شبكة قدس الإخبارية

خطاب الرئيس.. ما بين التاريخ والأزمة والمسار الصعب

علاء الريماوي

شكل خطاب الرئيس مادة دسمة للمتابعة الفلسطينية والصهيونية، وأثارت حالة من النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي بين المؤيد بشدة، والمعارض بشدة، مع ظهور وسطية تبنت الفكاهة في التعليق على الخطاب مما أوجب التحليل الموضوعي لفحواه، خاصة في جوانب اعتبرها مركز القدس ذات أهمية تحليليه يمكن البناء عليها في فهم الواقع الذي عليه السلطة الفلسطينية وحركة فتح والقضية الفلسطينة.

للشمولية العامة في تحليل الخطاب، حرصنا تقسيمه إلى مضامين ذات محاور للخروج بقراءة شاملة وموضوعية.

أولا: الشكل العام للخطاب: من القضايا الشكيلة التي تضعف خطاب الرئيس، الخروج الدائم عن النص، واستخدام الفاظ عامية حمالة أوجه، الأمر الذي يدخل الرئيس في أزمات الحكم الشكلي على الخطاب، مما يحوله من شكل إلى شكل آخر، الأمر الذي يحتم على مستشاري الرئيس قياس مدى القبول الشعبي والنخبوي لهذا النوع من الخطاب.

ثانيا : مضامين الخطاب الداخلي: لم يوفق الرئيس حين استهل الحديث عن التباين الداخلي والاختلال فيه، بالهجوم على شخص الزهار والمطالبة برفع السقف الساسي لأجل القدس، مما خلق تناقضا واضحا بين عنوان الخطاب وفحواه، فتحول الأصل (القدس) الى فرع، واسم الزهار إلى أصل.

تجاوزا لذلك وحرصا على عمق التحليل، عكس الخطاب تعقيدا للأزمة التي عليها الواقع الفلسطيني الداخلي، بالإضافة إلى سعة فجوة الثقة بين الفصائل خاصة مع حركة حماس وبدرجة أقل مع الجهاد الإسلامي، على الرغم من ختام الرئيس خطابه بالحديث عن أهمية المصالحة، دون تقديم رؤية ووسائل واضحة للوصول اليها، بل تجاوز الخطاب هموم الناس في غزة، حيث قدم قناعة بأن أهل غزة في بحبوحة الكهرباء والعيش على عكس الواقع.

ثالثا: الخطاب والعرب: من الواضح أن الرئيس يعيش في أزمة علاقات مع الدول العربية، فألمح حينا للإمارات، ثم أشار بعض الإشارات باتجاه السعودية، وعدم الوضوح في الإشارة لمصر، وتأكيده المتتالي على القرار المستقل، الأمر الذي يؤكد حجم الضغوط الممارسة على السلطة من قبل النظام العربي الرسمي، في ملفات صفقة القرن، التوجهات العربية في قبولها، عدا عن الموقف من القدس وغيرها من ملفات تصل الحديث حول خليفة الرئيس نفسه.

هذا الواقع يلزم الرئيس البحث عن مسار واضح المعالم في التعاطي مع الحالة العربية، خاصة وأن مشروع الرئيس السياسي يرفض التحول من محور لمحور، لتمسكه بالمشروع ذاته، الأمر الذي يزيد من صعوبة وضع السلطة الفلسطينية في العين العربية، أو سيضطرها التماشي مع توجهاتهم الأمر الأقرب للموضوعية التحليلية.

رابعا: العلاقة مع الولايات المتحدة ، يعد سقف الخطاب الموجه للولايات المتحدة، هو الأكثر وضوحا في الهجوم على رئيسها، وأركان إدارته، من حيث مضامين الكلام، والموقف الخاص بدورها في العملية السياسية ومن القدس.

هذا الأمر لن يكون مريحا للبيت الأبيض، والسياسة الأمريكية التي ليس معهودا سماع هذا المستوى من الخطاب في وجهها، إذ لن يكون مقبولا هذا الخطاب أيضا من ذات الأنظمة العربية.

هذا الواقع لن يتعافى قريبا، خاصة و أن المشروع الأمريكي ماض في رؤيته تجاه القدس، ويهودية الدولة، وسيتبعها فرض واقع تطبيعي بين الكيان والعرب.

الخطاب وإن افتقد منهجية واضحة في العلاقة مع الولايات المتحدة، لكنه باليقين من حيث مضامينه سيشكل لدى الإدارة الأمريكية شكلا من التعامل مع الرئيس، ولا أستبعد في هذا السياق سعي منهجي لإنهاء دوره سياسيا وبالتدريج.

خامسا: من أكثر مواطن الضعف في خطاب الرئيس الظهور بعجز الحالة الفلسطينية: بلا شك أن مشروع الرئيس السياسي في أزمة، ومحاولة الخروج منها ضمن طاقمه تتم بالوسائل التقليدية، حيث تتخطى الارتكان على مواطن القوة الداخلية.

ما سمعناه شعور بالهزيمة، والنكران من العرب، خاصة حين تحدث عن عدم نجاعة التوجه للمؤسسات الدولية، وتكاتف الولايات المتحدة على المشروع الوطني مع الاحتلال.

معلم الضعف البين جاء في مطالبة المركزي "كمواطن"، وتخليه عن قيادة الحالة الفلسطينية باتجاه قرارات حاسمة.

هذا الواقع بكل معانيه أكد الشعور الفلسطيني بالاحباط من قدرة القيادة على صنع تحولات منهجية يمكن البناء عليها في مواجهة الاحتلال.

سادسا: المساحة التاريخية من الخطاب، وصل بالتحليل إلى عمق الأزمة والتحالف على القضية، لكنه في الخلاصة قال "جيئ باليهود الى أرض اسرائيل" وكأنه استخدام لتأصيل أن الأرض عربية، آمنت بالتسوية فصارت إسرائيل، هذا السرد لم يكن موفقا مع الإطالة وضعف الاستنتاج.

سابعا: العلاقة مع الاحتلال الصهيوني وارتباك الرؤية: قدم الرئيس سياقات ثلاث في هذا المحور، فطالب بموقف تقييمي من الاتفاقيات ومسار التسوية، وتحدث عن دولة تحت الاحتلال، بالاضافة الى ضرورة توفر وسيط أممي.

ثلاثية الحديث افتقدت لوسيلة العمل في مواجهة الاحتلال بتكرار المواقف الرسمية، وآلية المواجهة ومكنتها برغم تغير الموازين على الأرض، وحافظ على المواقف التقليدية من المقاومة والانفتاح على المجتمع الصهيوني.

هذا الموضوع سيعيدنا إلى عدمية المخرجات التي ستنتج عن المركزي لتبنيها ذات التوجه مع تنميط العبارات الأكثر بريقا.

ما لدينا من معلومات فإن هناك مأزقا تعاني منه القيادة في هذا الملف، إذ لا قدرة لديها على التخلي عن السلطة، وهناك صعوبة في وقف التنسيق مع الاحتلال، وهناك عدم قدرة على تجاوز البحث عن إدارة الملفات الإنسانية ذاتيا، يعني أننا أمام استمرار الحالة على حالها.

سابعا: المؤسسة الفلسطينية: كشف المركزي، قبول الرئيس تجاوز الحالة الجمعية في إدارة المؤسسة الفلسطينية، إذ من الواضح أننا سنكون أمام سيناريو مماثل في ترتيب الوطني ثم اللجنة التنفيذية للمنظمة، على ذات الشاكلة من التوجهات الفردانية.

في المقابل المعارضة والموقف من الخطاب

بلاشك هناك جانب مهم في صوابية قرار المقاطعة للمركزي، من قبل حماس والجهاد، لكن في ذات الوقت هناك مساحة يمكن البناء عليها لتوليد اتصالات سريعة مع طاقم الرئيس لاستشراف التوجه المستقبلي، سواء في ملف العلاقة مع الولايات المتحدة، وآلية التعاطي مع الاحتلال، والمتغيرات الجديدة إن وجدت.

في حال عدم الوضوح بات ملزما على قيادة حركات المقاومة، تقديم رؤية مؤسسية واضحة، وخطاب سياسي منهجي، يضم أكبر عدد من الفصائل والشخصيات المستقلة، للدفع بتغيير الواقع السياسي الذي نحن عليه.

البقاء في المساحة الرمادية، يعني فراغ الساحة للاحتلال ومشروعه المتمدد في الأرض الفلسطينية.

الخلاصة خطاب الرئيس وواقع الحالة الفلسطينية، وأداء الفصائل، نم عن حجم تباينات كبيرة، ستنعكس بالضرورة على الواقع بزيادة الأعباء، ومراكمة الجمود الفلسطيني، الأمر الذي سيسهل على الاحتلال مشاريعه وحيوته على الأرض.

فتح عليها الاعتراف، بفشل مشروعها، والفشل هذا يلزمها التخلي عن الحراك المنفرد في الساحة الفلسطينية.

المؤامرة الكبيرة على القضية الفلسطينية مقترنة بالتوجهات العربية من صفقة القرن، أنهت حلم التسوية كما أنهت الفرص أمام أي إمكانية لتحقيق اختراقات عبر منهجية السلطة القائمة.