غزة - قدس الإخبارية: ما بدأ كهواية بالنسبة لياسر مرتجى قاده إلى مسيرة مهنية محفوفة بالمخاطر. لطالما اضطلع خريج قسم المحاسبة، الذي تحول إلى صحفي فيديو، بتقديم نظرة ثاقبة داخل المنطقة التي تشوبها الصراعات وتتعرض للحصار منذ سنة 2007.
ويعرف صاحب الثلاثين سنة بحمله الدائم للكاميرا أينما حل، فضلا عن الابتسامة العريضة التي لا تفارق محيّاه، وذلك في خضم سعيه المستمر لنشر قصص رفاقه الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، حيث جعل هذه المهنة هدفا له وكرس حياته لأجلها. في الواقع، سبق لمراسلي موقع ميدل إيست مونيتور التحدث مع ياسر مرتجى حول غياهب سعيه الدؤوب وعمله كصحفي في غزة المحاصرة، وذلك قبل بضع أسابيع فقط من اغتياله على يد القناصين الإسرائيليين أثناء تغطيته للاحتجاجات الشعبية الفلسطينية بالقرب من الحدود الشرقية لقطاع غزة. كان أول تفاعل لياسر مع الكاميرا عندما كان يبلغ من العمر 12 سنة بعد زيارة عمه لمنزل والديه. وفي هذا الصدد، قال الشاب الفلسطيني: "لقد كان عمي يصطحب معه آلة تصوير، فقمت باستعارتها ورحت ألتقط العديد من الصور بواسطتها". ومبهورا بشغف نجل َشقيقه بالتصوير الفوتوغرافي، ارتأى العم منحه الكاميرا كهدية. واستطرد ياسر قائلا إنه "واصل تصوير أي شيء يعترض طريقه، فلم يسلم منزل والديه أو الحي الذي يقطنه أو كل ما يسترعي انتباهه من المناظر الطبيعية من عدسة الكاميرا الخاصة به". كما صرح الشاب الفلسطيني أنه أمسى غير قادر على ترك الكاميرا. ذات يوم، عندما كان في طريقه لتصوير مباراة للكرة الطائرة في الحي الذي يقطنه، تبادر إلى مسامعه صوت انفجار قريب، كان لغارة جوية إسرائيلية. وقد اتجه مسرعا صوب مكان الانفجار بغية توثيق عملية التفجير وتداعياتها على المكان. وفي حديثه عن ذلك اليوم، قال ياسر: "سقطت الكاميرا من بين يديّ أثناء قيامي بالتصوير ما أدى إلى تحطمها. ولحسن الحظ، تمكنت من انتشال بطاقة الذاكرة وحفظ المادة المسجلة عليها". في الحقيقة، أماطت هذه الحادثة اللثام عن المشاكل التي تتعلق بما سيصبح لاحقا العمل اليومي لياسر، حيث بادر بتلقين نفسه كيفية التصوير وإجراء التعديلات والتقاط صور بطريقة أكثر احترافية. وحول هذا الشأن، صرح الشاب الفلسطيني قائلا: "لقد اعتدت على تصوير رفاقي، وعلى القيام بالمونتاج وذلك لمشاهدتها رفقة أصدقائي والضحك سوية. وتجدر الإشارة إلى أنني أطلقت على هذه المقاطع اسم "شاهد وتذكر"". مع إحكام الحصار قبضته على غزة، شهدت المنطقة اهتماما متزايدا بمواقع التواصل الاجتماعي من خلال اعتمادها على نافذة للتفاعل والاتصال مع العالم الخارجي. في هذا الصدد، ولأنه كان مأخوذا بالرغبة في تصوير واقع الحياة في غزة، انضم ياسر إلى جحافل المؤسسات ومجموعات الضغط الشبابية. علاوة على ذلك، حازت صوره ومقاطع الفيديو التي كان يقوم بتصويرها على اهتمام العديد من الوفود الدولية ومن قوافل التضامن التي قدمت لزيارة غزة. وحول هذا الاهتمام المتزايد، أفاد ياسر أن أولى خطواته كانت تتمثل في إنتاج أفلام قصيرة عن واقع الحياة في غزة، وذلك بهدف تسليط الضوء على المشاكل التي يعاني منها القطاع، على غرار أزمة الكهرباء والبطالة وإغلاق الحدود.عين ميديا: الشركة التي بدأت فيها أطوار الحكاية
شاهد على الحرب
عندما شنت "إسرائيل" حربًا على غزة خلال سنة 2014، شرع ياسر بتوثيقها دون تكليف أو تعيين من أحد. وقد قال ياسر للموقع: "تحملت مهمة توثيق الحرب قبل بضعة أيام فقط من اندلاعها. لقد أردت أن أكون مع خطيبتي، ولكنني كنت أعلم أيضاً أنه كان علي أن أقوم بتوثيق ما كان يجري من أحداث".
وأضاف قائلا: "لقد رافقت أطقم سيارات الإسعاف والخدمة المدنية وصورت الكثير من المشاهد المؤلمة"، واصفاً تلك الحرب بأنها كانت الأكثر فظاعة من بين العمليات العسكرية الإسرائيلية الثلاث في غزة على مدى السنوات العشر الماضية.
عموما، زادت شهرة ياسر بعدما شارك في وثائقي الجزيرة "غزة: نجاة الشجاعية"، الذي صور فيه طفلة فلسطينية تم إخراجها من تحت أنقاض منزلها في حي الشجاعية. فقدت الطفلة، بيسان، معظم أفراد عائلتها في التفجير، وقد أقام ياسر، مع الطبيب الذي أنقذها، علاقة وثيقة لمساعدتها على تجاوز الصدمة.
فضلا عن ذلك، نوه ياسر أنه "بغض النظر عن الخطر الذي يهدد حياتي، فإن توثيق الحرب يعد بمثابة حقل ألغام عاطفي وأخلاقي. لكنني أردت أن ألتقط الصور، إذ كان يجب عليّ أن أظهر ما خفي". وأضاف ياسر قائلا: "أردت أيضًا توثيق شجاعة المسعفين ورجال الإطفاء".
أمل خالد
كان حلم ياسر، الزوج والأب لطفل، يتلخص في السفر ورؤية العالم. وفي حديثه للموقع، قال ياسر "أبلغ من العمر 30 عاماً لكنني لم أطأ أرضا خارج غزة ولم أذهب إلى أي مطار ولم أصعد على متن أية طائرة. لقد تلقينا عروضًا للعمل في الإمارات العربية المتحدة والخليج ولكن بسبب الحصار وإغلاق الحدود، لم نتمكن من الظفر بتلك الفرص".
تجدر الإشارة إلى أن غلق الحدود يعني أن ياسر وفريقه سيفقدون العديد من المنح الدراسية ما سيحرمهم من المشاركة في العديد المهرجانات. وفي هذا السياق، قال ياسر "حاولت المغادرة مؤخراً لكن تمّت إعادتي على حدود رفح، وعلى الرغم من ذلك لم أستسلم". ثم استشهد ياسر بمقولة لدرويش جاء فيها؛ "نحن الفلسطينيون نعاني من مرض عضال يسمى الأمل".
قبل أن يتمكن ياسر من تحقيق حلمه في الطيران ورؤية العالم، أطلق عليه قناص إسرائيلي النار في السادس من نيسان/ أبريل بينما كان يغطي "مسيرة العودة الكبرى" الفلسطينية التي تدعو إلى حق العودة ووضع حد للحصار.
تم الانتهاء من عرض ميدل إيست مونيتور لعمل يوم مقتله، ما دفع بزملائه في "عين ميديا" إلى إكمال استعراض أعمال ياسر تكريما له ولجميع الصحفيين الفلسطينيين الذين يخاطرون بحياتهم من أجل توثيق الحياة في ظل الاحتلال في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في الأثناء، أفاد العطلة أنه "كان من المفترض أن نقوم بتصوير المشهد الأخير لمقطع الفيديو التكريمي يوم السبت، وهو اليوم الذي مات فيه ياسر. لقد تبين أن هذا المشهد كان مشهد وفاته". فضلا عن ذلك، صرّح رشدي أنه وفريقه مصممون على مواصلة مسيرة ياسر، خاصة وأن ياسر كان يسعى دائما لتوثيق كل شيء على أمل أن يستعيد الفلسطينيون في غزة يوما ما كامل حقوقهم ليعيشوا حياة كريمة". وقد أكد رشدي ذلك قائلا "سنحمل الشعلة ونواصل نشر رسالته".
بتسلّحه بكاميراته فقط، أصبح ياسر رمزا للشعب الفلسطيني الذي يدفع الأمل وأحلام الحرية والرغبة في الحصول على حياة أفضل.
المصدر: نون بوست