شبكة قدس الإخبارية

أسرار حي الدرج بغزّة.. كنوز أثرية تحت "شجرة السدرة"

محمد سكيك

غزة- خاص قُدس الإخبارية: لم يكن يخطر في بال أهالي حي الدرج شرق مدينة غزة أن شجرة السدرة تتربع على كنز ثمين يعود لعصور قديمة مضت عليها مئات السنين، فاعتقدوا أن ما عثر عليه عمال بلدية غزة خلال أعمال تمديد لشبكات المياه بالشارع عام 2009 مجرد قبور و"فستقية" "غرفة لدفن الموتى".

لكن الغرفة الصغيرة التي حفرت بها فتحات لوضع قناديل زيتية، لم تكن "فستقية" عادية، بل هي إحدى غرف منزل أثري قديم يعود إلى حقبة تاريخية مضت عليها مئات السنين.

فكان ذلك الاكتشاف نقطة تحول في مشروع البلدية، وتوقفت أعمال الحفر لاستدعاء المختصين من وزارة السياحة والآثار لمعاينة المكان المكتشف والشرطة لتطويق المكان، ولكن لم تمضِ سوى سويعات حتى غادر طاقم وزارة السياحة والآثار والشرطة، وباشر عمال البلدية بردم المكان المكتشف خوفاً من تخريبه أو العبث بمحتوياته من قبل الناس.

وتعد شجرة السدرة أقدم الأشجار بمدينة غزة، واختلفت الروايات حولها فالبعض من قال إن عمرها أكثر من ألف عام، وهناك الكثير من الأساطير التي رويت عن المكان تفيد بعضها أن القبر الملاصق لها لـِ وليّ صالح وجميع السكان كانوا يتباركون بها ويأخذون أوراقها لصنع دواء لمعالجة أمراضهم.

ومن الناحية المحاذية لتلك الشجرة تواجدت في المكان قطع أثرية يقدر عمرها بآلاف السنين دون أي رقيب أو مهتم بما تحويه على كنوز تُقدر بالملايين كونها إرث ثقافي يتبع للعصور القديمة ولربما يكون عهداً قديماً يثبت لفلسطين هويتها العربية والإسلامية والحضارية.

شاهد على الحدث

يروي رياض إرقيق (56عاماً) حكايته عن المكان، بقوله "المنطقة تم اكتشافها قبل عام 2009م وذلك خلال تواجد الاحتلال في قطاع غزة، وانهارت بعد مرور شاحنة كبيرة بها لتكشف عن عدد من بيوت العقد "لها أقواس" مدفونة تحت الأرض".

ويضيف لـ"قُدس الإخبارية" سكان المنطقة سارعوا بردم المكان خوفاً من قدوم جنود الاحتلال للتنقيب في المكان وسرقة الآثار الموجودة به"، لكن ما حدث عام 2009 كان أعمال حفر للبلدية لتمديد خطوط مياه، وأن ما عثر عليه العمال لم يكن سوى غرفة خالية.

وفيما يتعلق بشجرة السدرة، يوضح أن الشجرة مشهورة بـ "سدرة الخروبي" وهي رمز معروف في السعودية والأردن ومصر، وأن جميع السكان لا زالوا يأخذون من أوراقها لصنع دواء لأمراضهم.

واصطحب شاهد العيان مراسل "قدس الإخبارية" لمنطقة جبلية بارتفاع (12مترًا) تبعد عن المكان المكتشف بعض أمتار، ليكمل "عندما كنا صغار كنا نأتي لهذا المكان لنبشه والبحث عن قطع أثرية من الفخار وغيرها وعثرنا على العديد من التحف والمزايت والأواني الفخارية".

ويضيف "في كل يوم أربعاء كان يأتي الحاكم اليهودي لمدينة غزة ديفيد ميمون لشراء التحف والأواني وبعض المزايت من الأطفال، مقابل "ليرة أو شكولاتة أو قطعة بسكويت" على التنقيب عليها.

ويشير إلى أن المنطقة الجبلية تحتوي على نفق للملكة "هيلانا" والتي قيل تاريخيًا إنها حكمت مدينة غزة قديمًا ضمن ولايتها، مبيناً أنه وسكان المنطقة كانوا يستخدمون النفق للاحتماء في فترات الحروب إلى أن ردم حديثاً.

ولم يختلف معه الخمسيني عثمان الشيخ ليقول "عام 2009 خلال أعمال الحفر في الشارع اكتشفوا تحت عمق 1.5 متر غرفة قديمة وجماجم وجاءت وزارة السياحة والآثار لفحص المكان، ومن ثم ردمته لعدم وجود إمكانية للتنقيب فيه".

وبحسب الشيخ، "فان طواقم البلدية ووزارة السياحة والآثار منعتا من التصوير وأحاطوا المكان بطوق".

 

[gallery type="slideshow" size="medium" ids="132483,132482,132481,132480,132479,132476,132478" orderby="rand"]

معاينة الاكتشاف

بدورها، تقول هيام البيطار المسؤولة في وزارة السياحة والآثار بمدينة غزة "حدث هبوط في الشارع بمنطقة السدرة عام 2009م، خلال عمل تمديدات لشبكات الكهرباء والاتصالات والمياه للمكان تم الحفر بعمق 1.60 سم".

وأوضحت لـقُدس الإخبارية، "وجد عمال بلدية غزة خلال الحفر عظام وحجارة، وبعد أن حضرت مع طاقم الوزارة لمعاينة المكان نزلت إلى الحفرة التي كانت بعمق (1.5-2 مترًا) وإذ وجدت نفسي واقفة على سطح منزل قديم".

"ومن خلال فتحة في أحد حجارة سقف هذا المنزل وجدت نفسي أنظر إلى غرفة في داخل منزل من الأعلى مقصورة، وفيها مرافق وبوابة الغرفة مدفونة والمنزل كله مدفون ونحن نقف على السطح"، تقول البيطار.

وفيما يتعلق بالزمن الذي بُنِيَت فيه هذه الغرفة، توضح أن المكان المكتشف يعود إلى العصر المملوكي، وما وجد بداخل الغرفة سراج وكوة لوضع هذا السراج وجدنا الحجارة المعروفة بـ "حجر الدبش".

وتتابع "وجدنا فوق سطح المنزل قبور لبشر وهي امتداد للمقبرة الموجودة في محيط مسجد السيد هاشم الموجود بالقرب من المكان هذه المقبرة، والتي تم تجريفها في الستينات من القرن الماضي عندما شق شارع الوحدة والشوارع المحيطة به".

 

استحالة التنقيب

وعن إمكانية التنقيب، قالت "التنقيب في ذلك المكان مستحيل كونه يقع في شارع حيوي يعج بالمارة طول النهار، وستحتاج عملية التنقيب وقت طويل ما يعني إغلاق الشارع لفترة كبيرة".

وتكمل "يقع هذا المكان على أطراف البلدة القديمة في غزة تحديداً على حدود حي الدرج، بحيث يعطينا فكرة على التسلسل الطبقي لطبقات غزة الأثرية باعتبارها مدينة "تلية" أي طبقات اندثرت وتلاها طبقات أحدث".

وتردف "الغرفة ليست وحدها وإنما هي بداية لحي بأكمله ومن الممكن عند التنقيب عليه أن يكشف عن بيوت ومنازل وشوارع وأزقة من العصر المملوكي".

وتؤكد أنها لم تعثر على قطع أثرية بعينها، وما وجدته في أرضية الغرفة هو قطع من الفخار المكسور تعود لعصور إسلامية مملوكية وعثمانية وعملة نقدية مهترئة غير واضحة المعالم لكنها من العملات المحلية المعروفة والتي كانت متداولة في العصر المملوكي إضافة إلى عظام قرب سطح الغرفة.

تحديات

ووفقًا للبيطار، فان عملية التنقيب عن المكان تحتاج إلى تكلفة مالية ضخمة وإيقاف كافة مشاريع البلدية بالمكان، لافتةً إلى أنها وثقت ما تم اكتشافه بالصور قبل أن يتم ردمه، مضيفة "كون هذا الاكتشاف في أوج فترة عصيبة كانت تمر بقطاع غزة من حصار وحرب 2008، كان الوضع غير ملائم لعمل حفر وتنقيب وكافة المشاريع خيرية وتعويض لأصحاب المنشآت المتضررة في الحرب".

وعن إمكانية التواصل مع جهات خارجية لدعم مشروع التنقيب، توضح أن الأمر ليس سهلًا وهو بحاجة إلى مراسلات وخطابات رسمية مع جهات متخصصة تحتاج لوقت طويل وسيتم خلالها توقيف السير في المنطقة.

وفيما يتعلق بالصور والوثائق عن المكان الذي تم اكتشافه، ختمت البيطار إفادتها بأن وزراتها تعرضت خلال الأعوام السابقة لعملية سطو لأجهزة الحواسيب التي كانت تحتوي على تلك الوثائق وبالتالي اختفت مع تلك السرقة.

من جهته، يقول مدير دائرة الهندسة والتخطيط في بلدية غزة نهاد المغني إن بلديته " كانت تنفذ مشروع شارع شعبان على حدود البلدة القديمة لمدينة غزة من الناحية الشمالية وعند الحفر لتمديد خط مياه رئيسي في منطقة السدرة تم العثور على بقايا مباني تحت الأرض".

ويؤكد خلال حديثه لـ"قُدس الإخبارية"، أنهم أوقفوا العمل في المنطقة وأبلغوا وزارة السياحة، مشيراً إلى أنه أمر بردم المكان للحفاظ عليه من التخريب بعد انتهاء خبراء الآثار من معاينة المكان وتصويره.

تأريخ وحلول

من جانبه، يوضح الدكتور أيمن حسونة المختص بالتاريخ والآثار أن مدنية غزة كان لها سبعة أبواب ومنطقة السدرة توجد بها بوابة تسمى بوابة "البلاخية"، وباتجاه الشرق يوجد باب عسقلان توجد بهذه المنطقة مقبرة ملاصقة لمسجد السيد هاشم.

ويلفت إلى أن عندما تم الحفر لبناء المنازل الموجودة إلى الشرق من شجرة السدرة عام 2005 -2006، عثر أصحابها على أعمدة وتيجان رخامية وجدران من الطوب اللبن وهي جدران مدينة غزة في العصر البرونزي، كما أن منطقة السدرة موجودة أسفل تل يسمى "تل الخروبة" وهو البلدة القديمة لمدينة غزة في العصر البرونزي.

ويقول إن "إشكالية مدينة غزة هي استمرار الاسكان الحضاري فيها بمعنى أن استمرار السكن فيها حتى العصر العثماني تحديداً، وحتى هذه الأيام يهدم السكان البيوت العثمانية ويبنى مبانٍ حديثة مكانها".

وفيما يتعلق عملية التنقيب، يؤكد صعوبتها لأسباب كثيرة آخرها كان بناء مجمع لوزارة الأوقاف في منطقة الساحة ميدان فلسطين وعثروا في ذلك المكان على قواعد أعمدة لكنيسة بيزنطية قديمة، مضيفًا "لكن المؤكد من خلال ما يعثر عليه من مجسمات أنه يوجد في مدينة غزة طبقات أثرية تعود إلى عصور قديمة جداً تعود إلى العصر البرونزي القديم وهو عصر المدن الكنعانية".

ويبين أن أي أعمال حفريات في أي بقعة من منطقة السدرة سيعثر على آثار وتحتاج إلى تنقيبات لمعرفة التسلسل الطبقي لهذه الآثار والتي من المؤكد العثور عليها، موضحًا أن الطبقات التي من الممكن العثور عليها العصر العثماني والمملوكي، هي طبقة العصر البيزنطي ثم الروماني فاليوناني فالحديدي وصولاً إلى البرونزي القديم.

وفيما يتعلق بإمكانية التنقيب، يردف "هناك مواقع معينة بعيدة عن منازل السكان بالإمكان القيام بحفريات منها ويتم التسلسل فيها حتى الطبقات الأقدم وهذا هو المهم أكثر من الكشف عن معالم أثرية وإظهارها".