شبكة قدس الإخبارية

أوسلو.. حكايةُ حب من طرف واحد

أحمد البيتاوي

في مثل هذا اليوم عام 1993 وقعت منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال على اتفاقية إعلان المبادئ المعروفة "باوسلو"، وذلك في ساحة البيت الأبيض في واشنطن بحضور الرئيس الأمريكي بل كلينتون.

في ذلك الوقت تناقلت وكالات الأنباء العالمية الحدث التاريخي، ووثّقت المصافحة الشهيرة بين الرئيس الفلسطيني ورئيس وزراء دولة الاحتلال، هذه المصافحة اختصرت الكثير من المعاني وأجملت المشهد حين ظلت يد ياسر عرفات معلقة بالهواء بضع ثوانٍ قبل أن يلتقطها رابين على مضض وتريث وقليل من الحماس.

كان حباً من طرف واحد، كعشق مراهق لممثلة عالمية، هذه الاتفاقية التي وصفها شيمعون بيرس بأنها أعظم انجاز لدولة الاحتلال منذ نشأتها، كانت بداية مرحلة جديدة أدخلت القضية الفلسطينية في نفق مظلم طويل يبدو بلا نهاية.

أوسلو لم يكن حدثاً عابراً سريعاً وقع يوم الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر، وإنما كان آخر محطة في قطار التسوية الذي انطلق في نهاية سبعينات القرن الماضي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والاحتلال، أوسلو كان مثالاً كارثياً على التفرد بالقرار الفلسطيني وحصره في يد بعض القيادات، فثلاثة فقط هم الذين وضعوا أسس هذا الاتفاق وأشرفوا على صياغة بنوده وقدموا تنازلات تاريخية قاجئت عدوهم الذي اقتنص الفرصة واستغلها، أوسلو كان ابناً غير شرعي لمفاوضات سرية أُديرت في واشنطن، هذه المفاوضات كانت موازية لأخرى علنية لم تكن سوا ضحك على الذقون وذر للرماد في العيون.

كارثة أوسلو

يمكن أن نطلق على هذه الاتفاقية "كارثة 93" فهي لا تقل بشاعة وخطورة عن نكبة 48 ونكسة 67، القاسم المشترك بين هذه المحطات ليس حرف الكاف فقط، بل هي أحداث جسام غيرت خريطة فلسطين، فالحدثان الأولان حدثا عنوة وبقوة السلاح، أما الحدث الأخير فتم بموافقة ومباركة بعض القيادات الفلسطينية، ومن هنا وقعت الكارثة التي لا زلنا نتجرع مرارتها حتى اليوم.

أوسلو لم يكن اتفاقية سلام وإنما وصفة للانقسام، قسّم الفلسطينيين إلى فسطاطين: جهاد ومقاومة ومداد ومساومة، واحد تبنى خيار ونهج وفلسفة المقاومة، وثاني يرى في المفاوضات والسلام مع الاحتلال خياراً واحداً مفضلاً، ومن هنا فالانقسام لم يكن في منتصف 2007 كما يروج البعض ويعتقد، وإنما كان يوم قبل المفاوض الفلسطيني بأوسلو وإفرازاته الأمنية، الانقسام زُرعت بذوره عام 1993 وحصدت ثماره بعد 14 عاما.

الروائي الاسرائيلي الشهير عاموس أوز اعتبر يوم التوقيع على اتفاقية أوسلو بأنه ثاني أكبر نصر في تاريخ الحركة الصهوينية بعد ولادة إسرائيل عام 48، أما الآوروبيون فقالوا إن الفلسطينيين اخترعوا شيئاً جديداً في الدبلوماسية، فهم يتفقون ويوقعون على المبادئ أولاً وبعدها يتفاوضون، والواجب أن يكون العكس وأن تكون المفاوضات على كل القضايا والمحاور من البداية للنهاية ومن الآخر، أي قبل إعلان مبادئ اتفاقيات الدوامة التي لا تنتهي.

المشكلة الاساسية في أوسلو أن المفاوض الفلسطيني وفي سابقة هي الأولى في العصر الحديث وافق على انشاء سلطة حكم ذاتي في ظل وجود الاحتلال الذي بقي مسيطراً على الأرض، متحكماً في رقاب المواطنين ومفاصل حياتهم وهنا كمنت الخطورة، وما بعد ذلك مجرد تفاصيل تفرعت من أصل باطل.

واليوم وبعد 24 عاماً على توقيع هذه الاتفاقية، تبدو الصورة قاتمة سوداء، فالفلسطينيون لم يحصلوا على دولتهم الموعودة، وإسرائيل استفادت من تأجيل نقاش القضايا الهامة للمرحلة الثالية، فتوسع استيطانها أربعة أضعاف كورم سرطاني لا يجدي معه جرعات كيماوية، والاتفاق فرغ من مضمونه السياسي وحصر في شقه الأمني والاقتصادي، وظل يراوح في مكانه في إطار مرحلة انتقالية كانت الأولى والأخيرة.

هكذا "إسرائيل" تدّعي أنها تريد السلام ويداها تقطران دماً كالتنين يريد أن يصبح رجل إطفاء، والغبي من يصدق دعواتها الكاذبة، فلعق ذرة من الملح كافية لأن تعطينا تصوراً عن مذاقه.