسوية مستقبلية.

ومنذ سنوات طويلة تعمل سلطات الاحتلال على طرد التجمع من موقعه من خلال تحويل حياة السكان إلى حياة لا تُطاق على أمل الدفع بهم إلى ترك بيوتهم وكأنما برغبة منهم، ومن تلك الإجراءات:

-       ترفض سلطات الاحتلال ربط التجمّع بشبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق.

-       تمنع بناء المنازل أو المباني العامة وتقلص مساحات المراعي.

في مطلع مايو الماضي قدمت سلطات الاحتلال خطة جديدة للمشروع، إلا أن سكان المنطقة من البدو رفضوا هذه الخطة، وفي تاريخ 24/5/2018 رفضت محكمة الاحتلال مطالب السكان وقرروا أنه يحق لسلطات الاحتلال نقلهم بشكل قسري، وزعمت المحكمة أن نقطة الانطلاق تقوم على أن "البناء في منطقة خان الأحمر بما فيها المدرسة وكذلك بيوت السكان ليست قانونية"، ما يعطي سلطات الاحتلال التخويل بإصدار أوامر الهدم ضدها. (4)

القرار الإسرائيلي بإخلاء المنطقة وتهجير سكانها وهدمها فيه خرق واضح لأحكام القانون الإنساني الدولي الذي يحظر نقل السكان بشكل قسري خصوصا في أوقات الحرب حيث يعتبر هؤلاء السكان محميين بحكم القانون الدولي، كما يعتبر هذا الحظر سريا على الحالات التي يغادر فيها الناس أماكن سكناهم دون إرادتهم الحرّة أو نتيجة لضغط تعرّضوا له هم وأسَرهم، إضافة لذلك فإن هذا القرار فيه مخالفة صارخة للقانون الإسرائيلي الذي ينص على أنه لا يجوز تطبيق الإخلاء للسكان الذي يقيمون في منطقة صدر بحقها قرار بالمصادرة منذ عدة سنوات دون تطبيق هذا القرار بشكل فعلي، بمعنى أن منطقة الخان الأحمر صدر بحقها قرار من سلطات الاحتلال بالمصادرة منذ عدة سنوات ولم تنفذ سلطات الاحتلال هذا القرار، وبالتالي يصبح هذا القرار لاغيا ولا يجوز للسلطات إخلاء سكان المنطقة أو هدمها من جديد.

كما أنه وبالرجوع إلى الأحكام التي تتعامل بها سلطات الاحتلال مع البؤر الاستيطانية التي يقيمها المستوطنون في مناطق الضفة الغربية، يتبين أن سلطات الاحتلال تتعامل بازدواجية مع التجمعات البدوية في منطقة الخان الأحمر، حيث أنه في حال البؤر الاستيطانية يمنح الجهاز القضائي الإسرائيلي مهلة لا تقل عن 3 شهور للمستوطنين لتقديم الطعون بقرارات الإخلاء ولا يحق لسلطات الاحتلال تنفيذ أية قرارات يصدرها الجهاز العسكري بحق تلك المناطق، في حين لم يتم منح التجمعات المشمولة بمنطقة الخان الأحمر، أية مهلة لتقديم الطعون منذ تاريخ صدور قرار الهدم في مايو الماضي وعمدت سلطات الاحتلال في أكثر من مرة لإخلاء السكان دون أية وجه قانوني.

كما أن سلطات الاحتلال تمنع على سكان تلك المناطق التقدم بطلبات للتنظيم ضمن حدود منطقة القدس، وهو إجراء مخالف للقانون الإسرائيلي أيضا، حيث يحق لأي من سكان منطقة القدس التقدم بطلبات التنظيم للحصول على التراخيص اللازمة للبناء والتزود بالخدمات، بالإضافة إلى الإجراءات التي أعقبت قرار تجميد الهدم الأول حيث عمدت قوات الاحتلال إلى تجريف المنطقة التي أعلنت عن تخصيصها لسكان منطقة الخان الأحمر في حال تم إخلاؤهم ونصبت فيها العديد من البيوت المتحركة وهذا فيه خرق لقرار محكمة الاحتلال، ما دعا محامو السكان للتقدم بطلب استئناف آخر وتمكنوا من تأجيل القرار مرة أخرى، كل هذه العوامل مجتمعة تعطي القدرة على التحرك القانوني في وجه قرارات جيش الاحتلال التي تتعمد خرق القانون الدولي وحتى الإسرائيلي. (6)

ضعف الموقف الرسمي

ولدى محاولة رصد الموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية وردود الأفعال الصادرة عن مؤسسات منظمة التحرير يتبين أن موقفها لا يزال يراوح مكانه وغير جلي، فهي حتى اللحظة لم تعلن عن أية جهود او تحركات دولية لوقف هذا المشروع ومنع سلطات الاحتلال من تنفيذ جريمتها، واقتصر الموقف الرسمي على الجهود التي تبذلها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التي تمكن محاموها من اصدار قرارين احترازيين من قبل محكمة الاحتلال لوقف الهدم وتهجير سكان المنطقة حتى تاريخ 17 من الشهر الجاري دون الإشارة إلى أية خطوات مستقبلية بانتظار الأفعال الإسرائيلية في الميدان.

وتعتبر السلطة أن القرارين الاحترازيين اللذين صدرا من محكمة الاحتلال بتجميد هدم المنطقة وتهجير سكانها حتى تاريخ السابع عشر من الشهر الجاري والتي تقول إنها جاءت بجهود مشتركة بذلها الرئيس محمود عباس إلى جانب الجهد الميداني لكل القوى الوطنية والهيئات وأقاليم حركة فتح، والاتحادات، والنقابات، والمتضامنين، إنما هو بمثابة إفشال لصفقة القرن ميدانيا قبل أن تنطلق فعليا، والتي تهدف لتهجير الفلسطينيين من المناطق "ج" وإسكانهم في المدن للاستيلاء على الأرض.

ومنذ اليوم الأول للقرار الأول لمحكمة الاحتلال بتجميد قرار الهدم تعمد سلطات الاحتلال على تهيئة المنطقة التي قررت نقل سكان منطقة الخان الأحمر إليها وهي ما تعرف ببوابة القدس، حيث تجري منذ عدة أيام أعمال تجريف لتسوية المنطقة وجلبت عشرات البيوت المتنقلة وزرعتها فيها، وهي خطوة لا تقل خطورة عن هدم المنطقة، مما دعا محامي القضية لتقديم استئناف آخر لمحكمة الاحتلال والحصول على قرار آخر لتأجيل عملية الهدم والإخلاء. (5)

خطورة المشروع

وجود البدو في هذه المنطقة يعتبر عقبة في وجه هذا المشروع، الذي يهدف إلى عزل مدينة القدس عن محيطها العربي، وقتل حلم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ويعتبر البدو في تلك المنطقة والذين لا يتجاوز عددهم بضعة آلاف شوكة في حلق الاحتلال، فهم هجروا من أراضيهم بعد النقب المحتل بعد العام 1948 ونكسة العام 67 واستقروا في تلك المنطقة، وهي هذه أراضي زراعية رعوية، وبالتالي فإن تلك المنطقة تعطي صورة للوجود الفلسطيني وتحافظ على ترابط الضفة الغربية جغرافيا.

وهناك أهمية استراتيجية أخرى للمنطقة باعتبارها منطقة التوسع للقدس الشرقية، فالقدس محاصرة من جميع الجهات (الجنوب مستوطنات بيت لحم، والشمال جدار الضم والتوسع، ومن الغرب القدس الغربية وحدود مناطق الـ48) ما يعني أن التوسع للقدس الشرقية فقط من هذه البوابة، وعندما تضع "إسرائيل" يدها على هذه المنطقة وتسيطر عليها، تكون قد قضت على القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية وقضت على الدولة الفلسطينية المعهودة.

هذا المشروع بقي حبيس الأدراج نتيجة الضغط الأمريكي على "إسرائيل" من قبل الإدارات التي سبقت إدارة الرئيس "دونالد ترمب" لعدم تنفيذ هذا المشروع، ولكن بعد استلام ترمب وإعلانه القدس عاصمة لكيان الاحتلال ونقل سفارة واشنطن للمدينة، اعتبرت "إسرائيل" كل هذا الدعم من الإدارة الأمريكية بمثابة ضوء أخضر لتنفيذ هذه المشاريع التي بقيت في الأدراج، فكل المخططات التي بقيت حبيسة الأدراج سيتم إخراجها للتنفيذ بأسرع وقت ممكن، حتى تستغل "إسرائيل" وجود ترمب في منصبه خلال السنوات الأربع القادمة.

وتكمن الخطورة الكبرى في نجاح الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ هذا المخطط، في ترسيخ القرارات الأمريكية الأخيرة، بتهويد مدينة القدس بالكامل وجعلها عاصمة خالصة لكيان الاحتلال، ذات أغلبية يهودية وأقلية عربية، فمن المعروف أن المقدسيين يشكلون ما نسبته 40% من سكان مدينة القدس حاليا، ولكن بعد تنفيذ هذا المشروع ستنخفض هذه النسبة لتصل إلى أقل من 20%، بالتوازي مع ما تمارسه سلطات الاحتلال على أهالي القدس من تضييقات من فرض المزيد من الضرائب، وسحب الهويات والإقامات، وعزل الأحياء المقدسية وجعلها خارج حدود مدينة القدس.(2)

______________________________________________________

الهوامش:

1- تقرير الاستيطان الأسبوعي/ من 30/6/2018-6/7/2018- المكتب الوطني للدفاع عن الارض ومقاومة الاستيطان

2- مقابلة خاصة مع مدير مركز الحوراني للدراسات/ سليمان الوعري

3- الخبير في القانون الدولي الدكتور حنا عيسى

4- منظمة بيتسيلم

5- خاص

6- مقابلة خاصة مع المحامي علاء محاجنة محامي سكان الخان الأحمر/ هيئة مقاومة الجدار والاستيطان