شبكة قدس الإخبارية

السنوار.. مسير في حقلِ ألغام

علاء الريماوي

منذ تولي القيادي في حركة حماس يحيى السنوار قيادة حماس في قطاع غزة، أثار الاعلام الصهيوني جملة من التخوفات الكبيرة من سياسة الرجل، كونه صاحب الخلفية العسكرية والأمنية، وتأثيره الكبير على توجهات الحركة في جانب المواجهة.

القناة العاشرة الإسرائيلية كتبت، "السنوار قادم برؤية المواجهة وعلى مستوطنات الجنوب الحذر"، فيما قالت الثانية العبرية "السنوار سيكون الكابوس المرهق للأمن"، وذكرت صحيفة "يدعوت احرنوت"، "في عهد السنوار الحالة الأمنية ستكون مختلفة والهدوء لن يدوم".

أما في الإعلام العربي فكان التحريض على الرجل واضحًا من خلال محاولة الزج بصورته هو والعاروري نائب رئيس المكتب السياسي، كونهما الأقرب لإيران في قيادة الحركة، بهدف توتير العلاقات مع العالم السني واللعب البين على الطائفية وعكس حالة العداء تجاه حماس.

هذا الحديث رافقه أيضًا ضخ ممنهج لبعض المنابر الإعلامية، غير المعروفة، ثم دخول بعض المنصات المقربة من أجهزة أمن مختلفة سعت إلى ذات الهدف.

موضوعيًا، ومن خلال رصد الحالة، "نجح الرجل في فترة توليه قيادة غزة، في تجذير صورة حماس الساعيًة للمصالحة، حيث برز الرجل كصاحب مشروع كبير في الحالة الوطنية الداخلية، حتى أن العامة والقيادات من كافة الفصائل وجدت فيه الزاوية التي يمكنها خلق تحوّل في ملفات من أهمها المصالحة".

على الأرض كانت رياح الاقليم وفتح، وحسابات الذات أكبر من توجهات السنوار وقيادة حماس الجديدة، إذ أفشلت المصالحة كونها البوابة التي يمكنها تخفيف الحصار عن غزة وأهلها وما يراد للمقاومة في الغرف المغلقة.

الحديث عن صوابية أداء الرجل في حل اللجنة الإدارية والتسرع في هجوم المصالحة كان محط نقد من بعض أطراف حماس، لكن فات الناقد أن الهجوم كان على خلفية معرفة بأن السلطة لا تسعى لأي تقارب مع غزة، مما دفع حماس لمحاولة صناعة الرجّة.

القائد لغزة شاء أم أبى مطلوب منه العمل على ثلاثة اتجاهات:

أولها: تخفيف الحصار: في هذا الملف بذل الرجل جهدًا في العلاقة مع مفاتيحه مصر والسلطة، جهده تجاوز النمط السائد، إذ فتح خطًا مع مصر ورجلها دحلان، ومع الرئيس عباس، لكن الواضح أن الخيارات برغم ذلك كانت ضيقة على الرجل، الأمر الذي ينطبق على أي قائد في مكان السنوار.

على الرغم من الضيق لا يمكن في العمل السياسي الجمود، على منهج واحد والقول دون المحاولة، بأن الطريق مغلقة.

ما يسجل للرجل وقيادة حماس المحاولة، ووضع الجهات التي تقف وراء الحصار أمام الحالة الشعبية بشكل واضح، إذ لا يحمل اليوم أحدٌ حماسَ بأنها المسؤولة عن الحصار، بل هناك رأي جارف غاضب تجاه السلطة الفلسطينية يحملها المسؤولية الأخلاقية والسياسية تجاه غزة.

ثانيًا: دعم وتمتين المقاومة: من الواضح في حركة الاقليم سواء حصار قطر، والتحريض على تركيا، وعبث الإمارات ومصر، أن المقصود هو المس بالمقاومة، وسلاحها، وضرب بنية القسام ومنع وصول السلاح إليه بكل قوة.

حماس حاولت في السنوات الماضية خاصة بعد الربيع العربي توسيع دائرة دعم كتائبها، إلى جانب ايران، لكن كانت النتيجة صفر في هذا السعي، هذا الواقع جعل حماس تدرك أن العلاقات مع ايران محورية لارتباطها بعصب وجود حماس "المقاومة"، لذلك على الدوام كانت تثير تصريحات بعض القيادات سخطًا عامًا حين الحديث عن ايران، لدور الاخيرة في الملف السوري والعراقي.

حماس بقيادتها الجديدة والقديمة ومنها السنوار كانت أمام ضغوط مرهقة في هذا الملف، لا هي قادرة على تجاوز دور ايران في ملفات المنطقة، ولا قادرة عن الاستغناء عن دعم إيران للمقاومة.

لذلك لا يمكن ستر دور ايران، وسيكون الحديث عن ذلك وسيذكر الحرس الثوري وقيادته، ولا يمكن تفادي الحالة الصاخبة ضد حماس، في الساحة السنية، لكن تستطيع حماس ترتيب روايتها، إذ يمكن الاستفادة من حديث العاروري حول زيارة إيران، إذ خلق الرجل توازنًا بحده الأدنى في هذه القضية.

في العلاقة مع إيران سيظل السؤال حاضرًا دائما للمقرب وغير المحب لحماس: كيف يمكن الموازنة بين المكاره؟ لا أظن أن من القيادات السابقة واللاحقة ستذهب إلى أبعد من هذا التوجه الاستراتيجي والموازنات في هذا الملف، إذ لا يعتبر لوم السنوار منهجية صحيحة في هذا الملف، وإن صح منهج النقد لطريقة الإخراج أحيانًا والتهيئة.

ثالثًا: الملف الإنساني في غزة: لا يمكن لحركة مثل حماس في غزة حل مشاكل الناس مع الحصار القائم والمخطط، اذ تدفع الجهات المختلفة إلى تفجير الوضع الانساني في وجه حماس، عبر تكثيف التوتير المادي والاعلامي، والمراقب يرى بأن السنوار استطاع تقديم حماس كعنصر منفتح على الفئات خاصة الشبابية منها، كما نجح خطاب مكنته الاعلامية تصحيح التوجه الشعبي تجاه القائم على المس بحاجات الناس، برغم أن هذه الحالة ليست جوهرية، في تحسين أوضاع الناس، لكن لا يستطيع أحد، الإدعاء بأن الخيارات الممكنة أكثر من ذلك.

هذه الملفات الثلاث تنطبق على مقاومة الاحتلال والمواجهة، إذ يعيش الناس شكلًا مختلفًا في المطالبات، أهل غزة الذين هم تحت النار يطالبون تأجيل المواجهة كونهم الخابر لويلاتها ونتائجها، أما المتابع عن بعد، يدفع إلى تصعيدها، دور القائد أن يكون الناظم للحالة من خلال المقاربات والاهداف التي يجب تحقيقها.

في حالة السنوار وإخوانه في غزة، يسيرون في حقول ألغام كثيرة يتنقولون بينها، يصابون في بعضها، ويتسخ ثوبهم من غبار ضجيجها.

حالهم يشبه النقي السائر في طريق صعب في جو عاصف، لا يتغير جوهره، وإن خالط مظهره بعضًا من أدران، هذه الحالة تقسم الناس بين خاطب لمظهر، يعجبه في المرأة حليها، وبين آخر يعرف الجوهر وما وراء الثياب، يضل الأول حين يحكم على نصاعة الظاهر، ويفوز الآخر كونه يحكم باليقين على الجوهر.

حديثي هذا لا يعني اكتمال الحالة، وخلوها من الخطأ، حماس عليها اتقاء الشبهات، واختيار الألفاظ، وتقديم الشخص المحسن في الحديث، وبذل الوسع في خلق البدائل، فهناك من الزلات ما يمكن توقّيها، ومن العثرات ما يمكن تقويمه.

معذورون في عالمنا إذ ينظرون لحماس على أنها طهرهم الباقي على أرض أرهقتها الرذيلة، يشتاطون منها وعليها حبًا، إن جانبت صوابًا يعتقدونه، كونها منهم وحلمهم، و زعيم بيت يرجون بها الخلاص في كل زاوية ومحنة.