أصبح المواطن الفلسطيني يشاهد بشكل شبه يوميّ الصحفيين الإسرائيليين يتجولون بحرية تامّة في المدن الفلسطينية، يجوبون الشوارع ويصوّرون ما يشاؤون، ويقابلون من يريدون، من الرئيس لأصغر طفل.  هؤلاء الصحفييون - أو الجنود كما يحلو للبعض تسميتهم - يتحدثون اللغة العربية بطلاقة، لهم معارف ومصادر للمعلومات في الشعب الفلسطيني واللجان الشعبية، وداخل مؤسسات السلطة في الضفة الغربية، لا يقلّون بذلك عن نظرائهم من الصحفيين الفلسطينيين، وأحياناً يصلون قبلنا للحدث!

يتم استقبال الصحفيين الإسرائيليين من قبل بعض الصحفيين الفلسطينيين بحرارة وبعناق وتقبيل وتبادلٍ لأرقام الهواتف الخلوية والإيميلات والفيسبوك، وفي بعض الأحيان بدعوتهم لتناول الغذاء معهم، كما حصل في بلدة سعير خلال المواجهات التي أعقبت جنازة تشييع الأسير عرفات جرادات الذي استشهد في غرف العصافير بسجون الاحتلال بسبب تعذيبهم له. نقابة الصحفيين الفلسطينيين لم تتخذ موقفاً واضحاً من وجود هؤلاء الصحفيين الإسرائيليين في المدن الفلسطينية ولم تتدخل الشرطة الفلسطينية في عملهم.

وقد قامت القناة الإسرائيلية الأولى مؤخراً بعمل تقرير عن مدى جاهزية قوات الشرطة الفلسطينية وتدريباتها لاستقبال الرئيس الأمريكي بارك أوباما في زيارته المرتقبة لفلسطين، فإذا كان الصحفيون الإسرائيليون يستقبلون من المستوى الأمني، فمن هو الملتجأ؟!.

جنود يحملون بطاقات صحفية

الصحفي أكرم النتشة مراسل فضائية القدس في مدينة الخليل، والذي أثار موضوع تعامل المؤسسات الفلسطينية مع الإعلام الإسرائيلي- ذهب لتغطية مؤتمر إقتصادي "مقاوم" فتفاجأ من وجود صحفيين إسرائيليين في المؤتمر، فانسحب مباشرة منه. وقال النتشة: لقد أثبتت أكثر من دراسة علمية على الإعلام الاسرائيلي الخاص والعام، أنه جزء أساسي من بنية جيش الاحتلال، ويكاد يكون ناطقاً باسمه، فلماذا تدخل مؤسساتنا جنودا ومستوطنين الى قاعاتها وفعالياتها؟ وتسائل النتشة في حديثه :"ما معنى أن تأتي المؤسسة الفلسطينية بالصحافة الإسرائيلية لتغطي لها فعالية، إن هذا الفعل تطبيع في أحسن الأحوال، وإهانة لكل الصحافة الفلسطينية".

وطالب النتشة المؤسسات الفلسطينية اذا ما أرادت من القناة الإسرائيلية الأولى والعاشرة أن تغطي فعالياتها فليكن، ولكن يجب عليهم أن لا يدعوا الصحافة الفلسطينية.

[caption id="attachment_1372" align="aligncenter" width="300"] الصحافة الإسرائيلية في مقابلة مع محافظ مدينة طولكرم[/caption]

"التنسيق" الإعلامي

وجدناهم قبلنا في "باب الشمس"

نائلة خليل، صحفية تعمل بجريدة الأيام الفلسطينية أطلقت حملة أسمتها "التفوو" ضد المؤسسات التي تقوم بدعوة الصحافة الإسرائيلية لتغطية نشاطاتها. وتستهجن خليل البذاءة التي وصلت إليها حالة "البلد" حيث تقوم بعض الفعاليات التي تعتبر نفسها مقاومة بدعوة إعلام إسرائيلي منحاز للإحتلال، وجنود هذا الإعلام هم أصلا جنود سبق وكانوا في جيش الاحتلال، واعتبرت خليل هؤلاء بأنهم جنود لدولة "إسرائيل".

ووصفت خليل علاقة الصحفيين الفلسطينيين بالإسرائيليين بالتنسيق الإعلامي :" كنا نعرف التنسيق الأمني، واليوم نحن في عصر التنسيق الإعلامي، لا أفهم ذلك، يعني إذا كان لدينا أحداث مثل "باب الشمس" أو "النواطير" تمت بسرية وبتكتم، هل يقوم الصحافي الفلسطيني بإخبار الإسرائيلي عنها؟".

وتابعت خليل حديثها باستغراب :"إذا كانت مهنة الصحافة تقتضي المنافسة بين وسائل إعلام البلد الواحد، إذن كيف نستوعب وجود تنسيق ومساعدة بين وسيلة إعلام الضحية والجلاد، أي تنسيق وأي مساعدة، إذا كان الامر يتم بسذاجة فهو مصيبة إن الإعلامي بات بمستوى وعي لا يسمح له بممارسة دور خطير مثل تشكيل رأي العام والوعي، أما إذا كان ما يقوم به الصحافي عن وعي فهو بالطبع يعرف ماذا يفعل وبالتالي تدميره لبيته الداخلي ذاتي ومدروس".

تفرّيق في التعامل

من جهته فرّق الصحفي فادي العاروري وهو المصور لوكالة الأنباء الصينية "شينخوا" في التعامل مع الصحفيين الإسرائيليين في جانبين، حيث قال :"بالنهاية أنا كصحافي أعمل لوكالات أجنبية، لا أستطيع أن أقاطعهم بسبب أن غالبية هذه الوكالات توظف صحفيين إسرائيليين بمكاتبها بالقدس، ويعملون في نطاق هذه الوكالة، فإذا كان التعامل معهم في هذا النطاق فهو أمر مقبول بالنسبة لي".

لكن العاروري نوه إلى أنه إذا  وصل الأمر للمزاح ودعوات للغذاء، ومساعدتهم على التصوير وعمل لقاءات،فإن ذلك بنظره وقاحة، ومن يقوم بذلك بحاجة إلى "قرصة أذن". وطالب العاروري السلطة بإصدار قانون يمنع دخول اي صحافي إسرائيلي للضفة الغربية مقابل منع الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين الفلسطينيين من دخول القدس أو الداخل الفلسطيني المحتل.

"عدم المعاملة بالمثل"

من جانبه قال منتصر حمدان عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين، أنه ضد اتخاذ أية اجراءات بحق أي صحفي، بغض النظر عن دينه أو عرقه، بل يحب النظر للصحفي على عمله المهني، والتعامل معه على هذا الاساس. ولكن حمدان طالب في المقابل، ضرورة إعلان الصحافيين الاسرائيليين بشكل علني ورسمي ادانتهم للإنتهاكات بحق الصحفيين الفلسطينيين التي تمارسها سلطات الاحتلال، إضافة لإدانة أي دور أمني يقوم به أي صحفي إسرائيلي.

كما دعا حمدان لضرورة التزام الصحفيين الإسرائيليين بقواعد وأخلاقيات المهنة، المعتمدة من قبل الاتحاد الدولي للصحفيين خاصة أن نقابة الصحفيين الاسرائيليين هي عضو في هذا الاتحاد. وقال حمدان أنه جرت مناقشات بهذا الخصوص وسط تباين وجهات النظر ومنها : إن ممارسات الاحتلال بحق الصحافيين الفلسطينيين، لا يجب ان تجر الصحافيين للمطالبة بإيقاع نفس الاجراءات بحق الصحافيين الاسرائيليين.

وأما الرأي الآخر الذي سرده حمدان فهو :"أن هذه الخطوة تشكل ضغطاً على الإحتلال". ويبقى هذا البلد المصور من فوقه وتحته مخترقا، وكأن الضحية قد دعت جلادها ليصورها في كل مواضع عيشها، ليس فقط ليسيطر عليها أكثر بل ولكي تُظهر وجهها "الحسن" أمامه.