شبكة قدس الإخبارية

فيديو| الأهازيج الفلسطينية توثّق المقاومة بشهدائها وأسراها

هدى عامر

فلسطين المحتلة- خاص قُدس الإخبارية: على مرّ السنين كانت الأغنيات الفلسطينية، بما فيها الدحية والزجل والسامر والعراضة فنًا أصيلًا تؤديه العشائر البدوية وأهالي القرى. وانطلق ممتدًا إلى مناطق مختلفة من فلسطين المحتلة وأنحاء أخرى، لكنّ ما يبدو ملاحظًا في الفترة الأخيرة ما يحتويه هذا الفن من قيم وأصالة ورسائل وطنية قويّة داعمة للمقاومة ونهجها.

وانتشرت أغنيات فلسطينية جديدة ما بعد الانتفاضة الثالثة تشرين أول 2015 "انتفاضة القدس"، فيها معانٍ وطنية داعمة للمقاومة ومتغنية بالفدائيين والشهداء الذين ارتقوا برصاص الاحتلال فداءً للوطن وأقصاه وأسراه، وكذلك عددًا من الفنون الأخرى التي لاقت رواجًا واسعًا وانتشارًا على ألسنة الكبار قبل الأطفال في الحارات والمدن والسيارات، محتلة مكانة لها بالمجتمع.

الحفلات والأعراس الفلسطينية ومواسم الفرح لا تخلو كذلك من ترانيم الأهازيج الوطنية، التي يصدح بها مئات المشاركين مرددين الكلمات بحماسة وفخر، وكأنهم يترنمون بنشيدهم الوطني ويجددون العهد والبيعة للشهداء والعمليات الفدائية التي نالت من الاحتلال ببطولة، مع الوقوف على ذكر المنفذين شهداءً وأسرى.

الشهداء والأسرى حاضرون

فبرغم أسره، كان الأسير عمر العبد من قرية كوبر، منفذ عملية "حلميش" البطولية التي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين، حاضرًا في إحدى الحفلات لعريسٍ من عين يبرود، حيث ردّد الموجودون خلالها قولًا واحدًا "وسمعت صوت الرشاش في كوبر العربية، عُمر قطع الأحراش ونفذ العملية" "وقالوا رجّم على الجيش والله حرق حلميش، ويا مستوطن بدنا نعيش وبلادي والله حرّة"، "وهي طلع فوق الجبال، وعجنابه حامل سكين، ولما أعلن الاشتباك، قتلهم للصهايين".

أما الأسير كرم المصري أحد منفذي عملية "ايتمار" قبيل انتفاضة القدس الأخيرة، فقد كان موجودًا في إحدى حفلات الضفة المحتلة التي غنّى فيها الفنان الفلسطيني حسنين المصري وقال فيها "إلك احنا بنغني وبنكتب والله أشعار، لعيونك كرم المصري بطل عملية ايتمار".

الشهداء كانوا شرارة الكلمة ولهيبها، ولطالما تغنّى الشعراء بهم وامتلأت بهم أهازيج وترانيم مليئة بالفخر والوطنية والسير على ذات الطريق، وانتشرت للغناء في الحفلات الخاصة والعامة، كما انتشرت تتردد كفنٍ خاص بفلسطين وأهلها وشهدائها.

ومما كان يتردد عن الشهداء الأوائل "حالف لأعيدك يا أرض بلادي، حالف لأعيدك، عَ نجم سهيل لأنصب رشاشي، على نجم سهيل وصدام حسين يا ربي ترحم صدام حسين، في كرم التين لانصب رشاشي في كرم التين، وأحمد ياسين يا ربي ترحم أحمد ياسين، عَ جيال النار لأنصب رشاشي، عَ جبال النار وأبو عمار يا ربي ترحم أبو عمار، وهزت كيان "اسرائيل" دلال المغربية راح المزح وأجى الجد، ليلى نزلت على اللد، وأقسمت والله يمين لأنفذ عملية، وع سواحل تل أبيب نفذت عملية".

كما وثّقت الأهازيج عددًا من العمليات الفدائية المميزة التي بقيت تاريخًا يتردد عبر الأجيال يدل على الفدائية والعروبة والفداء للوطن، ومنه التغني بعملية الخالصة التي نفذت في 1974، وهي من العمليات الفدائية الأولى التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة داخل فلسطين المحتلة.

ففي 11/4/1974 اقتحمت مجموعة من مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مستعمرة "كريات شمونة" شمالي فلسطين والتي تقع بالقرب من قرية الخالصة الفلسطينية في سهل الحولة التابعة لقضاء صفد، وسيطرت على مدرسة وبناية تتكون من 15 شقة واحتجزت عدداً من الرهان الإسرائيليين بعد معركة مع قوة خاصة للاحتلال.

أسفرت العملية عن استشهاد الفدائيين الثلاثة ومقتل "19" إسرائيلياً وجرح "15" آخرين إضافة إلى الخسائر المادية، وكان أسماء الأبطال، ياسين موسى فزاع الموزاني الموسوي (أبو هادي) جنوب العراق، مواليد عام 1947 (قائد العملية الفدائية)، منير المغربي (أبو خالد)، فلسطيني من مواليد عام.1954 أحمد الشيـخ محمود، من حلب، مواليد عام.1954

القدس والأقصى أصالة وطنية

لم يقتصر أحد أنواع الفنون الشعبية والزجل على الغناء في الحفلات، كما توسعت كذلك مواضيع الغناء وتناولاتها، فالانتقال من توثيق الأسرى وبطولاتهم إلى الشهداء ثم إلى التغني بالقدس والفداء للأقصى، بدا واضحًا في "الحداية" التي يرددها أهالي شمال الضفة خلال الأفراح والحفلات.

وتحت ضغط الشبان الموجودين، والأهالي، يبدأ الفنانون والزجالون بالسير مع الوصلة الجديدة التي يحددها المصفقون وبدلًا من "هذه الليلة عنا عيد" استبدلها الشبان بوصلة "باب الأقصى من حديد"، لتبدأ الأهازيج الوطنية بشكلٍ مختلف.

قولًا واحدًا كانوا يرددون "بدنا هدنة من الشباب بعدين منرجع ع البواب غنيلي كل الأصحاب، وطول عمري أولاني وإن بدك من بعدك ثاني ليش بتتكبر كثير والنتيجة بالأخير بتصدر من الجماهير ناوي تعلن النفير وتغني شعر التصوير وترضي كل الجماهير من كبير ومن صغير اسمع شو قالو الأجاويد باب الأقصى من حديد"

جاء الرد كذلك متعاقبًا "ولكن عتب ع الحكام، حكام العروبة ظلام، مش معدودة من اللزلام"، "بعدك بتقول العروبة هاي العروبة مقلوبة وهاظ الأقصى بدو زلام مثل ما بقى صدام مش مثل اللي عنا حكام وبدور ع صلاح الدين ومنين تجيب الفاتحين".

وصلة جديدة تبدأ ما إن تنتهي أخرى "وَيَا قدس الله أكبر يا قدس واليوم بحكمها يا أحبابي النجس والشعب بعلن بالميادين الصمود واليوم بحفظها مثل قول النجم واللي بها بصير بسد النفس بتموت واحنا دايرين ع اللبس وين الي فينا ثائر وقلبه حمس".

أحد التحليلات الفنيّة يقول إن أصل الدحية والسحجة والسامر وما شابه هذا، يعود لقبل الإسلام واستخدم لأول مرة في صد هجوم أبرهة الأشرم أحد القادة العسكرين من مملكة أكسوم الذي حاول هدم الكعبة بالفيلة حيث استخدم هذا النوع من الاصوات في إخافة الفيلة.

وكان الشهيد باسل الأعرج قد روى تحليلًا مفاده " لما كانت معركة القادسية وأقبل الفرس بفيلتهم وأرعبت خيل المسلمين وكادت موازين الحرب يومها تميل لصف الفرس، ولدت فكرة رهيبة لدى بعض شجعان جيش سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقاموا بإصدار أصوات لإرعاب الفيلة وإخافتها وتوتيرها ليسهل على الفرسان الاقتراب منها وقطع أحبال سرجها العالي ليسقط رماة الفرس من على ظهرها، وهذه الأصوات هي ذاتها التي تعرف اليوم بالدحية (هي هي هي هي).