شبكة قدس الإخبارية

فرحة الثانوية في منازل الشهداء

شذى حمّاد

فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخبارية: لم يغب الشهيد طه العروج عن أحلام نجله طيلة فترة دراسته في الثانوية العامة، فمحمد الذي لم يكن يتعدى شهوره الستة حينما اغتال الاحتلال والده، لا يحمل عنه أي ذكرى، سوى حضوره المتكرر في أحلامه كلما أشتاق له وأحتاج إليه.

يقول محمد الذي أحتاج أن يكون والده بجانبه خلال خوضه مرحلة الثانوية العامة، "كنت أحلم دائما أني جالس وإياه نتحدث وأنا أصغي إليه"، مبيناً لـ قدس الإخبارية، أن والده الشهيد الغائب عنه منذ 18 عاماً، هو الحاضر الدائم بروحه التي ساندته في مرحلة الثانوية التي يصفها "المرحلة الصعبة" والتي تخطاها بالحصول على معدل 86%.

الفرحة في بيت الشهيد العروج

ويتابع محمد، "أفتخر أنني ابن شهيد وأهدي روح والدي هذا المعدل.. هذه الفرحة لا توصف، ولكنها ناقصة وجود والدي الشهيد"، مبيناً أن يخطط للسفر إلى الخروج بهدف دراسة هندسة أجهزة طبية.

من جانبها، تقول والدته لـ قدس الأخبارية، "الفرحة لا توصف وأتمناها لكل بيت.. رغم استفقادنا الشهيد"، مشيراً إلى أنه في هذا اليوم شعرت بمقدار افتقاد ابنائها والدهم الشهيد.

وتبين أن محمد تعرف على والده الشهيد من خلال الصور فقط، فيما يلح على والدته باستمرار لتحدثه عن تفاصيل والده الشهيد، "محمد كان يعدني دائما أنه سيبقى فخر لي ولوالده الشهيد.. وهو ما حفزه للدراسة خلال الثانوية والحصول على هذا المعدل.

وتروي أن زوجها الشهيد طه العروج (35عاما) ارتقى في 17 تموز 2001، بعد اغتياله من قبل طيران الاحتلال والذي استهدفه بصاروخ مباشر، "عندما ارتقى طه، كنت حاملة بأصغر أبنائي الذي يحمل اليوم اسم والده الشهيد".

شيماء تورث ذكاء والدها الشهيد 

97.4% حصلت شيماء على معدل المتفوق في الثانوية العامة لتكون الأولى على مدرستها في قرية تل قضاء نابلس، وقد ورثت ذكاء والدها الشهيد ثائر رمضان، الذي كان يحلم أن يحمل أبنائه الشهادات التعليمية كالتي حملها، إكرام زوجة الشهيد تقول لـ قدس الإخبارية، "شيماء مذ كانت في الصف الأول وهي من الطالبات المتفوقات، وقد حافظت على تفوقها طيلة هذه السنوات". 

شيماء الأولى بين أبناء الشهيد الثلاث التي تتخرج من الثانوية العامة، "نستفقد الشهيد في هذه الفرحة، طوال الوقت نبكيه اشتياقاً... الفرحة ناقصة موجوده بيننا"، مشيرة إلى أن والد الشهيد توفى قبل شهر وقد كان ينتظر هذا اليوم والاحتفال بنجاح وتفوق أولى أبناء الشهيد، "كان جدها يحبها كثيراً ويميزها عن باقي الأحفاد.. كما كان يشجعها على الدراسة وطلب منها أن تسعى للحصول على معدل متفوق وعال".

وتبين إكرام التي لم تكن أماً فقط لشيماء وإنما معلمتها في إحدى المراحل الدراسية، أن الشهيد ثائر كان يحب ابنته شيماء كثيراً ولم يكن يفارقها ويأخذها أينما ذهب، وقد استشهد وعمرها لا يتجاوز الثلاث السنوات، "الشهيد محمد كان متعلم يحمل شهادة جامعية بالشريعة وكان يطمح أن يحمل أبنائه الشهادات الجامعية.. اليوم شيماء جبرت خاطرنا كما جبرت خاطر والدها بالحصول على هذا المعدل".

وعن استشهاد المقاوم ثائر رمضان، تروي إكرام أن زوجها قرر الانتقام لأخيه الشهيد مصطفى رمضان الذي ارتقى في الأول من تشرين ثاني عام 2000، مشيرة إلى أنه في حزيران 2004 داهمت قوات الاحتلال منزلهم بحثاً عن ثائر وقد تركت له تهديدات كثيرة من بينها ترحيل زوجته وأطفاله إلى الأردن وهدم منزلهم، "لم يخضع ثائر لتهديدات الاحتلال وقال إنه لن يسلم نفسه للاعتقال مجدداً وخاصة أنه خاضع تجربة الأسر مدة عشر سنوات".

وفي الرابع من تموز 2004 توجه ثائر إلى مستوطنة "بلاخه" لتنفيذ عملية استشهادية في قلب المستوطنة حيث اشتبك مع قوات الاحتلال حتى ارتقى شهيداً، "هو اختار الشهادة.. وكان يقول دائماً أنها الطريق التي اختارها وسيواصل المسير بها.

من جانبها، تقول شمياء لـ قدس الإخبارية، إن مرحلة الثانوية كانت من أصعب المراحل التعليمية وقد درست في ساعات الليل والنهار حتى حصلت على هذا المعدل، مبينة أنها تخطط لدراسة "أدب انجليزي" في جامعة النجاح.

وتضيف شيماء، "خلال هذه المرحلة كنت أفكر بوالدي طوال الوقت، وكنت أتمنى أن يكون بجانبي وبرفقتي.. هذا النجاح هو إهداء لروحه، لقد بذلت جهودي للحصول على هذا المعدل لأجله".

أسير.. وحيد والده الشهيد ينجح في الثانوية 

إلى منزل الشهيد رائد نزال دخلت فرحة الثانوية أيضا، بنجاح أسير الابن الأول والوحيد للشهيد الذي ارتقى بعد أقل من عام من ولادة نجله، عام لم يحمله خلاله إلا مرات معدودة، فقد كان الشهيد أحد القيادين الميدانيين المطلوبين لجيش الاحتلال في مدينة قلقلية.

يقول أسير لـ قدس الإخبارية، "مرحلة الثانوية لم تكن مرحلة دراسية فقط، بل مرحلة مهمة أعطتني الكثير من الدروس في الحياة.. نجاحي في هذه المرحلة كانت بفضل والدتي التي وقفت بجانبي ودعمتي وساندتني"، مضيفاً، "الفرحة كانت منقوصة دون والدي الذي أتمنى لو أنه موجود ينتظر عودتي أحمل له النتيجة، ويقول لي مبروك".

وتابع أسير أنه وكونه ابن شهيد كان ذلك حافز له ليجتهد خلال مرحلة الثانوية العامة وينجح فيها، "حاولت أبذل كل جهدي حتى أجعل والدي يفتخر بي.. حاولت أعمل كل شيء سيسعده لو كان موجوداً الآن بيننا"، مشيراً إلى أنه يخطط لتكملة دراسته في مجال الفندقة.

فيما تقول فاطمة دعنا زوجة الشهيد نزال لـ قدس الإخبارية، "فرحة نجاح أسير أعظم فرحة نمر بها.. أسير مميز بمهاراته وهوايته التي تخطى بها صندوق المدرسة، وسعيت أن يتخطى هذه المرحلة حتى يبدأ في المجال الأوسع الذي سيتيح له فرصة ممارسة مهاراته"،

وأضافت، "أفراحنا دائما ينقصها الشهيد رائد، ولكني علمت أسير أن والده الشهيد دائم موجود بيننا، بأفكارنا ونجاحتنا  وأن يهدي له كل عمل يومي يقوم به"، مبينة أنها المسؤولية الواقعة عليها كزوجة شهيد مسؤولية كانت كبيرة خلقت أمامها تحديات سياسية ومجتمعية، وخاصة أنها تحمل الهوية الزرقاء والتي يماطل الاحتلال حتى الآن منحها لأسير، كعقاب يمارسه على عائلة الشهيد.

وتبين فاطمة أن المجتمع يحمل أبناء الشهيد مسؤولية كبيرة تفوق أحياناً قدراتهم، على الرغم أن ما يحتاجه أبناء الشهداء هو المساندة والدعم وتوفير الأجواء النفسية المريحة لهم ليكملوا حياتهم بشكل طبيعي، "دائماً أقول لأسير أنه كالشجرة، تميل أغصانها ولكن جذورها ثابتة... أحلامك أكبر من المتطلبات المحيطة بك وستصل إلى ما تريد".

وتقول فاطمة عن زوجها الشهيد، "ما يمكنني قوله عن الشهيد رائد أنه الانسان والحياة... كنت أشوف الحياة من خلاله، ولم أتوقع يوماً استشهاده، فرغم أنه كان قائد عسكري إلا أنه لم يتحدث يوماً أنه سيستشهد وكان دائما يتحدث عن الفرح والحياة"، مشيرة إلى أن زوجها الشهيد كان يؤمن أن المقاومة يجب أن تكون أيضاً ثقافية إلى جانب العسكرية، كما كان محباً للعلم والتعلم.