شبكة قدس الإخبارية

المرأة الثائرة ضد بلفور والاحتلال

هيئة التحرير

فلسطين المحتلة- قُدس الإخبارية: توثق المصادر الفلسطينية أن  أولى احتجاجات المرأة الفلسطينية جاءت بالنشاطات والممارسات غير العنيفة لمواجهة الاستعمار البريطاني، حيث شكلت مجموعة من النساء لجان إسعاف ولجانـًا لجمع التبرعات للوفود الفلسطينية التي كانت ترسلها الهيئات القومية آنذاك للدفاع عن الوطن، وشاركت بفعالية في مختلف النشاطات والفعاليات الوطنية والسياسية والإعلامية فشكلت الجمعيات النسائية الأهلية وخرجت بمظاهرات كبيرة في القدس وعدد من المدن الفلسطينية ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

وسبق ذلك دخول المرأة في الحياة السياسية عام 1893 بقيامها بأول مظاهرة احتجاج ضد إقامة أول مستوطنة إسرائيلية في قرية العفولة الفلسطينية.

ومع بداية العشرينيات قامت المرأة الفلسطينية بـإرسال العرائض الاحتجاجية إلى البرلمان البريطاني ضدّ السياسة البريطانية والصهيونية، وفي عام 1921 تأسس "الإتحاد النسائي العربي"، وهو أول اتحاد نسائي فلسطيني بمبادرة من زليخة الشهابي وإيميليا السكاكيني وشكلت عدة لجان لمناهضة الاستعمار البريطاني والحد من تمدد الإستيطان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية حيث طالبت الرأي العام بتأييد الشعب الفلسطيني، إذ أرسل الاتحاد برقية لوم إلى الحركة النسائية في مصر تقول: "أتتركونا وحدنا وفيكم لسان يتكلم وقلب ينبض؟ أتتهود الأرض المقدسة وفي مصر ملايين المسلمين؟".

وفي عام 1928 أسست "جمعية السيدات العربيات" والتي عرف من اعضائها زهية النشاشيبي وخديجة الحسيني وطرب عبد الهادي ونعمت العلمي رئيسة الجمعية وزكية البديري ووحيدة الخالدي لتنظيم المشاركة الفلسطينية العامة في حركات النضال وضمان نجاح كل أشكال المقاومة والاحتجاج.

وفي 26 من شهر تشرين الأول سنة 1929م، بادرت النساء الفلسطينيات لأول مرة في تاريخ فلسطين إلى عقد "مؤتمر النساء الفلسطينيات العربيات في القدس"، حضرته 300 سيدة فلسطينية من القدس ويافا وحيفا وعكا وصفد ونابلس ورام الله وجنين وغيرها، وكانت معظم المشتركات ينتمين إلى الأسر الفلسطينية البارزة وأبرزهن زوجات الزعماء السياسيين، وتم انتخاب عقيلة موسى كاظم الحسيني رئيسة لهذا المؤتمر، لبحث قضيتي الهجرة اليهودية وتملك اليهود للأراضي الفلسطينية، وتنظيم الحركة النسائية في فلسطين للعمل على إنقاذ الوطن ومساعدة العائلات المنكوبة، التخلّي عن واجباتهن الأخرى والتفرّغ لدعم الرجال في النضال الوطني الفلسطيني، وأرسلن برقيات الى ملك بريطانيا والأمم المتحدة يطالبن بوقف الهجرة اليهودية، كما شكل المؤتمر وفداً من 14 سيدة لمقابلة المندوب السامي البريطاني ومطالبته بالغاء وعد بلفور.

وشهد التاريخ عام 1917 وثيقة من أغرب الوثائق الدولية على مر العصور، حين بعث آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني الذي عمل بحماس لصالح الصهيونية، إلى اللورد روتشيلد، صيغة رسالة نص فيها "إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل أفضل مساعيها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جليا أنه لن يسمح بأي إجراء يلحق الضرر بالحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها المجتمعات غير اليهودية القائمة في فلسطين، ولا بالحقوق أو بالمركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

وعند زيارة الضابط ادموند اللنبي ألقت طرب عبد الهادي خطابا في كنيسة القيامة قالت فيه: "النساء العربيات يطالبن الضابط اللنبي أن يتذكر وينقل هذا الكلام لحكومته بأن امهات وبنات واخوات الضحايا العرب قد اجتمعن لجعل العالم يشهد على الخيانة التي قامت بها بريطانيا في حق الفلسطينيين".

ثم ظهرت المرأة بثورة البراق في القدس عام 1929، حيث كانت مسؤولة عن الخدمات الطبية المقدمة للجرحى الثوار والمقاومين، وتذكر التقارير التاريخية أن المرأة شاركت في النضالات الوطنية المختلفة وسقط عدد من النساء شهيدات من بينهن: فاطمة غزال، وجميلة محمد أحمد الأزعر ، وعائشة أبو حسن، وعزية سلامة، وتشاويق حسين، وحليمة يوسف الغندور، ومريم علي أبو محمود، كما حُكم على صبيحة الجلاد ولطيفة المغربي بالسجن لمدة 7 سنوات.

وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني، فإن 41 فلسطينية استشهدت في الأعوام 1936-1939، وفي عام 1948 استشهدت 160 فلسطينية.

وفي الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م إثر الإضراب العام الذي شمل جميع مدن وقرى فلسطين، عقدت 600 طالبة فلسطينية اجتماعـًا هامـًا في 4 مايو/ أيار، قررن فيه الاستمرار في الإضراب حتى تستجيب سلطات الانتداب البريطاني لمطالب الشعب الفلسطيني، وقررن اتخاذ الوسائل الضرورية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية والأجنبية، وأرسلت لجنة السيدات العربيات في القدس كتابـًا إلى مؤتمر السلم العالمي في بروكسل في 3 أيلول/ سبتمبر 1936م طالبن فيه بوقف الهجرة اليهودية وإقامة حكومة وطنية في فلسطين.

وبحسب مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فإن قرارات اجتماع السيدات العربيات بالقدس بالاحتجاج على سياسة بريطانيا في فلسطين والتهديد بالحث على العصيان المدني 1936، نص على منع الهجرة اليهودية منعاً باتاً وذلك بوضع دائرة المهاجرة والسفر تحت رقابة لجنة مشتركة من الحكومة الحاضرة ومن الشعب العربي ريثما يتم تشكيل حكومة وطنية، وتجريد اليهود من السلاح تجريداً تاما، وإطلاق سراح العرب الذين اعتقلوا من جراء الاضطرابات الأخيرة والإضراب، وتشكيل حكومة وطنية دستورية ذات مجلس نيابي منتخب من جميع طبقات الشعب العربي، والطلب من جميع الهيئات السياسية واللجنة العليا واللجان القومية أن تعلن ً جهارا أنها ترفض كل بحث أو مفاوضة مع الحكومة الحاضرة حتى تجاب مطلب الأمة، والطلب من السيدات ضم صوتهن إلى جميع أصوات اللجان السياسية والقومية بشأن عدم دفع الضرائب، وبعث رسائل إلى جميع ملوك العرب وأمرائهم لمساعدة أهالي فلسطين، وشكر البحارة على مثابرتهم على الإضراب على صفحات الجرائد، وإرسال برقية شديدة اللهجة بواسطة المندوب السامي إلى الملك إدوارد الثامن احتجاجاً على سياسة حكومته في فلسطين، وإرسال برقية بتأييد اللجنة العليا لكل مقرراتها وتكون في الطليعة ضد الاستعمار.

وفي مقال لجنان عبده تحت عنوان محطات في التاريخ النضالي للمرأة الفلسطينية كتبت فيه، شهدت منطقة مرج ابن عامر، أوائل المظاهرات النسائية الضخمة بمشاركة ما لا يقل عن 200 امرأة، كما تذكر مصادر تاريخية، وقد كانت سبقت هذه النهضة والمشاركة النسائية السياسية، نهضة أدبية ثقافية، وشاركت النساء الفلسطينيات والعربيات كذلك بشكل نشط وفعال في تثبيت الحركة الثقافية الأدبية العربية ككل. سواء من خلال الصالونات الأدبية كما فعلت الأديبة مي زيادة (1886-1941)، أو من خلال الكتابة والنشر.

وكان للمرأة الفلسطينية دور أساسي في المشاركة في إقامة الجمعيات إضافة للدور الإعلامي بداية في مناقشة قضايا الساعة الإجتماعية ولاحقاً القضايا السياسية، وأخذت الإعلاميات والناشطات السياسيات الفلسطينيات دوراً رئيسياً في مناهضة الاستعمار البريطاني والتصدي للإستيطان الصهيوني في أرض فلسطين، وكتبت بهذا الموضوع كل من: ساذج نصار، ووديعة قدورة خرطبيل، وعنبرة سلام الخالدي، وأسماء طوبي، ومثيل مغنم، واديل عازر في الصحف المحلية والعربية. وأصدرت مثيل مغنم كتابها عن المرأة الفلسطينية في العام 1937 باللغة الانجليزية، وصرحت هناك "أن لا حديث عن حقوق نساء ما دمنا تحت الاحتلال"، وأكدت ناشطة الحركة السيدة وديعة قدورة خرطبيل في كلمتها في مؤتمر الشرق على اللحمة والوحدة ما بين الأرض والقضية فقالت يومها: "الأرض قضيتنا ولا قضية لنا إلا الأرض".

وتحدت المرأة الفلسطينية مصادرة الأراضي والتهجير بشكل فردي وجماعي، وكتبت أسماء طوبي كتابها "عبير ومجد" (1966) من "أجل موطن غال" ومن "أجل أن يعرف الناس الكثيرعن المرأة وكي لا تظل المرأة مغمورة كما كانت البلاد..فأصابها ما أصابها نتيجة جهل الناس بواقعها، وقامت حركة النهضة النسائية عام 1948 بمحاولات عدة لمنع التهجير ومحاولة تثبيت العائلات الفلسطينية في بيوتها، أو إعادة اللاجئين لبيوتهم بعد مدهم بالمساعدات.

وما زال حتى يومنا هذا يقيم الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ندوات جماهيرية بمناسبة هذا الوعد المشؤوم يتطرق فيه إلى معاني هذا الوعد وما ارتكبته بريطانيا بحق الشعب الفلسطيني وما تبعها من تهجير وتشريد.

وبحسب تقارير لمراكز توثيقية، فقد قدمت المرأة الفلسطينية حتى اليوم 440 شهيدة فيما اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 13 ألف امرأة منذ العام 1967م وحتى سبتمبر/أيلول 2009م، بينهن 860 امرأة خلال انتفاضة الأقصى.

المصدر: وفا- علا موقدي