شبكة قدس الإخبارية

التوجيهي ... إخفاق لا إنجاز

قتيبة قاسم

يبدو أن فكرة "الإنجاز" لا تزال تراوح مكانها حلماً يراه البعض في منامه أو أمنيةً لا يزال التغني بها قائماً غير أن الواقع الذي لا تخفى ملامحه على أحد يثبت صحة القول بأن الإنجاز لم يخرج من قوقعة الأمل والتمنّي أو أن الطريق للوصول إليه لا زالت في أولها.

ورغم أننا لسنا بوارد الحكم القطعي النهائي على هذه التجربة التي أرادت التغيير والنهوض بالواقع التعليمي في الوطن الذي يعتريه بعض الفوضى والإهمال إلا أنه لا بد من تقييم مبدئي يضع بعض النقاط على الحروف التي ما زالت ترخي بظلالها مجهولة مشدوهة نحو أخطاء لا زالت تتكرر كل عام ولعلها كانت أكبر مما سبق في عام الإنجاز الأول ، وعلى أمل أن تأخذ الدراسات وقتاً أطول وأبعاداً أخرى.

ولعله من الجيد التذكير بأن من يجتهد فيخطئ فله أجر، غير أنه من الجيد أيضاً النظر إلى "التوجيهي" من زوايا أكثر، ودراسة الموضوع بشكل أكثر تعمقاً كي لا تصل إلينا في نهاية المطاف قناعة منطق الاستسلام كخيار أفضل أمام العادات – والتوجيهي إحداها - التي باتت تحييها الشعوب أعياداً ومراسم لا تقبل القسمة ولا تقبل العبث بها أبداً تحت أي ظرف.

ومع الإنجاز في عامه الأول فقد شهد العديد من المغالطات والأخطاء والتي تحتاج في مجملها إلى التوضيح حتى لا يظن أحد بأن هذا هو الشكل الحقيقي للإنجاز إلا إذا كان فعلاً كذلك ، الأمر الذي لا نعرفه حقيقيةً.

صباح اليوم (اليوم التالي لإعلان النتائج ) توجه الطلبة لاستلام شهاداتهم التي لم يستلموها بالأمس، وهنا كان بالإمكان إبلاغ الطلبة بذلك قبل إعلان النتائج بتأخير تسليم الكشوفات والشهادات الأمر الذي لم يكن وارداً على الإطلاق من قبل، حيث توجه العشرات وتوجهنا برفقتهم مرات ومرات إلى المدارس لاستلام الشهادات غير أنها لم تكن قد وصلت المدرسة، حتى تأخر الوقت  فقرر الطلبة انتظار بيان رسمي من الوزارة، دون جدوى، فتوجه الطلبة اليوم ليتلقى بعضهم المفاجأة التي حوّلت حياته خلال الساعات الماضية جحيماً، إحدى الطالبات (كمثال من عدد من الحالات) والتي جاءتها النتيجة يوم أمس بإكمالها في إحدى المواد والتي كانت قد سبّبت لها أزمة نفسية وحالة من التعب والإعياء وصلت حدّ فقد الوعي والإغماء لمرات لتتفاجأ اليوم وعند استلامها الكشوف المدرسية بأنها من الناجحات وبمعدل جيد!!.

والأمر لم يتوقف عند حالة هنا أو هناك بل تبين أن العديد من الحالات شهدت أخطاءً في عملية جمع واحتساب النتائج والتي بدورها أدخلت الطلبة وذويهم في حالة من الإرباك والخوف والقلق حيث تبين أن الخلل طال طريقة احتساب المواد الأساسية.

ومن جانب آخر فإن هيمنة شركات الاتصال كانت واضحة هي الأخرى في معالم الإنجاز الجديد فما معنى أن يكون المؤتمر الرسمي لإعلان النتائج لا تكاد ترى في جداريته والخلفية إلا شعار شركة جوال في الوقت الذي لا يُستساغ فيه أن تكون هذه الهيمنة في مثل هذه المواقف التي يجب أن تكون رسمية بمال رسمي بحت بعيداً عن المنفعة أو الاحتكار لجهة تمثلها وزارة رسمية لا تعطي الصلاحية لأيٍ كان أن يمرر دعايته المغمّسة بالأموال التي تجنيها شركات الاتصال بغير وجه حق من جيوب المواطنين.

ولم يقتصر الأمر أيضاً عند هذا الحد، بل تنفرد الشركات بإيصال النتائج عبر الرسائل التي دفع ثمنها الطلبة (وأيّاً كان الثمن ولو بسيطاً) إلا أنه كان يغني عن كل ذلك تسليم الشهادات للطلبة بالتوازي مع إعلان النتائج في المؤتمر مما يغني الطالب أن يظل تحت رحمة تلك الشركات أو أن يكون تحت رحمة الأخطاء التي سبّبتها تلك الطريقة التجارية في إيصال النتائج وظهرت جليّاً في الأخطاء الجسيمة التي وصلت للطلبة عبر الرسائل بالنتائج غير الدقيقة أو التأخير الحاصل في وقت الحصول على النتيجة.

واليوم وعند استلام الطلبة لكشوفهم كانت النتائج مغايرة في عشرات الحالات التي تم رصدها لتلك التي وصلت عبر رسائل شركات الاتصال فأين الخلل؟؟

ثم تخفق الوزارة مرةً أخرى في أن يكون لها موقعاً على شبكة الانترنت قوياً يحتمل ضغط الزوار، فيسقط الموقع في اللحظات الأولى ويسقط في اختبار اليوم الواحد الذي أعدّ له، ولقد كان بالإمكان تجنب حصول ذلك التقصير والفشل في أشدّ اللحظات التي ينتظرها الطلبة بشكل تقني أو على الأقل إنشاء العديد من المواقع بعدد من السيرفرات تحفظ للطالب إمكانية الوصول السريع دون خلل، فلا يعقل أن يسقط الموقع وفي نفس الوقت لا يجد الطالب شهادته ونتيجته في المدرسة، فهل كان الخيار الوحيد والمعروف – لربما – من قبل أن يتوجه الطلبة إلى شركات الاتصال !! ثم كان بالإمكان تفادياً لكل ذلك إرسال النتائج على البريد الإلكتروني للطلبة الذي تم تسجيله لذات الهدف.

وفي زاوية أخرى فقد ظهرت وبشكل لا مجال للشك فيه بوادر تسريب للنتائج وإن كان على وقع محدود، غير أنه أمر لا شك وقع، ولقد أثبتت كثير من الوقائع وقوع التسريب قبل ساعات طويلة من موعد إعلان النتائج الرسمي، وصلت إلى حدود 10 ساعات كان فيها بعض الطلبة قد وصلتهم نتائجهم خلسة بعلاماتهم وآخرون قد اكتفى "المسربون" بتحديد النتيجة لهم دون أرقام، وأياً كانت الجهة التي عملت على تسريب النتائج إلا أنه من واجب الوزارة مراجعة ذلك والوصول إلى الجهة التي سرّبت وأثارت الفوضى ليلة إعلان النتائج.

إن الإنجاز بعد هذين اليومين وقد كشفتا بعض سوءاته أو إخفاقاته بحاجة إلى دراسة جادة ووقفة مسؤولة لا يُدار لها الظهر بل ويؤخذ بيد المجتهدين لتحقيق الأفضل لمصلحة الطلبة وذويهم والتعاون المتكامل مع المجتمع بكل مكوناته إن أراد إنهاء ظاهرة التوجيهي "البعبع" وإخراجها من بوتقة التقاليد المقدّسة الأمر الذي لم يطرأ عليه أي تغيير أو العودة إلى ما سبق من الأنظمة التي جرت العادة عليها عقوداً من الزمن إن لم يكن حمّالنا بقدر الحمل.