شبكة قدس الإخبارية

الجامعات الفلسطينية: أجهزة قمعية للتدجين

جمانة غانم

بعد فترة قصيرة على حادث اعتقال رئيس طلبة جامعة بيرزيت، الشاب عمر الكسواني من قلب الجامعة من قبل مجموعة المستعربين، الحادث الذي شكل تأكيداً مؤلماً للكثيرين على أن السلطة الحقيقية تحت الاحتلال هي لقوات الاحتلال، قامت جامعة أخرى من أكبر جامعات الضفة المحتلة بتهديد طالبٍ بعلمه مقابل حريته في الرأي، في تأكيدٍ آخر على أن قمع أي سلطة أخرى سواء كانت تعليمية، سياسية، مجتمعية، الخ.. تحت الاحتلال لا يختلف كثيراً في أغراضه ونتائجه عن قمع الهيمنة الصهيوني. ومثل الكسواني الذي حاول أن يقاوم الاعتقال، يحاول الشاب أسامة عرار، الضحية في هذه القصة، هو الآخر أن يصمد في وجه محاولة الابتزاز اللا أخلاقية، وهو أكثر وصفٍ دبلوماسي يمكن أن نطلقه عليها.

المثير للاهتمام أنه في قضية كلا الشابين برز سؤال عن دور الأمن في مؤسسات يفترض أنها أكاديمية وغير أمنية، فبينما تحدث طلاب في بيرزيت عن تقصير لدور الأمن على المدخل ما سمح بدخول المستعربين، وهو أمر لست بموقع مناقشته هنا، اتهم عرار أمن جامعة النجاح باشتراط حذفه لمنشور كتبه مقابل مواصلة حياته التعليمية.

لا أعرف الطالب أسامة عرار، ولا أظنه يعرفني أيضاً، لكنني أعرف تماماً ما مرّ به، لأنني وأثناء دراستي قبل 4 سنوات في تخصص الإعلام في جامعة بيرزيت، الجامعة التي أحبها اليوم وكرهتها كثيراً في حينها، مررت بموقفٍ يشبه موقفه كثيراً، وكدت أن أفصل من الجامعة في آخر فصلٍ دراسيّ لي فيها لأني اعترضت على سلوكٍ استبدادي من قبل رئيس الدائرة في حينها وعبرت عن هذا الاعتراض إلكترونيا. ليس الغرض إعادة التذكير بقصتي، لكن هدفي الأساس هو أن أسلط، وأن أساهم في أن يسلط آخرون الضوء على مستقبلٍ طالبٍ يوشك أن يفقده لأنه قال رأياً، أي رأي، لم يعجب أكاديميين، ينسون، وينسوننا باستمرار أنهم أكاديميون وليسوا ضباطاً في سجن أريحا المركزي، حيث يُشبح المخالفون في الرأي، وينكل بهم، لمصلحة الاحتلال.

ورغم أن منشور أسامة الذي أغضب الجامعة ودفع أمنها لمطالبته بحذفه مقابل السماح له بدخول الحرم الجامعي احتوى تبسيطات ليست حقيقية بالضرورة، وأعاد بمعظمه سرد صور نمطية كررها مرارا طلبة من الجامعتين حتى صدقوها، فإن هذا ليس جوهر الأمر، بل إن الجوهر والجزئية الأجدر بالتركيز عليها هي أن هناك طالبا قد يحرم من حقه في التعليم بسبب رأيه.

تحت حكم الاحتلال، وتحت حكم سلطة تتعاون مع الاحتلال، وتقدس التنسيق الأمني معه، فإن مساحة ”الحرية في التعبير“ مهما بدت عظيمة في حيزٍ ما فإنها لا بد ستنتفي حين يحاول أفراد هذا الشعب أن يعيشوا أسمى أشكال الحرية التي قد يسعى لها شعب تحت الاحتلال؛ الحرية في المقاومة والرفض. وهي حرية لعل أكبر تجلياتها هي الحرية في العمل المسلح، وأبسطها الحرية في التعبير. لا أحاول هنا أن أسوق لخطابٍ مدنيّ يتخيلنا مجتمعاً مدنياً يعيش في ظل دولة وفي ظل حكومة ومؤسسات من الممكن أن نسائلها من منطق: امنحوني حريتي كمواطن، إنما أسعى لأن أقول أن ضرورة الوقوف مع أسامة كي لا يفقد حقه التعليمي هي ضرورة لنا كشعب، كي نستمر في المقاومة.

هناك الكثير ليكتب عن أهمية التعليم، والأكثر عن أن أهمية التعليم المجرد بحد ذاته لا تعدل شيئاً أمام أهمية تجربة التعلم في الجامعات الفلسطينية، والتي على سوء وتردي الأوضاع الأكاديمية والسياسية فيها، فإنها تظل تجربة لا شك في ثرائها بالنسبة لكل طالب، هناك مشروع متكامل يعمل بإصرار على تدجيننا، على تعليمنا الخضوع وهزَ الرأس بصمت والمرور عن كل شيء من منطق: لا شأن لي، لكن أنا لي كل الشأن للحديث عن أسامة، حتى وإن لم يسمح هو لي، أنا أشعر أنه من واجبي أن يعلم الناس أن تضامنهم معي أنقذني من أن أحني رأسي، وجنبني أن أعيش وفي نفسي كسرة ربما لم أكن لأقدر على جبرها، وأن أكون اليوم كما كنت قبل سنوات، لا أخاف من أن أقول لا في وجه من أظنه يحاول إسكاتي. هناك طالب آخر غيري يحاول سلطويون إسكاته، وتعليم جيلٍ كامل من طلبة دفعته والطلاب الأصغر أن يسكتوا أيضاً، هناك محاولة لسلب الصوت وهي محاولة في رأيي لا تختلف نتائجها كثيراً في المدى البعيد عن محاولات الاحتلال الدائمة لتجفيف منابع السلاح ومصادرتها، ولأننا نرفض الإبادة، ونرفض الإسكات، ونرفض حكم الاحتلال، وحكم أعوان الاحتلال، نقول إننا مع أسامة، ومع كل من يشبه أسامة.