شبكة قدس الإخبارية

عذراً إسراء ...

قتيبة قاسم

ماذا تقولين وماذا كان همس صوتك يريد أن يلامس من تلك القلوب المقفلة، من تلك القلوب التي ران عليها كثيرٌ من الخَوَر والجبن والإبطاء، ماذا أراد همس الصوت الذي احترق في أعماق صدرك قبل أن يحرق البقية الباقية من تلك الأفئدة التي لا تزال ترى بقلبها دون البصر!! ماذا أراد من نخوة للسامع والشاهد والرائي، للغيور الذي تضرم النيران في أنفاسه لهيب غضب بات مفقوداً..

لم تخرج الكلمات منك إلا عنوةً ولم يستطع اللسان أن يبعثر جراحه على المدى أو أن يثقل على الأمة المثقلة جرحاً جديداً، ينكأ فينا جراحاً لا تنتهي، تحشرج الصوت وانهال الدمع يحاول التقاط شيئاً من تلك الأوجاع ينقلها لمن لا زال يبحث عن "إسراء" وإسراءٌ ينقله من بوتقة النسيان والضياع لمسح الحزن مِن على جبين الحرّة الثائرة.

أي قبح ذلك يسمو عن قبح المحتل إذ يرسم بشاعته ويخرج مكنونات الحقد من دواخله ليمحوَ في ساديّته وعنجهية المتجبرين وجهاً كان بالأمس وضّاءً تلمح الحياة فيه ضاحكة؟ وما الذي أبقاه الإنسان من إنسانيته إذ ينتزع منكِ الحلم والحياة والحرية فيبقيك أسيرة الوجع والحرمان ويبقينا أسارى للذل والهوان!! تبقين ونبقى وكلنا لا نبرح مكاننا!!.

أيا إسراء كأرض الإسراء، من تلك التلال التي عاث المجرمون فيها الفساد، فكان الليل قاسياً طويلاً ينهش أجساد المكلومين دون نصير، يُستباح الحق بنيران الحقد الدفين .. فعذراً إسراء، فبشاعة المشهد الذي نحياه جعل منا متفرجين، منافحين عن أكلٍ وشرب، وما تجود به الدول المانحة علينا من فتات، نخاف قوت حياتنا وحياتنا لم تعد بمعشار الحياة حياة، فعذراً إسراء، فموقفنا من جرحك والإسراء واحد، ليس مسجدك الذي تحبين بأرخص ثمناً من حريتك، لكنما تلك الحجارة هي الأخرى ما كان لها أن تحرّك في أعماق المليارين من أمة محمد من شيء!!! وتسألين عن أوجاعنا!! وتسألين؟؟.

تسألين ونحن نجيب، بل نسأل وأنت تجيبين، عن أي وجع نتحدث، وهل أكثر من ذلك الذي يحرق فينا اليأس والخذلان، نجيب بنعم فتنطقين بحسرةِ ولوعة "لا"، هناك أكثر من كل الوجع الذي تحياه فتاة مكبّلة يحرسها سجان وتطوق معصميها الأغلال، فالطلقاء والأحرار بمنطق الصمت المكابر هم ذلك الوجع الذي يقتل فينا الحياة، هم جرحنا المسافر عبر الزمن، عبر دهاليز العزة التي بتنا نتوق إليها ولا نطيق لها بعاداً...

عذراً إسراء... ليس لدى قلوبنا المجروحة من جواب، ليس لضمائرنا المكلومة مِن صوتٍ سوى بعضُ صدى يرجعها الحنين إلى الأمجاد، يوم تصرخ حرة من خلف سورٍ بعيد فيمضي لأجلها الأحرار دون انتظار... عذراً إسراء، فالكثيرون لن يروا منك عيوناً زرقاء ولن يروا في ساحة نضالك معمعةً من الكاميرات ولا ميداناً يزدحم والمتضامنون الطارئون اللاهثون وراء كل لقطة لكنهم عند الهيعة والفزعة سراب!!.

عذراً إسراء، قد لا تستطيعين التنفس ولا تستطيعين الحراك كثيراً، قد لا تسمعين جيداً وقد تحرق عيونك ألسنة النار التي لا تزال تشتعل في أنحاء جسدك، عذراً ونحن أمام كل تلك النار المشتعلة ضائعون تائهون لا نستطيع إخفاء الوجع من على جبينك من على كاهل عائلتك التي ترمق أوجاعك بجبال من القهر والألم... عذراً إسراء وأنتِ ورفيقاتك اللاتي تجاوزن الستين وستون خيبةً ترمقنا ولعنةً تطارد رجولتنا، فعذراً لكن وما ينفع قهرنا ولا دمعنا ولا غضبتنا ولا تساوي دمعة قهر تذرفهن إحداكنّ ودمعة يأس على غيبتكنّ الطويلة وراء القضبان ...

ليس لنا يا ابنة الإسراء إلا بعضاً من دموع نذرفها نواسي بها وجعنا، ونرفع عن ضعفنا بعض الملامة ونذرف كثيراً منها على خيبتنا وذلّتنا، ليس لنا من قوة ولا حيلة، نفرّ من ضعفٍ لآخر ومن قاع يبحر فينا بسفين القهر طويلاً إلى قاع يزدحم حيث المغلوب على أمرهم، الأموات على هيئة أحياء ليس لهم قوة ولا بيدهم حيلة..

وعذراً اختاه مرةً تلو الأخرى، عسى الله أن يقبل عذر المتأخرين وعذر المتقاعسين، عذر المتخلّفين عن رد الكرامة لأمة يسيل دم النخوة منها مدراراً في كل البطاح...