شبكة قدس الإخبارية

مخللات الخليل بطعم الصمود.. هكذا تقاوم أسواق البلدة القديمة

ساري جرادات

الخليل- خاص قُدس الإخبارية: في الطريق إلى المسجد الإبراهيمي بالبلدة القديمة في الخليل، الذي يسيطر الاحتلال على أكثر من 60 بالمئة منه، تستوقفك العديد من صور البقاء والتحدي، وتسرح في خيالك لفهم تحدي الفلسطيني لكافة أشكال التطويع والتجويع، وفي هذه الأسواق ما يزيد من الإيمان بالحرية، حيث يضرب أهالي الخليل في شهر رمضان المبارك من كل عام، صورةً جليّة على حقهم في البقاء.

سبعة عقود قضاها يحيى الشلودي في صناعة المخلل الذي تتزين به موائد الصائمين في الشهر الفضيل، تصنع وتخزن على بعد أمتار من الحواجز التي تقيمها قوات الاحتلال الإسرائيلي على مداخل "شارع الشهداء" المغلق منذ مجزرة الإبراهيمي التي وقعت في الخامس والعشرين من شهر رمضان في العام 1994.

تفوح في البلدة القديمة لمدينة الخليل رائحة مخللات الشلودي، في محله الذي لا تزيد مساحته عن خمسة أمتار مربع، لتطرد رائحة عفن الجدران وبوابات الاحتلال الإلكترونية، وتهوّن على الصائمين والمتسوقين من لهيب الحرارة التي لا تتوقف، فلا بد أنها ستوقف كل من يمر عنها.

يصطف الأهالي القاصدون للصلاة في الإبراهيمي، أمام محل الشلودي لمخللات الزيتون الأسود والأخضر والصغير والكبير المتنوعة، والمحشوة بالفلفل والجوز والكاشو والفستق الحلبي السوري المنبت، ومخللات الباذنجان والزهر والخيار واللفت، ومخللات الفلفل المحشو بالبقدونس، والمقدوس والجزر بالألوان المتنوعة التي يضعها أمام محله لجذب الزوار والسياح.

[gallery type="slideshow" ids="149034,149035,149036,149037,149038,149039"]

يقول "يحيى" صاحب محل مخللات الشلودي، "ورثتُ صناعة المخللات وتخزينها عن والدي الذي ورثها عن والده، وأعمل أنا وأشقائي فيها منذ نعومة أظفارنا، ومنذ سنوات بدأت بتعليمها لأولادي للحفاظ على وجودنا هنا في البلدة القديمة التي يكويها سرطان الاستيطان وتمزقها حواجزه".

ويضيف الشلودي لـ"قُدس الإخبارية"، يباع المخلل في الأسواق والمناطق الواقعة خارج البلدة القديمة بسعر قدره (40 شيكلًا)، بينما نبيع كيلو المخلل هنا بـ" 20 شيكلًا" ما يعني أننا نبيع بنصف السعر، لتشجيع الناس على زيارة البلدة القديمة وأحيائها والتخفيف عنهم في ظل الارتفاع المجنون لأسعار السلع في الأسواق الفلسطينية مؤخراً.

يؤكد الشلودي أن عمله في صناعة المخللات يتواصل طوال العام، كونها وسيلة رزقه، ويجد في العمل بها إحياءً لأسواق البلدة القديمة التي تعاني من ضعف الحركة الشرائية وإقبال الأهالي على زيارتها في الأيام التي تخلو من المناسبات الدينية، مؤكداً حاجة التجار فيها إلى الزيارات المستمرة لكسر مخططات الاستيطان التهويدية.

يبلغ عدد المحلات التجارية المغلقة في بلدة الخليل القديمة "1829 محلًا"، إلى جانب وجود 1154 محلًا مغلقًا بطريقة غير مباشرة، وينتشر على مساحتها التي لا تزيد عن كيلو متر مربع فقط، أكثر من 1500 جندي إسرائيلي، لحماية 400 مستوطنًا إسرائيليًا، ويوجد فيها 121 حاجز ونقطة تفتيش، بحسب "تجمع شباب ضد الاستيطان".

الشابة العشرينية رفيدة أبو زنيد تقول إنها تقصد محال البلدة القديمة لتدني أسعارها، ولبث الروح في شوارعها التي تكاد تخلو من المارة في غير شهر رمضان بسبب إجراءات وتفتيش وتنكيل قوات الاحتلال الإسرائيلي وبطش المستوطنين بالأهالي، معتبرة أن لمخللات الشلودي في الشهر الفضيل نكهة صمود وتحدي.

وتشير الشابة أبو زنيد إلى أن زيارات الناس إلى البلدة القديمة تؤكد على عروبتها وفلسطينيتها، ورفض الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى طمسها، خاصة بعد إدراج البلدة القديمة في مدينة الخليل على لائحة التراث العالمي قبل نحو عام.

على الرغم من المبالغ الطائلة التي تدفعها قوات الاحتلال الإسرائيلي والجمعيات الاستيطانية لمن يتخلى عن بيته أو محله في بلدة الخليل القديمة، إلا أن أصحاب الأرض ينتصرون دوماً لقضيتهم العادلة، رافضين كل أشكال التخويف والترهيب الإسرائيلي، معلنين عزمهم على الصمود لإفشال مخططات الاحتلال الاستيطانية، حتى بأبسط الأشياء، منها "حرب الوجود، وثبات التواجد".