شبكة قدس الإخبارية

"باجس نخلة" مآثر يلاحقها الاحتلال

علاء الريماوي

لايعرف كثير العامة، هذا الرجل، برغم دوره القيادي الفاعل داخل حركة المقاومة الإسلامية حماس في سنوات مختلفة، تعرض للاعتقال عشرات المرات، متنقلا بين السجون كلها، لكن ليس هذا الذي يمزيه في سلم قيادة الحركة عن الآخرين، ولا هذا الذي جعل الاحتلال يرصد له توقيتا لوجوده خارج المعتقل، لا يتجاوز الشهور الأربع بين اعتقال وآخر.

خبر اعتقاله اليوم لم يكن صادما لي بل توقعته له، في حفل زفاف ولده قبل أيام، حين همست في أذنه الحمد لله أن أبقاك لهذا اليوم ومشاركتك أسرتك الفرح.

باجس أو الشيخ باجس كما يناديه إخوانه، عرفته منذ كنا أشبالا، في الانتفاضة الأولى، برغم عمره الشباب حينها، كان يعد زاوية أساس في مخيم الجلزون ومحيطها، إذ كان التأثير العام له واضحًا، في منطقة عمله.

شكل التأثير الذي يمتلكه الرجل، خاصًا كالسهل الممتنع، يمكنه من جمع الناس في محيطه، بسلاسة، وهدوء، يأخذهم إلى ما يريد، بحب يسبق الحسم، وبحسم هادئ لا يثقل على الناس فيه، تقترب منه، تعرف عنه رقة لا تعرفها في كثر، يسمع منك أكثر ما يحدثك، يتنازل عن حصة ذاته في كل شئ، حتى إذا راقبته لمست منه تصوف القرب وذكر لا يفتضح بسب دوام حلق لجيته وبسمته الدائمة.

وإذا كان الاختبار له في مواطن الجد كان رجلًا، لم يخذل أصحابه حتى في ساحة المحن، الحديث العام يظلم الرجل، لأسجل عبر هذه المقالة بعضا من مواقف الرجل أعلم أنه لا يحب الحديث فيها، لكن ما نحتاجه كشعب فلسطيني تجديد هذا النوع من الإخلاص في قيادة الناس.

أولا إحجامه عن المناصب: امتلك هذا الرجل وضع نفسه على قائمة حماس في المجلس التشريعي ودون عناء في ذلك بل في ظل دفع له من المحيط، لكن قدم من حوله عن نفسه وأبقى لنفسه مع كوادر عمله، شراكة العمل الذي يؤمن به.

ثانيًا: بذل ماله على الناس، يقصده الكثير من الناس لطلب المساعدة، في مرة لم يكن في ثروته إلا بعض من مال، جاء إليه رجل طلب منه ما يملك لحاجة ماسة، قدم الشيخ ما كنزه (700 شيكل) للرجل المحتاج دون تفكير كيف سيتدبر بيته حتى نهاية الشهر.

ثالثًا: يقصد في الضائقات: أذكر مرة ذكري له صديق، صاحب حاجة لا يجد في بيته التمرة ولا التمرتين، عبرت كلمتي له دون نية مني الطلب للصديق، ما وجدت منه إلا ضربا الكف على الكف، وحولقة بصوت مرتفع، ثم افترقنا ما هي إلا ساعة من نهار وإلا به يتدبر أمر علاج الرجل ومأكله لشهور كان ذلك في سنوات ما قبل الـ 2000.

رابعًا: في المعتقل لا يترك لنفسه، ملابس ولا خاصة من طعام، إلا كان يبادر توزيعا على القادم الجديد، وأذكر يوما همسه لي داخل المعتقل، والله ما ظل لدينا إلا كل واحد (تلفزيون) أي ملابس داخلية (لغة السجون) نحاول إدخال الملابس وفشلنا حتى الساعة، الله يستر ما نضطر نتبرع فيه في حال جاء قادم من التحقيق.

ليس مهما ما ذكرته، لكن أكثر القصص، تلك شراكته رجلا، بمبلغ مال، غاب عنه سنوات بسبب الاعتقال، حين مراجعته في المشروع، رد عليه الرجل، حصتك عليها دين، فإن أردت عودة الشراكة، عليك دفع مبالغ إضافية، فرد عليه سامحتك في ما دفعت وقدم المحبة على حساب الناس. اليوم يمضي الرجل الى محبس جديد، وبيته مهدد بالهدم من الاحتلال، يترك خلفه، زوجة وأسرة صابرة.

ما كتبته بعضًا من بحر الرجل، يبقيه سرًا بينه وبين ربه، وقبل الختام حين كان يضيق في السجن على الناس معاشهم، يتذكرون" أبو فارس"، بتندر لو جاء باجس لحضر معه فرج حاجات من في المعتقل.

اليوم سيظفر به الأسرى، وإن كان السجن محنة، لكن كان لا بد من تسليط الضوء على هذا النوع من الناس، نذكره ليظل الأمل بأن المعادن الغاليات راسخة وإن قل حديث الناس عنها أو معرفتها.