شبكة قدس الإخبارية

الفلسطيني الجديد يسكن روابي ويركب القطار

براء عياش

مدينة روابي هي أول مدينة فلسطينية يتم تصميمها من الصفر، تبعد 10 كلم عن مدينة رام الله، المدينة مُصممة لاستقبال الطبقة العليا والمتوسطة من المجتمع الفلسطيني، قادرة على توفير السكن لـ40 ألف شخص، المشروع من وجهة نظر السلطة الاقتصادية فهو مثال على أن المجتمع الفلسطيني يسير نحو بناء دولته ومشاريعه الاقتصادية غير مبالٍ بالاحتلال وتنغيصاته، والدليل على قدرة الشعب فعل ذلك - التصرف كأن الاحتلال غير موجود وبناء دولة "مستقلة" - في مقابلة مع مدير شركة بيتي للاستمثار قال فيها: "في حال قيام الجيش بمنع شق الطريق من رام الله إلى روابي فإنّ المشروع سيتم الغائه بالكامل!".

الطريق "الثالث" هو ما تبنّاه رئيس الحكومة السابق سلام فيّاض، هذا الطريق هو نتاج لوجهة نظر فياض بأن الطريق الأول وهو طريق المقاومة قد أثبت فشله، بالإضافة إلى الطريق الثاني الذي أثبت فشله أيضاً وهو طريق المفاوضات، والطريق الثالث يقوم على التنمية الاقتصادية وبناء المؤسسات القادرة على إدارة الدولة القادمة، هذه الدولة التي ستعطيها "إسرائيل" لنا، لأنها - سبحان الله - لن تستطيع نكران حقنا فيها في حال رؤيتها لمؤسسات الدولة الجاهزة للإدارة.

وفي ظل هذه الرؤيا تم فتح السوق الفلسطيني كسوق مفتوح و"آمن" للاستثمارات الاستهلاكية التي تهدف إلى الربح السريع ومراكمة الثروات، وفي ظل هذه الحالة من "التنمية"، برزت المؤسسات التي تهدف إلى زيادة ثقافة القروض السهلة، وبما أن المدينة تستهدف ذوي الدخل المتوسط، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن للأسرة الحصول على المنزل هي بالانخراط في "الارتهان العقاري"، يمكن للأسرة الحصول على القروض من قبل المؤسسات غير الحكومية المدعومة من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية.

إن زيادة مديونة الأسرة بشكل عام تعمل على المساعدة في خلق "الفلسطيني الجديد"، فالفلسطيني المديون للمؤسسات غير الحكومية وللبنوك لن يكون قادراً على التفكير خارج حدود تأمين الدفعة الشهرية المترتّبة على شرائه للشقّة، أي أن هذا الفلسطيني سيكون دعامة الرفض لأي عمل مقاوم تحرري قد ينشأ في المستقبل.

إن هذه الدعاية الكاذبة حول "التنمية" وصلت إلى إنشاء مدن صناعية مشتركة مثل منطقة وادي نهر الأردن، ومدينة ترقوميا بالقرب من الخليل، إن الدعاية التي تسوقها السلطة الفلسطينية هي توفيرها لفرص عمل قد تفوق العشرة آلاف فرصة، لكن في حقيقة الأمر، إن الشركات المستثمرة تنظر إلى العامل الفلسطيني كفرصة لاستغلال أيدي عاملة رخيصة.

إن إنشاء المدن الصناعية يتطلب تنسيقا فعّالا وتعاونا بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، وتوزيعا لأدوار توفير الأمن لهذه المدن، وهذا ما يكرّس من دور السلطة كجهاز أمني تابع للاحتلال، فالفلسطيني الذي يعمل داخل هذه المدن لن يتمتع بأي حقوق، ففي هذه المدن لن يتم تطبيق قوانين العمل الفلسطينية ولا الإسرائيلية، وبما أن الجيش الإسرائيلي هو الذي يسمح بمرور العمّال، فإن العامل عليه الخضوع لتدقيق أمني شديد من أجل الحصول على الترخيص للعمل، فهذا يجعل الأيدي العاملة رهن الامتثال للأوامر العسكرية، أي أن الأمان المادي للعامل الفلسطيني مرتبط بمدى إذعانه للاحتلال، هذا يعني أن 20% من الأيدي العاملة الفلسطينية ستكون مسلوبة الإرادة والفعل.

في خطّة كيري الأخيرة تمت الموافقة على مشروع «THE ARC» الذي قدمته منظمة «RAND» الأميركية الشهيرة، هذا المشروع يعمل على ربط المدن الفلسطينية عن طريق قطار يصل بين مدن قطاع غزة والخليل وصولاً إلى جنين (90 دقيقة بين محطته الأولى والأخيرة).

يأمل هذا المشروع بإعادة تشكيل الحيّز المكاني الفلسطيني ليناسب الاستيطان الصهيوني، المشروع يشكّل حلاً عملياً لوجود دولة فلسطينية بدون التخلص من المستوطنات في الضفة الغربية، فهو ينقل وسائل النقل الفلسطينية بعيداً عن المجال البصري الخاص بالمستوطنين وينمّي الإحساس الكاذب بالدولة الفلسطينية واستقلاليتها.

ومن الجدير بالذكر أن مدينة روابي تقع ضمن نطاق هذا المشروع!، وهذه السلطة الفلسطينية تعتبر وظيفتها حماية الأمن ومنع أي عمل ضد الاحتلال فرضاً لسيادتها وتعريفاً له، بينما ما يفعله المستوطنين من عربدات لا يعتبر مساساً بهيبتها، لذلك لا تملك السلطة أي مشكلة في مشروع يهدف إلى تشويه وعي الفلسطيني وفصله عن ماضيه البصري المرتبط بالأرض وشبكة الطرق، ولا مشكلة لديها في إعادة توزيع وبناء التجمعات السكنية بما يناسب مشاريع الاحتلال الاستيطانية.

حسين البرغوثي في كتابه "الفراغ الذي رأى التفاصيل" يتحدّث حول المكان من نظرة أخرى، فالمكان بالنسبة لحسين ليس مجرد معنى جغرافيا، فالمكان يتكوّن من الحيّز المكاني بالإضافة إلى العامل التاريخي الذي يجعل المكان ما هو عليه حقّاً، ولهذا نرى أسماء المستوطنات الأولى للاحتلال تحمل معانٍ تاريخية، في محاولة لجعل هذا المكان يحمل تاريخاً قديماً ومنه يمتلك شرعية الوجود، بينما يحاول الاحتلال أن يفصلنا عن تاريخنا من خلال اجتثاثنا من الحيّز المكاني، ليجع طريق مرورنا تمر من سلسلة جبال لا يجمعنا معها أي تاريخ.

قالت المهندسة المعمارية للمشروع شيرين ناصر واصفةً المشروع بأنه سيحيي في الذاكرة مدينتي القدس ونابلس، بأزقتها الضيقة المصنوعة من الحجر والقرميد وهي مخصصة للمشاة فقط، وكيف أن المدينة مقسمة لعدة أحياء، حيث كل حي يحتوي على حديقته الخاصة، حيث يمكن للسكان أن يلتقوا ويقيموا علاقاتٍ اجتماعية استحضاراً لمفهوم "الحارة" التقليدي، لكن في هذا الوصف لا تجد أي حديث حول خطة طوارئ في حال التعرض للاجتياحات والفصل، فالمدينة بُنيت على أساس الدولة المستقلة!، لذلك يمكننا جميعاً أن نستريح ونمثّل بأننا لا نعيش تحت احتلال، ولنبدأ العمل على هذا الأساس لنكتشف أننا نرتبط بالاحتلال أكثر فأكثر، بينما نفقد وسائل المقاومة بشكل متصاعد وطردي.