شبكة قدس الإخبارية

في ذكرى شهيد الغار

سياف زراع

لا مقدمات تليق بقصص الشهداء وتضحياتهم، ولا نصوص بكل لغات العالم قد تسعف العاشقين، فأن تكون صاحب عقيدة نبتت من رحم المعاناة، وأن تحمل هم القضية التي روتها ينابيع الحق، هنا قصص لشهداء حسبهم أن الله يعلمهم، نلتمس منهم ريح النصر، مع كل صعود لهم نتورط أكثر في حبهم، هم كالسنابل يملؤوننا بالعز.

الشهيد محمد عاصي ولد في 1985/11/16 في قرية بيت لقيا غرب رام الله، نشأ في عائلة مجاهدة تربى فيها على حب الله والوطن، فكان منذ نعومة أظافره يقارع الاحتلال بالحجر تارة، ويخط شعار التحرر بالعمل الجماهيري تارة أخرى، فكان اعتقاله الأول في عام 2005، توالت بعدها الاعتقالات فكان آخرها عام 2012، وهنا عزم شهيدنا بأنها الأخيرة كما كان يقول، لم يستكن ولم يجنح إلى السلم، فمن تربى على الحرية لن يرتضي أن يعيش عبدًا.

في الثاني عشر من تشرين ثان 2012، كان اليوم الحاسم لمسار الشهيد محمد عاصي، فكان القرار بنهج القادة بأن الرد حيث يؤلمهم، في عقر دارهم، حيث لم يتوقع عدونا، أن يشاهد خبر انفجار حافلة في تل أبيب، يسأل أمه رأيها بهذا الثأر لغزة ولكرامة الفلسطيني، وهي لا تعلم بأن فلذة كبدها مهندس هذا الثأر، تلك الأيام المعتمة بالحالة الفلسطينية فغزة تحت القصف، والضفة تتجهز للرد.

ساعات وخرج محمد من البيت مودعاً أمه، معاهداً ربه على الشهادة، وعده بأن لا أعود للسجن، وسرعان ما اكتشف العدو بأن محمد ورفاقه وراء العملية، فاعتقلهم وأعلن محمد مطلوبًا لأجهزته الأمنية.

[gallery type="slideshow" ids="129998,129999,130000,130001,130002,130003,130004,130005"]

عام إلا شهر عاشها الشهيد محمد عاصي، طائع لله برحلة المطاردة، تنقل بين الجبال التي عرفت المطاردين، يتسلح بالإيمان وبندقية وبعض رصاصة، يقتات من العز والكرامة وما أنبتت الأرض، يسهر مع قصص الشهداء ومصحفه، حتى كانت محطته الأخيرة في جبال كفر نعمة، نفس المنطقة التي كان الشهيد القائد رياض فخري مطارداً فيها، كالنيص يعيش ويقاتل كالبرغوث.

كل ليلة كان محمد يقوم الليل رباطًا ودعاءً، كل من عرف محمد كان يعلم مدى صلابته وطهره وعمق إيمانه، هو العنيد على الحق، الأمين على أموال الأسرى وعلى أماناتهم، بسيط في معاملته مع إخوانه، حسن الخُلق والسيرة.

كانت ليلة الثاني عشر من تشرين أول لعام 2013، ليلة النزال الأخير بنواصي العز والصعود للجنة، كان لمحمد مجد الفجر نحو الخلود، كما خفافيش الليل تغزو قوات الاحتلال نقطة الصفر، حاصروا العرين ولم يلين الأسد؛ زأر برصاصه ليدير الاشتباك، اشتباك متوقع منشود، لم يتمكن العدو من الوصول لمحمد فقصف المغارة بصاروخين وأمطرها برصاصه.

نال محمد من الله ما تمناه مقبلا غير مدبر، شهادة لله، ولتزفه في اليوم الثاني للحور العين، تودعه أمه وأبيه، وتودعه ضفة العياش، وتنعاه غزة الشموخ، أعلن الاحتلال بأنه الآن يتنفس الصعداء بعد اغتيال المطلوب الأول بالضفة، ويا لحماقته لم يدرك بعد بأن الضفة ما زالت ولاَّدة، كان وما زال الغار معتزلا للمطاردين، تعرف الثوار والمجاهدين، فالنهج ذاته والدرب نصر أو شهادة.

مضى محمد صوت الثأر تزفه الملائكة على درب الشهداء، تاركا خلفه قافلة لا تزال تزخر بقصص أخرى من البطولة والفداء في زمن التخاذل، ممن حملوا على أكفهم إجابة فصيحة صارخة على سؤال فصيح طرحه الشهيد المثقف، والذي أصبح اليوم أرجوزة محفورة بين أزقة المخيمات وساحات الشهادة، "هل هنالك أفصح وأبلغ من فعل الشهيد؟".