شبكة قدس الإخبارية

بوابات سليمان

أحمد الدبش
تذهب د.كاثلين كينون بعيداً، في دفاعها عن سليمان، ونشاطاته المعمارية، متأثرة بالتوراة؛ قائلة: "توجد مجموعة من المدن، تتصل بعهد سليمان، ويمكن تسميتها مدنه الملكية: (حاصور / Hazor)، و(مجدو / Magiddo)، و(جازر / Gazer)؛ وهذه المدن مرتبطة بعمله في أورشليم؛ فقد ذكر في سفرِ الملوك الأول (9: 15): وهذا هو سبب التسخير، الذي جعلهوسليمان لبناء بيت الرَّب، وبيتِه، والقلعة، وسور أورشليم، وحاصور، ومجدو، وجازر". إن قيام الآثاريّين، بنسْب طبقة محددة، من طبقات (تل المُتسلِّم)، إلى القرن العاشر، وبالتالي إلى فترة سليمان، هو أمر قديم قدم الآثار الفلسطينية نفسها. فـ(تلّ المُتسلِّم)، الذي لم يكن مأهولا، حدده الآثاريّون على أنه (مجدو)، منذ بدايات البحث الآثاري في فلسطين، وفقد اسمه الأصلي بعد عام 1948، ليُصبِح (مجدو). ففي العشرينيّات؛ عندما كانت الآثار الفلسطينية تتخبط، في البحثِ عن أُسس صحيحة للبحث الآثاري، قام المسؤولون عن بِعثة التنقيب، من جامعة شيكاغو، بربط آثار الطبقة الرابعة من الموقِع، بمشاريع البناء الضخمة، المنسوبة إلى سليمان، في العهد القديم؛ فقد جاء أسلوب البناء، الذي قورِن بسفر الملوك الأول (7: 12): "وللدار الكبيرة في مستديرها ثلاثة صفوف منحوتة، وصَفْ من جوائزِ الأرز، كذلك دار بيت الرَّب الداخليَّة، ورُواق البيت"؛ وهناك مجموعة الأبنيَّة بأعمدة، في تل المُتسلِّم، أيضاً، وهي ما ربطت بسفرِ الملوك الأول (9: 15)، بما جاء فيها: "وهذا هو سبب التسخير، الذي جعلهُ الملك سليمان، لبناء بيت الرب، وبيتِه، والقلعة، وسور القدس، وحاصور، ومجدو، وجازر". وفي السفرِ نفسه (9: 19): "وجميع مدن المخازِن التي كانت لسليمان، ومدن المركبات، ومدن الفرسان"؛ وفيما بعد، دعم هذا الرأي"يادين"، الجنرال السابق في الجيش الصهيوني، وأحد الشخصيات الرئيسية في الآثار الصهيونية، المبرمجة لتربط نفسها، وبشكل مُصطَنَع، بتاريخِ شعوب انقرضت، عندما قارن بوابات تل المُتسلِّم (مجدو)، وتل القدح (حاصور)، وتل الجزري (جازر)، بالرغم من أنه هو نفسه، يؤرِّخ، أو يُعيد تأريخ "مجموعة الأبنِية بأعمدة"، إلى القرن التاسع، مخالفاً رأي البعثة الأمريكيَّة، وإن كانت البوابات في المدن المذكورة. وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون أسوارها متشابهة، فكيف لا يمكن ربطها بسِفرِ الملوك الأول (9: 15)، المستشهد به أعلاه؟! وهي المدن إيّاها، المذكورة في تلك العبارة؛ إلى جانب ربط التخريب الملاحظ، في طبقة (تل عراد)، بحملة الفرعون المصري "شيشناق"؟ ويبدو الجانب الأيديولوجي، الذي ينطوي عليه ربط العهد القديم، بالآثار المكتشفة، للمدن الفلسطينية، كـ(تل المُتسلِّم)، و(تل القدح)، (وتل الجزري)، في العبارة التالية لـ "يادين": "إن الجهود الآثارية، الرامية إلى الكشف عن بقايا مباني سليمان، وهو أعظم بناء من بين ملوك إسرائيل، هي جزء من النشاط المثير، للتنقيبات في الأرض المقدسة، على مدى السبعين سنة الماضية". كان عالم الآثار الصهيوني إيجال يادين (Yigal Yadin)، أول من اعتقد بوجود صلة تجمع هذه المدن الثلاث، المدعوة بالمدن الملكية. فخلال إشرافه على أول حملة تنقيبية شاملة، في موقِع (حاصور)، اكتشف يادين بوابة رئيسية، في سورِِ المدينة المزدوج، ذات نمط خاص. فهي عبارة عن ممر عريض، تحف به ست غرف، ثلاث عن اليمين، وثلاث عن اليسار. وقد أرجع المنقب السور، إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وعزا بناءها للملك سليمان. وبما أن بوابتين متشابهتين، كانتا قد اكتشفتا بشكل جزئي، في كل من (مجدو)، و(جازر)؛ فقد انتقل "يادين"، مباشرة، إلى (مجدو)، وأعاد التنقيب في موقعها، فكشف عن بقيَّة أجزاء البوّابة، التي تبين له تطابقها، من حيث التصميم مع بوّابة (حاصور). وبما أن الظروف لم تسمح له بإعادة التنقيب في (جازر)؛ فقد عمد إلى وضع رسم تخطيطي، للجزء غير المُكتَشَف من بوابتِها، وجاء التصميم هنا، أيضاً، مشابها مع تصميم البوابتيْن الأخرتيْن. وقد أَرجع "يادين"، تاريخ بوابتي (مجدو)، و(جازر)، إلى القرنِ العاشر، أيضاً، واعتبرهما من بناءِ سليمان. وفي ذلك يقول المنقب أمنون بن تور - الذي يُشرِف، منذ أواخر التسعينيّات، على حملة تنقيبية شاملة، في موقع (حاصور)؛ في دراسة مطولة، نُشِرت على حلقتين، في مجلة علم الآثار التوراتي، خلال عام 1999 - ما يلي: "لسنوات طويلة، كان تأريخ يادين للبّوابات الثلاث، موضِع جدل، وأخْذٍ، ورَد. ولكن تأريخ يادين يواجه اليوم نقدا قويا، لعدد متنوِّع من الأسباب؛ وخصوصاً من قبل المنقبين، العاملين في موقع (مجدو)، الذين يقفون على رأسِ معارضي أساليب يادين في التأريخ. ومعظم هؤلاء يرجعون تاريخ البّوابات، إلى القرن التاسع قبل الميلاد. تتَّخِذ هذه المعارضة الآن أهمية خاصة؛ لأنها تأتي في سياقِ الجدل، الدائر في الحلقاتِ الأكاديميَّة (في إسرائيل، وخارجها)، حول تاريخيَّة عصر المملكة الموحَّدة. ذلك أن فريقاً من الباحثين اليوم، لا يكتفي بوصفِ إنجازات داود، وسليمان، على أنها نوع من المُبالغات النصيَّة، في كِتابِ التوراة، بل يذهب إلى القولِ، بأن أولئك المُلوك، كانوا شخصيّات خياليَّة، أو على أحسن تقدير، مشايخ قِبَلِيّين محليّين". وبعد أن ينتهي المنقب من تلخيص نتائج حفرياته، في موقع(حاصور)، يقول بخصوص البوّابة الشهيرة، ما يلي: "ولكن هل نستطيع أن نعزو البوّابة، والسور المزدوج، إلى الملك سليمان؟ لسوء الحظ ، فإنًّ البيّنة الآثاريَّة، لا تسمح لنا بتقرير تاريخ، على هذه الدرجة من الدِقَّة. هذا كل ما أستطيع الإدلاء به كعالِم آثار، من غير أن أدعي طول الباع؛ في التاريخ، أو الدراسات التوراتية. من الممكِن أن يكون سليمان مسؤولاً عن بناء البوّابة، والتحصينات؛ ولكن هذا القول ليس بالنسبة لي، نتيجة مبنيَّة على عِلمِ الآثار. فمن الممكِن، من الناحية الآثاريَّة، أن نعزو هذه النشاطات العمرانيَّة، إلى عهدِ المَلِك يربعام، الذي استقلَ بحُكمِ المملكة الشماليَّة، بعد موت سليمان" . يقول طُمسن، الذي شاركَ في عمليّات التنقيب، بموقِع (جازر)، في أواخر الستينيّات، عندما كان في طَورِ التدريب الميداني، ما يلي: "تم ربط وَصْف سِفر الملوك الأول (9: 15) الموجز، لبناءِ سليمان أسوار، تحصِّن بلدات أورشليم، وحاصور، ومجدو، وجازر، ببوابة، وحِصن، تم التنقيب عنهما، في موقِع حاصور القديم، في الجليل الشرقي. وتم التنقيب عن بوّابة شبيه معاصرة، في مجدو. هذه البوّابة لم يتم بناؤها، وِفق تصميم معماري مُشابِه جداً، فحسب، بل إن كُتلتها الحجريَّة الهائلة، قد قَطَعَت بالتِقنِيَّة نفسها تماماً. في حين لم يتم العثور، على أي شيء من هذه الفترة، في أورشليم، فإن موقع جازر، نَقَّبَ فيهِ البريطانيّون، في وقتٍ مُبكِّر، من القرن العشرين، وتم العثور فيه على نصف بوابة مُشابهة جداً، ذات قياسات مُماثلة. ومع ذلك، فإنها لم تلق أي اهتمام؛ لأنها رُبِطَت خطأ، ببناء يعود إلى العهد الهيليني. في عام 1966م، قرر المنقِّبون في جازر، التنقيب عن النصف الثاني المفقود، من بوابة جازر. كان مؤلِّف هذا الكِتاب، عضواً صغيراً في الفريق الآثاري، الذي عَثَرَ على هذا البناء، في جازر، في حفريَّة النبع (1967م). مع أنَّ الجُهد الكبير كان مُتمركِزاً، في العثورِ على هذه البوّابة، وتحديد هويّتها بتلك (الآثار)، الموجودة في مجدو، وحاصور؛ فقد كان واضحاً للتوِ، قبل أن تُخرَق الأرض، أنها كانت (بوّابة سليمانيَّة)، وأنها مُعاصِرة لـ (البوَابات السليمانيَّة) الأخرى، في مجدو، وحاصور. إن شكل البوّابة، ومقاساتها، قد أكَّدت ذلك. تم تعديل المدن، و(الكرونولوجيَات) (الستراتيغرافيَّة) (التطبيقيَّة)، المرتبطة بها، للمواقع الثلاثة الكبرى، بشكل سريع، ومشؤوم، على قاعدة ما كُنّا نَعتبِرهُ، آنذاك، فصولاً من الكِتاب (مُثبَتَة تاريخياً). هذا الإثبات المُفتَرَض لتاريخيَّةِ فعاليّات بناء سليمان، لم تؤثِّر، فقط ن على فهمِنا، وتأريخِنا لتلك المواقع؛ بل إنها، أيضاً، قادت كثيراً من المؤرّخين والآثاريّين، إلى تأكيد العَظَمَة الثقافيَّة، والماديَّة، والسياسيَّة، للـ (المَلََكِيَّة المتَّحِدَة). بدأت هذه (الفبرَكة) بالتصدع، عندما كشفت فرق التنقيب (الإسرائيلية)، عن بوابات مشابهة أخرى، في موقِع أشدود، اللا (إسرائيلي)، وفي موقِع لخيش، في المنخَفَض الساحلي الجنوبي. لقد أَرجَعَ المنقِّبونَ، تاريخ هذه البوّابات، إلى زمنٍ لاحِق، بمقدارِ قرنٍ كامِل، ونسبوها إلى فترة آثاريَّة، مختلفة تماماً عن بوّابات حاصور، ومَجدُّو، وجازر. وفي سنوات قِصار قليلة، أصبحت (البوّابات السليمانيَّة المزعومة). فمع تراكُم المزيد، والمزيد من المعلومات، بدأ المؤرِّخونَ تخفيض مَملكة، وإمبراطورية شاوول، وداود، وسليمان، إلى مرتبة (مَشيَخَة قِبَلِيَّة). في حين أن قضية تحديد تاريخ هذه البوابات، وقضية العِمارة (التذكاريَّة)، المنسوبة إلى فلسطين القرن العاشِر، أو بعد ذلك بشكل مُرجَّح أكثر، إلى القرن التاسع، تستمر في كونِها مَوضِع سِجال، من قِبَل الآثاريّين الميدانيّين. فقد أصبح من الواضح، أننا نَفتقِر إلى أي (كرونولوجيا) صالِحة للاستعمال فعلاً، لأجل هذه الفترة". أما الأدِلَّة، التي يبرزها فينكيلشتاين، في ما له علاقة بـ (تل المُتسلِّم)، الذي يقوم بإدارة تنقيبات ميدانية فيه، منذ أعوام؛ وإن قبلت بمجملِها؛ فهي قد تكون كافية لزعزعة فرضية المباني العظيمة، للمملكة المتحدة لداود، وسليمان. فأولاً؛ إن بوَابة تل المُتسلِّم (مجدو)، هي بعد الطبقة الخامسة أ ـ الرابعة ب؛ أَضِف إلى ذلك، أن هذا النمط من البوَابات، قد عثر عليه، في مواقعِ تَقع تحتَ نفوذ الفلسطينيّين القدماء، كأسدود، وتل الدوير، وخِربة الغرة. وبالطبع، وكما هو متوقَّع، فإنَّ نَص العهدِ القديم غير مؤكد زمنيا، بالإضافة إلى عدم الوضوح، الذي يعتري المقاطِع السليمانية فما هو المقصود بـ : "بناء مدن كبيرة؛ تأسيس مدن؛ أو أي شيء آخر"؟.