شبكة قدس الإخبارية

«مياه فلسطين».. تثير عاصفة في ألمانيا!

عمر عاصي

فلسطين المحتلة- قُدس الإخبارية: بالرغم من وجودها على واحد من أكبر الأحواض المائية في فلسطين، إلا أن «بلديّة سلفيت» في الضفّة الغربية تشتري مياهها من شركة «ميكوروت» الإسرائيلية؛ وذلك بسبب سيطرة إسرائيل على موارد المياه منذ عام 1967، وفوق هذا تُحدد «إسرائيل» لبلديّة سلفيت، وغيرها من البلديات، كميّة المياه التي تقررها هي، وتقطع عنهم المياه متى أرادت، إلا أن الأزمة هذا الصيف بلغت حدًا لا يُطاق في مدينة سلفيت، بل تفاقمت حتى وصلت إلى مُراسل قناة ARD الألمانية في تل أبيب الذي أعد تقريرًا حول الأزمة؛ ليُبثّ لاحقًا على أشهر البرامج الإخبارية، الأمر الذي لم يرق للوبي الصهيونيّ في ألمانيا، فانطلق يحرّض ضد القناة، ومراسلها؛ حتى وصل الأمر إلى تهديد المراسل بالقتل!

الحرب على ARD

في تقريره، لم يذكر مراسل قناة ARD الألمانية «ماركوس روش» Markus Rosch إلا أن شركة المياه الإسرائيلية «ميكوروت» قامت بتقليص كميّة المياه المزودة للفلسطينيين حتى 50% وقطعت عنهم الماء، بالرغم من الصيف الحارق في نفس الوقت الذي تنعم فيه المستوطنات القريبة بوفرة الماء، ثم تطرّق إلى جذور مُشكلة من خلال مقابلة مع أحد الخبراء الألمان في «رام الله»، الذي أوضح بأن الضفّة غنية بالمياه، ولكن المشكلة هي أن إسرائيل لا تسمح للفلسطينيين بحفر آبار للمياه، إلا بموافقتها، كما نقل شيئًا من معاناة السكان والأطفال الذين يعودون من مخيّماتهم الصيفية؛ فلا يجدون ماءً للاستحمام أحيانًا.

ومع أن تقريرًا كهذا، كان يُمكن أن يُنسى بسهولة، لو تمّ بثّه في أيّة قناةٍ عربيَّة، إلا أن بثّه الساعة الثامنة من مساء الأحد، ضمن برنامج Tagesschau وهو أشهر البرامج الإخبارية الألمانية، ويحظى بنسبة مشاهدة عالية جدًا؛ أثار عاصفة في ألمانيا، لم تهدأ، إلا قبل أيام قليلة، مع أنه بُث للمرة الأولى بتاريخ 14 اغسطس (آب)، فبعد يومٍ من البثّ اضطرّت القناة أن تنشر تعليقًا مُفصلًا؛ يرد على الاتهامات التي وصلتها، وبالرغم من ذلك لم يكتف المحرِّضون الذين راحوا يكتبون بعنفٍ ضد القناة ومراسلها، وعدم مهنيّتهم في تناول الأخبار، كما اتهموهم بأنهم ضد اليهودية، و«الفاشية» ونعتهم باللاسامية – وهي تُهمة خطيرة في ألمانيا- ولم ينحصر الأمر ها هُنا؛ فقد اشترك في الحملة مواقع كثيرة، وأشهرها صحيفة JüdischeAllgemeine وDIE WELT أو حتى صحيفة BILD التي نشرت تقريرًا مطوّلًا بعنوان «هذا ما خبأته عنّا قناة ARD»؛ للتشهير بالقناة ومراسلها، والتأكيد على أن التقرير مُضلل، وأنه لا مشكلة في موضوع المياه في الضفة الغربية.

إلى جانب هذه المعارك الإعلامية، أشار «د.فيربر» في مقالةٍ بعنوان «عاصفة في كأس ماء» يُعلّق فيه على الحرب التي شنّها اللوبي الصهيوني ضدّ التقرير، مؤكدًا أن المُراسل لم يتلقَ الانتقادات فقط، بل كذلك التهديدات بالقتل من خلال البريد الالكتروني. وبالإضافة إلى د.فيربر فقد اكّد ذلك «د.برايديرت» في مقالةٍ له ينتقد فيها الحرب ضدّ القناة، وهو يدعم أقواله من خلال ما شاهده في زياراته إلى فلسطين بين عام 2012 و 2014، يشرح فيه كيف أن الفلسطيني لا يُسمح له بحفر آبار إلى أعمق من 30 مترًا، بينما الإسرائيلي يحفر إلى أكثر من 100 متر!

مارتين شولتز وثورة الكنيست

حروبٌ كهذه ليست غريبة عن الساحة الإعلامية الألمانية؛ ففي عام 2014 زار «مارتن شولتز» Martin Schulz – رئيس البرلمان الأوروبي – الكنيست الإسرائيلي، وكان من ضمن ما قاله في خطابه باللغة الألمانية «سألني أحد الشباب الفلسطينيين، كيف يُمكن أن يكون بأن يحصل الإسرائيلي على 70 لترًا من المياه يوميًّا، في حين يحصل الفلسطيني على 17 لترًا فقط؟!»، وما أن انتهى السيّد شولتز من كلامه؛ حتى اندلعت «ثورة الكنيست» كما سمّاها البعض.

هذه الثورة، لم تنته لمجرد خُروج البعض من قاعة الكنيست أو ارتفاع أصواتهم بالتنديدات الغاضبة، فقد رد «نتنياهو» على شولتز بأن ما قاله ليس دقيقًا، وبذلك اندلعت موجةٌ جديدة من البحث حول حقيقة وضع المياه في الضفة الغربية، وبالفعل فقد أشار العديد من الخُبراء إلى أن الأرقام التي أوردها مارتن شولتز على لسان الشاب الفلسطيني ليست حقيقية، ولكنَّها حقيقية من حيث إنها تعكس حقيقة الأزمة والنِّسَب، فما هي الأرقام الحقيقة؟

تقارير ألمانية كثيرة نُشرت، تؤكد أن استهلاك الإسرائيلي للمياه هو أكبر بـ 3 مرات ونصف من الفلسطيني، كما أن الإحصاءات تُشير إلى أن كميّة المياه المتاحة للمواطن الإسرائيلي هي 250 لتر في اليوم، بينما كميّة المياة المتاحة للفلسطيني هي 70 لترًا فقط، أي أقل من الحد الأدنى الموصى به من قبل الأمم المتحدة، التي أصدرت تقريرًا آخر يشير إلى أن كمية المياه التي استهلكها المستوطن الإسرائيلي في الضفّة الغربية هي 6 أضعاف ما استهلكه الفلسطيني في عام 2012، كما أن وثائقيًا ألمانيًا بعنوان «حرب على المياه » لقناة ARTE أكّد بأن استهلاك المستوطن الإسرائيلي هو 10 أضعاف ما يستهلكه الفلسطيني، فالفلسطيني يستهلك 60 مترًا مكعبًا في العام، بينما المستوطن الإسرائيلي في الضفة يستهلك 600 متر مكعب في العام!

20 عامًا من أجل المياه في فلسطين!

خلف الكثير من التقارير الألمانية المُتعلقة بما يُسمى “الكارثة المائية” في فلسطين حتى أو «الابارتهايد المائي» Hydro-apartheid يقف الباحث الألماني« كليمينس ميسرشمد» Clemens Messerschmid صاحب كتيب «آخر رشفة…أزمة المياه في فلسطين»، وهو الذي درس الجيولوجيا والهيدرولوجيا في ميونخ وآخن، ثم انتقل عام 1997، بعد اتفاقية أوسلو، للعمل في الضفة الغربية في مجال حفر الآبار، كما يعمل حاليًا على بحثٍ حول المياة الجوفيّة في فلسطين.

بعد 20 عامًا في فلسطين يؤكّد ميسرشمت لـ«ساسة بوست»ان الوضع لم يزدد إلا تعقيدًا، فالمياه المتاحة للفلسطينيين اليوم هي أقل بكثير مما كانت عليه حين قَدِم؛ فالمشكلة بحسب رأيه ليست مشكلة جفاف وفقر مائي، كما تُظهرها وسائل الإعلام، ولا هي كذلك في فرق الاستهلاك الهائل بين الفلسطينيين والإسرائيليين فقط، فالضفة الغربية غنيّة بالأمطار، ولكن مشكلة المياه الحقيقية في فلسطين هي مُشكلة سياسيّة سببها تحكّم إسرائيل في مصادر المياه منذ 1967.

وبحسب الباحث، فإن كميّة الأمطار التي تهطل في «رام الله» في الضفة الغربية تبلغ 619 ملم سنوياً، وللمقارنة فإن كمية الأمطار السنوية في لندن هي أقل من رام الله، وتبلغ 596 ملم، وفي براندينورغ في ألمانيا تبلغ 550 ملم فقط، وبالتالي لا يُمكننا الحديث عن منطقة تفتقر للمياه فتحكم إسرائيل بالمياه بموجب أوامر عسكريّة، كالأمر العسكري رقم 158 الصادر في عام 1967، والذي يقضي بانه لا يسمح القيام بأي مشروع فلسطيني في مجال المياه، دون أخذ تصريح من إسرائيل، هو السبب، حيث يُمكن لإسرائيل أن ترفض أي مشروع، دُون أن يكون هناك سببٌ يُذكر!

ليس هذا كُله فقط ما يجعل ميسرشمد من أنشط الداعمين للفلسطينيين وحقهم في المياه، فالكثير من المشاريع والانشطة الألمانية التي يُمولها المواطنين الألمان بمئات الملايين من اليوروهات – من خلال الضرائب– تذهب سدىً بسبب غطرسة اسرائيل وتعقيدها لإجراءات تنفيذ المشاريع، فلا يمكن أن يعقل بأن بعد كل مئات ملايين اليوروهات التي دُفعت كمساعدات أن يُصبح حظ الفلسطينيين من المياه أقل مما كانوا يحصلون عليه قبل اتفاقية أوسلو؛ وبالتالي من حق كل مواطن أن يعلم ماذا يجري في هذه المُساعدات، فهذه المعرفة وحدها هي التي يُمكن أن تخلق الوعي السياسي المناسب في ألمانيا والعالم، للضغط على إسرائيل وتأمين حاجة الفلسطينيين الكافية من الماء!

المصدر: ساسة بوست