شبكة قدس الإخبارية

عائلاتٌ فقيرة في غزّة: الشوارع ملجأنا الأخير

رويدا عامر

غزّة- خاص قُدس الإخبارية: "المبيت في الشارع أقسى ما يمكن أن يحدث لإنسان" تجربة تعرضت لها العديد من العائلات في غزة وذلك مع تدني الوضع المعيشي للآلاف من الأسر بعد تشديد الحصار وسوء الوضع الاقتصادي وقلة الدخل للفرد الواحد، ووثقت العديد من الصور حال هذه العائلات على مواقع التواصل الاجتماعي، لمعرفة قضاياهم والمساعدة في التخفيف من أوضاعهم الضفة، ولكنّ لكلّ عائلة قصة ترويها.

سناء أبو موسى (42عامًا) من مدينة خان يونس لديها سبعة أفراد وكانت تسكن في منزل مساحته (30 مترًا) بمشاركة سلفها، فلا مكان لها غيره، رغم صغر مساحته ووجود أخ زوجها بنفس المكان، وهو ما يفقدها حريتها ويضيّق حياتها.

لاحقًا، استأجرت على نفقة مؤسسة خاصة تكفلت باحتوائها لمدة ثلاثة أشهر، ومن ثم أخلت مسؤوليتها عنها، مما جعل الإيجار يتراكم عليها لمدة أربعة شهور، ومن ثم طردها صاحب المنزل في الشارع هي وأطفالها وزوجها وابنها الأكبر.

وقالت سناء لـ"قُدس الإخبارية"، "من يسألني عن عمري ينظر لملامحي يرى فيها تعب سنوات تقدر بالسبعين عاماً، وجدنا في حالة فقر شديدة ولا زلنا نعاني من هذه الحالة، وزوجي وابني مريضين نفسيين، لا أحد يعيل معي أنا لا أحتاج إلى طعام أو شيء، أريد منزل يحتوي أطفالي وعائلتي، يكفيني تعب منذ أن تزوجت حتى هذا اليوم، وفي النهاية طردت في الشارع بلا رحمة".

سناء تعتبر السكن بالإيجار بمثابة إبرة تخدير لا تنفع أي شخص بحالتها فمن الممكن أن تطرد في الشارع في أي لحظة، فتقول "لم يكن الأمر سهلاً أبداً، بل تأثرت نفسيتي ونفسية أطفالي وأصابتنا بنوبات بكاء طويلة، نمت أنا وأولادي في الشارع، وابني في الصف الرابع لم يذهب إلى المدرسة تأثرًا بما حدث له، لم يتحمل نظرات الناس في الشارع"

وأضافت، "الكثير وقف أمامنا في الشارع، منهم من بقي صامتًا، وآخرين بدأوا بسؤالنا عما حدث معنا، والمارة في الشارع ساعدونا بأشياء قليلة، ولكن في النهاية الوضع سيء على الجميع".

لم تتوقف سناء عن البكاء خلال حديثها، فقد ذكرت أطفالها قائلة، "انظروا إلى ابني أمير الذي في الصف الأول أحزن عليه كثيراً، وأسأل كيف سيكون مصيره وحياته، فأخيه من قبله أصبح شاب وطُرد معي في الشارع، كل يوم أبكي حرقة على حالي لم أترك أي جمعية أو مؤسسة إلا وطرقت بابها لكي تساعدني ولكن للأسف بت في الشارع أنا وأبنائي، لا نريد منزل بالإيجار لأني لا أطمئن لذلك ففي أي وقت أرمى بالشارع كما حدث معي سابقاً".

وتابعت، "ذهبتُ إلى وزارة الاشغال من أجل مقابلة الوزير لكي أعرض عليه مشكلتي، ولكن الأمن الموجود على باب مكتبه منعني من مقابلته، ولكني لم أترك المكان لمدة أربع ساعات وأنا أبكي وأتوسل اليه بأن يسمح لي بمقابلته فلم يسمع مني أبداً، وكانت سيدة متواجدة معي في المكان وأخذت تتحدث لهذا الرجل من أجل مساعدتي ولكنه رفض، وعندما خرج الوزير مع مرافقيه لم يلتفت لي أبدًا بل مشى ولم يسمع مني، أنا لا أريد منه شيء فقط بيت لي ولأبنائي يكفينا ذل وتعب ومبيت في الشارع".

عائلة الشاب محمد رضوان من مدينة رفح أيضاً طردت في الشارع وعاشت ليالٍ طويلة تتحمل معاناة البرد القارس، حيث قال، "لم يعد أحد يحتمل تراكم الديون والإيجارات على السكان فقد أصبح الطرد سهلًا لدى أصحاب البيوت ونحن لا نمتلك إلا السكوت والرضى بالشارع، فعدم توافر المال يجعلنا ضعفاء أمام الظروف القاسية في غزة".

وأردف لـ"قُدس الإخبارية"، "انتشار الصور على مواقع التواصل الاجتماعي وتعاطف الناس مع الأسر الفقيرة والمطرودة جعل المؤسسات الإنسانية تسارع من أجل كفالة بعض الأسر المحتاجة قبل أن يصل بها الحال إلى الطرد، ولكن إيجاد حل للمشكلة بتوفير منازل بالإيجار، يعد أمرًا غير مجدٍ لأن النهاية ستكون متشابهة وهي الطرد في الشارع".

حسين صبح (29عاماً) طرد أيضًا في الشارع، حيث كان يستأجر منزلًا بـمبلغ "550" شيقل شهرياً وهذا المبلغ كبير جداً على عائلة تعتاش من مساعدات الشؤون الاجتماعية، وتتقاضى 800 شيقل كل ثلاثة شهور فلا يكفي لسداد الديون واحتياجات عائلته.

صبح قال لـ" قُدس الإخبارية"، "لم أترك أي مهنة إلا وعملت بها من طلاء للمنازل ومن ثم عملت بائع على عربة صغيرة لبيع القهوة والشاي وتحملت معاناة سوء الظروف الجوية في الشتاء ومن ثم عتّال في العديد من المحلات، وكل هذه الأعمال لم أنل منها إلّا مبالغ قليلة جداً، لم أكن أعلم أي حاجة أسدها لعائلتي، الطعام أم دواء والدي أم ماذا؟!"

العجز المادي الكبير الذي تعاني منه العائلة، أجبرها على اختيار الشارع مكانًا لاحتوائها، فقال، "كان خيار المبيت في الشارع هو الحل الأقرب للاحتجاج ورفض الواقع المالي السيئ الذي تعيشه العائلة".

من جهتها قالت وزارة الأشغال العامة والإسكان إن "تفاقم معاناة الأسر التي تعيش في منازل مستأجرة، يعود إلى الوضع الاقتصادي الصعب والإجراءات العقابية على غزة والتي شملت عدم صرف رواتب كاملة لموظفي السلطة الفلسطينية، وكذلك عدم تلقي موظفي غزة رواتب منتظمة منذ ثلاث سنوات".

وأضاف وكيل وزارة الأشغال وكيل الوزارة ناجي سرحان، لـ"قدس الإخبارية"،"لا تتوفر الإمكانيات والموازنات لدى الوزارة بغزة للسيطرة على هذه الظاهرة، فجزء كبير من الفلسطينيين يعيشون بمنازل مستأجرة، وكخيار مؤقت توفير بعض "الكرفانات" لعدد قليل من العائلات، لكن هذا الأمر محدود وليس بعدد كبير".