شبكة قدس الإخبارية

خاص: بلاطة على صفيح ساخن

هيئة التحرير

نابلس – خاص قدس الإخبارية: ثقوب في كل مكان ...  الجدران المتزينة بصور الشهداء، الأبواب، خزانات المياه، نوافذ البيوت المتلاصقة، عامود الكهرباء المهترئ، حتى قلوب القاطنين مؤقتا في مخيم بلاطة.

ثقوب تشهد على ليالي الاشتباكات المتواصلة في أزقة المخيم بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وما أطلق عليهم "المطلوبين"، اشتباكات علا فيها صوت بكاء الأطفال خوفا من صوت الرصاص، كما علت مناشدات مكبرات المساجد بحقن الدماء، إلا أنها لم تجد نفعا.

img_4525

أمام مقلى الفلافل وسط المخيم، وقف حاتم ينتظر ضيوفه على غير عادته، حيث كان يستقبلهم دوما على باب المخيم ويقتادهم بجولة فيه قبل الوصول إلى منزله، إلا أنه اليوم بات "مطلوبا"، ليس حيا ... وإنما ميتا.

ابتسم وحيانا، فيما التف حوله مجموعة من الأصدقاء - المطلوبين أيضا - تناقشوا أين سيستقبلوننا قبل أن يقرروا سريعا، فالتواجد في أزقة المخيم منتصف النهار ليس آمنا، ليمضوا أمامنا إلى أحد المنازل الذي تركه أصحابه بعد استهدافه وقاطنيه من قبل الأجهزة الأمنية.

سيجارة جديدة يشعلها حاتم أبو رزق (٣٠ عاما) ما أن ينهي القديمة، فيما لم يعد مكانا لأعقاب السجائر في المنفضة الممتلئة، "لم يصل المخيم يوما لهذا الحال، كان كباقي المناطق يوجد فيه عدد من المطلوبين على خلفية شجارات ومشاكل، إلا أنه وبين ليلة وضحاها تم تجيير المخيم واتهامه بالفوضى والفلتان وتلقي الدعم الخارجي".

الخيط الأول

لم تتعامل الأجهزة الأمنية بخطوات قانونية رسمية مع من أطلقت عليهم "المطلوبين" بإرسال الاستدعاءات لهم من خلال الشرطة، وبدأت باقتحامات المخيم ومداهمته بعناصر أمنية من نخبة الأجهزة وصل تعدادها في أحد الاقتحامات إلى ألفي عنصر، حسبما يوضح حاتم، ويقول، "كان المطلوبون ثلاثة شبان، بعد الاقتحامات وما تخللها من اعتداءات على الأهالي أصبح عدد كبير من شبان المخيم مطلوبين بسبب دفاعهم عن المخيم وتصديهم للاقتحامات".

وعند تتبع بداية اقتحامات الأجهزة الأمنية للمخيم، فقد كانت بالبداية بحجة احتواء بلاطة على مطلوبين من خارج المخيم، وهو ما ثبت عدم صحته لدى المخابرات الفلسطينية وجهاز الأمن الوقائي، إلا أن قضية المطلوبين ما لبثت أن ظهرت من جديد، "كان يوجد شابان مطلوبان على قضية جنائية، وكانت مشكلتهم متجهة للحل إلا أننا تفاجئنا بوقف صك الصلح من قبل المحافظ، وظهر أن نيتهم عدم حل هذه القضية بهدف خلق أزمة في بلاطة تقود إلى اقتحامه وتركعيه وباقي المخيمات".

عشرات المعتقلين في سجون أريحا

ويكشف حاتم أن اعتقالات الأجهزة الأمنية طالت عشرات الشبان من مخيم بلاطة والفارعة والأمعري وزج بهم في سجن أريحا بظروف سيئة جدا تفتقر لمقومات الحياة الأساسية إضافة لما يعانوه من سوء المعاملة.

"مؤسسات حقوق الإنسان غير مطلعة على أوضاع المعتقلين منذ شهور في سجن أريحا، وخاصة أنهم معتقلين بشكل غير قانوني على ذمة المحافظ"، يقول حاتم، مؤكدا على أن الأجهزة الأمنية هددت الكثير من المعتقلين من الحديث عن ظروف اعتقالهم والكشف عنها.

لا يوجد عدد معين للمطلوبين للأجهزة الأمنية في مخيم بلاطة، فيما أصبح كل شاب يقع تحت يدي الأجهزة مشبوها بمشاركته في الاشتباكات المسلحة التي دارت بين الطرفين خلال الاقتحامات، "تأزمت القضية بعد علمنا بإنزال خمسة عناصر ملثمة هدفها قتل عدد منا، وهنا أصبحنا نقول يا روح ما بعدك روح .. فهم من أظهروا نيتهم بالقتل".

التهم التي تنسبها الأجهزة الأمنية للمطلوبين عديدة، منها اتهامهم بمجموعة مسلحة تتلقى دعم خارجي من المفصول من حركة فتح محمد دحلان، إلا أن التهم ومهما اختلفت هدفها نزع السلاح من المخيم، يقول حاتم الذي قضى سبع سنوات داخل سجون الاحتلال، والآن هو مطاردا له "نحن تحت احتلال لا يجوز انتزاع سلاحنا، ولو كان اليوم موقف القيادة الفتحاوية بعدم استخدامه حاليا، إلا أن الموقف قد يتغير كما جرى بالسابق عند عودة منظمة التحرير لفلسطين وما قام به ياسر عرفات من نزع للسلاح ثم العودة لقرار الكفاح المسلح".

فيما نفى محافظ نابلس أكرم رجوب لـ قدس الإخبارية، ما ورد عن ظروف الاحتجاز في سجن أريحا، "هذا كلام غير صحيح وغير دقيق، وأتحداهم بذلك ... فالحقيقة مختلفة تماما".

فيما يبين أحد المطلوبين – نحتفظ على ذكر اسمه – أنه قبل عدة سنوات كانت هناك مناشدات لأبناء حركة فتح للتصدي لأي محاولة انقلاب، حيث كانت السلطة تعتبر سلاح المخيم شرعي، إلا أنه اليوم لم يعد شرعي بنظرهم، "ما يدور اليوم هو صراع متنفذين يسعون لتطبيق مخطط نجس يسعى لطمس قضية اللاجئين، بعدما سلب منا الاحتلال".

وأضاف، "عشنا ويلات النكبة والنكسة، وخسرنا كل شيء كنا نملكه ما عدا كرامتنا التي نتمسك بها".

ماذا يقول المحافظ؟

"أتحداهم، وأتحدى من يتحدث باسمهم أن يحاورني بالاسم .. أما أن يبقوا يتشدقوا بشعارات ليس لها بالواقع فهذا أمر مرفوض" قال محافظ نابلس أكرم رجوب، معلقا على الاتهامات التي وجهت له من قبل المطلوبين، وقال لـ قدس الإخبارية، "هل مطلوب مني كمحافظ أن أطلب من الأجهزة عدم ملاحقة واحد قاتل؟"

وعن مبادرة المطلوبين بتسليم أنفسهم مقابل ضمانات على حياتهم، علق رجوب، "ضمانات شو؟ .. هم اعتادوا على انهاء مشاكلهم بصفقات، وأنا لا أعمل صفقات ولا أساوم أو أفاوض واحد قاتل ... عليه أن يسلم نفسه والقضاء يصدر حكمه".

وتابع رجوب، "لا مشكلة لدي عند أي منهم .. هما مجموعة من السفلة والكذابين، يتذرعون بالخوف على حياتهم كمن تذرع بقميص يوسف، هذا كلام لا معنى له ولا قيمة".

وأكد الرجوب أنه لا يوجد لديه أي ضمانات يقدمها لواحد قتال، على حد قوله، "الحل يجب يسلم المطلوبين أنفسهم للعدالة".

وأوضح الرجوب أن كل المطلوبين من مخيم بلاطة عليهم قضايا لدى الشرطة، مشيرا أن لا معلومات عنده عن أعداد المطلوبين في المخيم، "المشكلة ليست بالمطلوبين، المشكلة بمن يوفر لهم غطاء، يوجد جهات تدعمهم خارجيا وداخليا".

المخيم يستعد لتسليم سلاحه

يبين حاتم أن أهالي المخيم على استعداد لتسليم سلاحهم إذا تم تسليم الأسلحة من كافة الأطراف، "لا يوجد بيت لا يحتوي على سلاح، وكما يطالبون المخيمات بتسليم أسلحتها التي تدافع بها عن نفسها، فيجب أن يسلم من يقطن في القرى والمدن أسلحتهم أيضا".

ويرى حاتم أن ما جر مخيم بلاطة لهذه الدائرة هو العنصرية في التعامل مع أهالي المخيم، "محافظ نابلس يعاني من فوبيا مخيم بلاطة، وهذا ما يلمسه أهالي المخيم في معاملاتهم اليومية"، مضيفا أن أهالي مخيم بلاطة يتشكون من إلقاء اللوم عليهم إثر أي مشاجرة تشهدها نابلس.

"كل المخيم نافر اليوم من الأجهزة الأمنية وممارستها، إلا أنه ما زال يؤمن بدور السلطة الحقيقي ..نحن نطالب بقانون وعدل على الجميع ويساوي أهالي المخيم بغيرهم"، يضيف حاتم.

فيما يضيف المطلوب م (٢٨ عاما) والذي زج به سابقا في سجون الأجهزة الأمنية مرتين على ذمة المحافظ دون توجيه تهم له، أن ما يمارس بحق المعتقلين من تعذيب وشبح وصولا إلى القتل كما حدث مع أبو العز حلاوة، يخوف المطلوبين من تسليم أنفسهم، وخاصة أنه بعضهم بات مطلوبا ميتا، "عندما يكون العدل سيد الموقف، فأنا أول شخص سيسلم نفسه .. نحن لسنا ضد الشرعية ولكننا ضد التلاعب الذي يمارس بحقنا".

وبين أن الظروف الصعبة التي يعيشها شباب المخيم وأهمها البطالة، تتطلب تقديم حلول وانتشالهم منها وتنفيذ مشاريع وتشغيلهم فيها، بدل ملاحقتهم باستمرار والتمييز ضدهم، " الحياة في المخيم صعبة للغاية، الحيوانات لا تستطيع تحملها .. إذا هما غير قادرين على تقبل مخيم بلاطة فليعودننا إلى بلادنا التي هجرنا منها"

هل الحل قريب؟

يرى النائب في المجلس التشريعي جمال الطيراوي أن حل أزمة مخيم بلاطة باتت قريبة، وفق ما أظهره الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الاجتماع الأخير مع الطيراوي مؤخرا.

وبين الطيراوي لـ قدس الإخبارية، "اجتمعت مع الرئيس أبو مازن للحديث حول مخيم بلاطة، وكان لقاءا إيجابيا وتم وضعه بكافة التفاصيل ولمست تفهم من قبله واقتناعه بضرورة عدم التعامل العسكري مع مخيم بلاطة وعدم عسكرة المجتمع الفلسطيني".

وأضاف أنه تم النقاش بحلول مختلفة كبديل لعمليات المداهمات التي تشنها الأجهزة الأمنية على المخيم، وأن يتم العمل ضمن القانون، وذلك بتحويلها إلى جهات الاختصاص القانونية وهي النيابة والقضاء وجهاز الشرطة فقط.

"نأمل أن يرى هذا الاتفاق حيز النور .. يوجد لقاءات حثيثة ومستمرة يتم تنفيذها لتطبيق الاتفاق الذي تم التوصل له مع الرئيس محمود عباس".

ويتوقع الطيراوي، أن الأيام القادمة ستكون أيام إيجابية تحمل بذور الأمل بحل أزمة بلاطة ولكن ضمن القانون الأساسي الفلسطيني وما اتفق عليه، "الرئيس الفلسطيني أكد أنه لن يسمح بالتطاول على حياة الناس أو كرامتهم".

وبما يتعلق بالمعتقلين على ذمة المحافظ، قال الطيراوي، "الاعتقال على ذمة المحافظ منافي للقانون، وخاصة أنه بعض المعتقلين أفرج القضاء عنهم ولكن لم يخترم قرار القضاء وتم توقفيهم بناء على تعليمات وزير الداخلية ومحافظ نابلس ما يتعارض مع قانون الحريات والقانون الأساسي الفلسطيني".

وتابع، "ما زلنا نرفع صوتنا عاليا في هذا الملف، فلا يجوز أي كان مهما كان منصبه السياسي أن يقف أمام قرار القضاء ولا يحترم تنفيذه".

من جانبه، قال محافظ نابلس أكرم رجوب لـ قدس الإخبارية، "لا يوجد لدي أي معلومات أو تفاصيل حول وجود اتفاقية .. نحن لدينا اجراءاتنا ومتابعتنا الأمنية، فاذا هما جاهزين يسلموا أنفسهم فأهلا وسهلا، وإذا كانوا غير جاهزين بنهاية المطاف سنقبض عليهم".

وعن الاعتقال على ذمة المحافظ، قال رجوب، أن المعتقلين في ذمة المحافظ هدفه ضمان السلم الداخلي والأمن العام، "عندما تكون أي مشكلة قد تؤدي لمشاكل اجتماعية، اضطر لوقف أي شخص بالموضوع على ذمتي حتى تنتهي القضية".

وتابع الرجوب، "مشكلتنا مع مجموعة من المطلوبين، أدعوهم للاستماع لصوت المنطق والعقل ويسلموا أنفسهم وينهوا الموضوع"