شبكة قدس الإخبارية

أعراس الانتفاضة الأولى أفراح رغم الجراح

160744222558211
مريم شواهنة

الضفة المحتلة - خاص قدس الإخبارية: على طريقِ الانتفاضة اﻷولى، كانت عروسٌ تنفض ثوبها اﻷبيض أمام حاجز عسكري معلنةً التحدي أنها ستمر بموكبها إلى بيتِ حبيبها... حجارةٌ في  أيدي ملثمين يرمون بها اﻷعادي، فيما كان رجلٌ منهم يعود بعد المواجهات ليُكمل بالحجارة ذاتها بناء بيته الذي سيعمره رغم أنوف المحتلين، كانت دماءُ الشهداء في تلك السنين، تروي اﻷرض ليُزهر منها وردٌ في باقةِ  تحملها جميلةٌ تختال ببدلةِ عُرسِها! ... في أيام كانت فيه السياسة الغاصبة تقول: "سنكسرُ أيديهم وأرجلهم لو تَوّجب ذلك"..لكنهم ما أفلحوا في كسر "حاء" من أحلامهم!

 " في اﻹنتفاضة اﻷولى، لم يكن هناك تحضير للعرس نهائياً"، تروي سمر نصار، من بلدة علار قضاء طولكرم ذكريات عرسها، "بالنسبة لي لم أرَ أية مظاهر للفرح، فالغناء ممنوع، أغلب الوقت اشتباكات ومنع تجول".

أما هاني أبو سارة، من بلدة عرابة قضاء جنين، فيسرد لمراسلة "قدس الإخبارية"، موقفاً من أيام خطوبته "كنتُ في زيارة لمخطوبتي، وفجأة أُعلن منع التجول، بيتها في قرية مجاورة لنا، فاضطررت للعودة إلى بيتي رغم منع التجول،  يوم العرس دعونا الناس للوليمة من المسجد، فموضوع دعوة الناس للعرس كان أمراً شاقاً جداً في ظل كل هذه الظروف، وعندما ذهبنا لإحضار العروس، كان هناك منع تجول، فتولى عمها الذي يملك سيارة أجرة أن يتجاوز كل نقاط منع التجول ويُحضرها إلى عرابة، بالطبع لم يكن هناك مراسم للعرس، كان فقط بمثابة اجتماع عائلي، ورغم كل شيء فرحنا وتم العُرس".

كان الملثمون في ذلك الوقت يمنعون اﻷغاني، كما يقول أبو سارة، "أذكر بعد أسبوع من العرس، اقتحم الجيش البيت وأخذني أنا وإخوتي وجيراني، لنقوم بمحو الشعارات التي كان يخطها ملثمو الانتفاضة على الجدران".

"ذهبنا إلى محكمة في نابلس لنعقد القِران، وما أن وصلنا مشارف نابلس وإذ بكتيبة من الجنود، وملثمون يرمون قواوير الورد على رؤوس الجيش، فعدنا أدراجنا وتم كتب الكتاب في البيت".

مراسلة "قدس الإخبارية" تحدثت أيضًا مع مريم لامي، من قرية إسكاكا قضاء سلفيت، " كان منع التجول طويلاً، فلما ذهبنا للتجهيز للعرس كنا نتفق مع التجار ليفتحوا لنا باب المحل نِصف فتحة ونشتري، وعند حدوث مواجهات كان التاجر يغلق المحل ونبقى داخله جميعاً حتى تنتهي، وكان الشراء يتم بشكل سريع جدا".

يوم عرسها، مرّت مريم عبر حاجز حوارة، ورفضت أن تنزع الكوفية الفلسطينية التي كانت ترتديها فوق بدلة عرسها، " كان الفرح يتم بتحفّظ كبير، فزوجي  لم يُزف على فرسٍ يوم عرسه، وكان الملثمون يمنعون اﻷغاني والزغاريت، لكن زوجي مشهور قام بتعويض هذا يوم عرس  أخيه بعد الانتفاضة، إذ اعتلى الفرس يومها".

ويذكر المحاضر في قسم علم النفس بجامعة النجاح، د. غسان ذوقان، "خلال الانتفاضة في عُرس إحدى طالباتي، وأثناء توجه موكب العروس إلى بيت العريس، قام الاحتلال باعتقال العريس على أحد الحواجز".

"رغم المعاناة الموجودة والمشاكل الاقتصادية التي كان يعاني منها الشعب الفلسطيني بفعل ظروف منع التجوّل، وتوقف العمّال عن العمل، وعدم ذهاب الموظفين إلى وظائفهم، برغم كل التعقيدات اﻷمنية والعوائق الاقتصادية إلا أن الحياة اﻹجتماعية بقيت مستمرة بدرجة معقولة جداً"، يوضح د. غسان ذوقان خلال حديثه لـ "قدس الإخبارية"، "كانت تتم اﻷعراس تحت شعار أفراح رغم الجراح، فالأفراح لم تتوقف رغم الصعوبات، وفي حال تم الغناء في العرس فكانت الأهازيج الوطنية والهتافات تُمّجد الشهداء، وتتغنى بصمود الأسرى فالعرس أصبح حالة وطنية وذو طابع وطني بالكامل".

أثناء الانتفاضة اﻷولى، كان حظر التجول يستمر شهراً كاملاً في بعض اﻷحيان، ولم يكن هناك برنامج معين معروف لرفع الحظر، "كان اﻷهالي يتحينون فرصة فك الحظر لكي يأخذوا العروس لبيتِ عريسها"، يقول ذوقان.

ويضيف، "في بعض اﻷحيان كانت تخرج العروس عند أقربائِها إلى خارج منطقة سكناها ليقام العرس في مكان آخر غير بلدها،  وكانت اﻷعراس تتم بشكل غير رتيب ومتقطع، ويتم تأجيل العرس أكثر من مرة، إما بسبب منع التجول، أو ارتقاء شهداء في تلك البلد، أو اعتقال العريس، إذ كانت الاعتقالات على أشدها حينها، وبلغ عدد المعتقلين اﻹداريين فترة انتفاضة الحجارة 12 ألف معتقلٍ إداري". كما يخبرنا ذوقان أن الإنتفاضة أضفت تراحماً وتلاحماً إجتماعياً على الشارع الفلسطيني، فالتلاحم كان بقرب القلوب والنفوس من بعضها، والتراحم كان في قضية المهور وتكاليف الزواج إذ أنَّ العرس كان يتم بأقل التكاليف مما قلل الكثير من المشاكل الإجتماعية.

ويختم ذوقان حديثه لـ"قدس الإخبارية"، "الفروقات الإجتماعية قلت بحكم أن الجميع تحت ظرف سياسي وضغط اقتصادي واحد، هذا ساهم في خفظ الفروقات الطبقية بين الناس فتم الزواج من فئات إلى فئات أخرى بسهولة أكثر من الماضي وحتى قد يكون أكثر من حاضرنا اليوم".

وبحسب ما نشرت الصحافة الصهيونية خلال فترة الانتفاضة، فإنه قد زاد عدد الأعراس وزادت نسبة الإنجاب عند الفلسطينين بشكل ملحوظ.