شبكة قدس الإخبارية

هل نجح الاحتلال بالتفاوض مع الفلسطينيين في مواقع التواصل الاجتماعي؟

امال ماهر حراحشة

فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخبارية: يُفعّل الاحتلال ماكينته الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك وتويتر في محاولة لاختراق المجتمع الفلسطيني والعربي والعالمي، والتأثير على وعيه وحقنه بالرواية الإسرائيلية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي القائم، وللتغطية على جرائم الاحتلال المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقد شكل الوعي العربي حول حقيقة كيان الاحتلال جدارا أمام الرواية الإسرائيلية وأهدافها على مدار السنوات الماضية، إلا أن الاحتلال قرر استخدام وسائل جديدة في معركة كي الوعي كوسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالعربية ومتعددة اللغات للوصول إلى جمهور أوسع.

الكمّ الكبير من وسائل الإعلام الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية تحديداً لم يكن وجودها محض صدفة، فعلى موقع فيسبوك لوحده هنالك أكثر من 40 صفحة ناطقة باللغة العربية موجهة للجمهور الفلسطيني والعربي، هذه الصفحات تأتي ضمن إطارات وخطط واستراتيجيات بهدف عكس وجهة النظر الإسرائيلية، المسلحة بالروايات والوسائل الحديثة للدفاع عنها.

للتعمق أكثر في هذا الموضوع قررت الصحفية محاورة الباحث والإعلامي المتخصص في الإعلام الإسرائيلي عمر أبو عرقوب والذي كتب ونشر عدد من الدراسات في ذات المجال، والمرشح لنيل درجة الدكتوراة في مجال الدراسات الإعلامية وهندسة الجمهور.

س : كيف يخترقنا الاحتلال عبر دعايته؟

الاحتلال لديه عدة أساليب للدعاية الإسرائيلية وبلغات مختلفة منها اللغة العربية واللغة الإنجليزية، والفرنسية، والروسية، والعديد من اللغات الأخرى، في محاولة نقل الرسالة الإسرائيلية للعالم أجمع وتثبيت الرواية الصهيونية بأن "إسرائيل" صاحبة  هذه الأرض – الأرض الإسرائيلية التي وردت في التوراة - وأن لهم الحق الكامل في إدارتها وحكمها والسيطرة عليها، ويتم ذلك من خلال وسائل كثيرة أهمها اليوم وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، انستغرام ..الخ) حيث يوجد هناك استراتيجية وضعتها وزارة الخارجية الإسرائيلية بشكل أساسي ووسائل الإعلام الإسرائيلية التابعة للدولة تحديدا.

وهدف هذه الاستراتيجية اختراق الشعوب العربية المجاورة لإسرائيل، وهنا قد أشار نتنياهو من خلال تصريح له أن من أهم أهدافهم صناعة مجموعة من المقاتلين المحترفين على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف إغراق وسائل التواصل الاجتماعي بالدعاية الإسرائيلية التي لا تبدو ظاهرة الصلة بالحكومة، وذلك عبر طرح نقاشات مختلفة والتعليق على كل الأحداث الجارية في المنطقة، ومن خلال بث روايتهم الإسرائيلية.

هذه الاستراتيجية تعتمد على عدة أمور في خطابهم، فهناك الخطاب المرتبط باستفزاز الجمهور، وهناك الخطاب الذي يخاطب العقل اللاواعي للجمهور كمخاطبة الجمهور بأسلوب ديني، وهذا ما نلاحظه في خطابات الناطق الإعلامي باسم الاحتلال أفخاي أدرعي. هم يحاولون إيجاد مبررات دينية ليخاطبوا بها الجمهور العربي وأحيانا استخدام الفكاهة وعنصر الدعابة أو السخرية في تعليقاتهم حيث أن هذه الوسائل الأكثر نجاحا في التأثير على مشاعر وحواس الجمهور في مواقع التواصل الاجتماعي، وإن لم يقتنع بها، فمجرد مشاهدتها والاستماع لها مع التكرار ومرور الزمن يثير تساؤلات لدى المتلقي ويبدأ التأثير التدريجي لها في عقله اللاواعي.

س: أفخاي أدرعي والمنسق عرابين الماكينة الإعلامية الإسرائيلية للتطبيع مع العرب، هل نجحوا في تغير المعتقدات حول حقيقة كيان الاحتلال؟

إلى حد كبير نجحوا في إيصال الرواية الإسرائيلية لجمهور واسع لم تكن تصله هذه الرسالة، ونجحت أيضا في التفاوض بشكل مباشر مع جمهور عريض، والتواصل والتطبيع معهم، ولوسائل التواصل الاجتماعي الأثر الأكبر في ذلك والذي يمكن ملاحظته من التفاعل الكبير للجمهور على صفحاتهم على فيسبوك وتويتر والذي يسألهم ويتناقش معهم. علما أن التعليق والتفاعل حتى واشتمل علىتعليقاتسلبية وإهانة والتشكيك في إبادتها وسحقها. بالإضافة إلى أنها تقدم نفسها بأنها تراعي الحقوق  والحريات الإنسانية  وأن الدول المجاورة لا تحترم ذلك  وهي من تعتدي عليها أولا وتفتري عليها  وأنها فقط ترد على هذه الهجمات لحماية نفسها.

س: من أين اكتسبت وسائل الإعلام الإسرائيلية تلك القوة التي تفوق نظيراتها الفلسطينية والعربية و القدرة على ترويج روايتها؟

الاحتلال لديه أجهزة إعلامية منظمة وتستقبل دعما دوليا وأوروبيا وأمريكيا تحديدا، ولكن هذه الأجهزة تضاف لها ميزة القدم والخبرة العملية، ففي فلسطين أولى الإذاعات والصحف التي نشأت في القرن التاسع عشر كانت تتبع لليهود وكانت تبث الروايات الدينية والتوراتية، كما أن البروبوغاندا الإسرائيلية بدأت في أوروبا ووسائل الإعلام العالمية قبل قيام دولة الاحتلال بأكثر من 50 عاما، وكانت الحركة الصهيونية تمتلك الصحف والمجلات التي جيشت من خلالها يهود العالم والرأي العام العالمي. بالإضافة إلى أن الإعلام الإسرائيلي يعمل بأسلوب اللوبيات الإعلامية،كاللوبي الإسرائيلي الموجودة في أمريكيا والتي تساعدفي تعميم ونشر الرواية الإسرائيلية.

بالإضافة لعلاقات الاحتلال ونفوذه  الموجود في وسائل الإعلام العالمية، فمثلا في ألمانيا والولايات المتحدة جزء من المسيطرين على وسائل الإعلام هم يهود أو يدينون بالولاء لكيان الاحتلال، ويمكن الإضافة على اذلك، رأس المال اليهودي والقدرة التمويلية لوسائل الإعلام وشراء المؤسسات الإعلامية وتمويلها بطرق مختلفة. باختصار امتلاك وسائل الإعلام العالمية القوية وترويج الرواية الإسرائيلية فيها هو ما جعل إعلامها قوي والأمر الرئيسي الذي جعلها قوية هكذا وجود الاستراتيجية الواضحة والموحدة وليس كما هو الحال في إعلامنا الفلسطيني الذي لا يعتمد رواية واستراتيجية إعلامية واضحة وموحدة.

س: أين نجحت مواقع التواصل الاجتماعي وأين أخفقت؟

هي نجحت كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة لأنها لم تكن موجودة، ولأنها وسيلة إعلامية حديثة فاستطاعت تفعيل الدبلوماسية الإعلامية والرقمية من خلالها بلغات وثقافات متعددة متخصصة في مخاطبة الجمهور الخارجي، ونجحت في بناء شبكة من اللوبيات الإعلامية، بالإضافة إلى توحيد الرواية الإسرائيلية ونشرها بأكثر من طريقة.

أما عن الإخفاقات من الصعب تحديد إذا وجدت إخفاقات مباشرة بشكل عام، لأن التفاعل ووصول رسالتها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لم يكن موجود مسبقا، لكن بالرغم من ذلك هناك إخفاقات جزئية لها أحيانا علاقة في الترويج لبعض الكذب والدعاياتالتي يتم كشفها من خلال النشطاء والإعلاميين الفلسطينيين الذين يبذلون جهدهم لإثبات حقيقة الاحتلال واعتداءاته على العزل والمدنيين والأطفال، وتستهدف المسعفين والصحفيين.

س: كيف يمكن أن نواجه الماكينة الإعلامية الإسرائيلية ونفند رواياتها؟

هذا الأمر يحتاج لمواجهة على عدة مستويات، شعبيا، إعلاميا، دبلوماسيا، ورسميا. فعلى المستوى الدبلوماسي الرسمي يتم ذلك من خلال انشاء الحكومة لأجهزة إعلامية متخصصة تنافس الإعلام الإسرائيلي وتفند روايته في كل ما تنشره وترد عليه أولا بأول، وهذه الأجهزة الإعلامية أيضا من المهم أن تعمل هذه ضمن استراتيجية معدة مسبقا بحيث تخاطب الجمهور الإسرائيلي بلغته العبرية، وتخاطب وسائل العالم باللغات المختلفة، أي تفعيل الدبلوماسية الإعلامية والرقمية، وتنشر الرواية الفلسطينية الحقيقية الموحدة في مواجهة الرواية الإسرائيلية، كما أن وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية يمكنها القيام بذات الدور.

أما على الصعيد الشعبي فيجب علينا مقاطعة الصفحات الإسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي بإلغاء الإعجاب والمتابعة وكافة أشكال التداول لمواده الإعلامية، وتوعية الجمهور بخطورتها، وعدم الظهور على أي منصة إعلامية تابعة للاحتلال، بالإضافة الى التشهير بالمطبعين مع الاحتلال أيا كان نوع التطبيع.